فهمٌ جديد لجهاز المناعة البشري

استخدم العلماء حواسيبَ لفهم كيفية تعاون جميع أجزاء الجهاز المناعي مع بعضها، منشئة بذلك نوعًا من «الشبكة الاجتماعية» بين الجزيئات، وذلك لتحسين فهمنا لكيفية عمله جملةً.

تشكّل مُسببات الأمراض المُعدية، مثل الفيروسات والجراثيم، تهديدًا مستمرًا لصحتنا ورفاهيتنا. ومع ذلك فإنَّ أجسامنا تقاوم هؤلاء الغزاة من خلال جهازٍ مناعي معقد يتكون من العديد من أنواع الخلايا المختلفة، التي تنتج مجموعةً واسعة من البروتينات المختلفة. ولكي تعمل هذه الشبكة من الخلايا بصورةٍ صحيحة، فلا بدّ من أن تنتشر في جميع أنحاء الجسم وتتفاعل مع أعضاء آخرين في جهاز المناعة. تتم معظم تلك التفاعلات بتواسط مجموعة من مئات البروتينات المختلفة المتواجدة على السطح الخارجي للغشاء الخلوي.

يعرف العلماء أن البروتينات الغشائية تساعد الخلايا المناعية المتنوعة على العمل معًا للسيطرة على الأخماج، والتعرف على الأورام، بل وحتى التسبب في أمراض المناعة الذاتية. ولكنهم لا يفهمون تمامًا كيف تفعل ذلك. لذا صمم فريقٌ من الباحثين، من المملكة المتحدة وسويسرا، مؤخرًا تجربة واسعة النطاق لاستخدام وجود وغياب بروتينات غشائية مختلفة على الخلايا المناعية في جميع أنحاء الجسم، لإنشاء شبكة تظهِر هذه التفاعلات العديدة.

تمكّن الفريق من تحديد 630 بروتينًا غشائيًا مختلفًا تنتجه الخلايا المناعية. ولدراسة كل واحد من هذه البروتينات الغشائية، استخدم الفريق قطعةً من الدنا DNA لإجبار الخلايا على إنتاج الكثير من بروتين غشائي مفرد في كل مرة. وجمع الفريق بعد ذلك البروتينات المنتَجة وطلوها ببروتين آخر يسمى بيوتين. ولُصق جزء من هذه البروتينات المغلفة بالبيوتين بقاع طبق بلاستيكي خاص.

خلط كل بروتين ملتصق بالطبق، مع بروتين مغلف بالبيوتين لبضع دقائق، واحدًا تلو الآخر. وإن كان البروتينان الغشائيان قادران على التفاعل مع بعضهما فسوف سيرتبطان معًا. عن طريق غمر هذه الأطباق بمحلول مائي، فإنّ أيّ بروتينات لم ترتبط بالبروتين الملتصق بالطبق ستزال. أخيرًا، أُضيف جزيء متوهج إلى الأطباق لا يمكنه الارتباط إلا بالبروتين المغلف بالبيوتين. إذا أمكن تفاعل زوج من البروتينات، فإن الجزيء المتوهج سيظل ضمن الطبق ويمكن رؤيته بواسطة مجهر قوي. بهذا، يمكن للفريق كشف ما إذا كان اثنان من بروتينات الغشاء يتفاعلان مع بعضهما أم لا.

من خلال مقارنة كل مزيج ممكن من البروتينات الغشائية البالغ عددها 630 بهذه الطريقة، تحقق الفريق من جميع الأزواج المعروفة سابقًا تقريبًا، وحدد 28 زوجًا جديدًا. قيست قوة هذه التفاعلات بواسطة عملية تسمى رنين بلازمون السطح SPR. خلط الفريق بروتينين يمكنهما التفاعل معًا داخل أنبوب جديد، ثم أطلقوا حزمةً من الإلكترونات على المزيج. في حال ارتبط البروتينان، فإنهما سيغيران اتجاه الحزمة قليلًا. من خلال إضافة البروتينات معًا ببطء، يمكن للفريق قياس كمية البروتين اللازمة لحدوث الارتباط وتغيير الحزمة. كان هذا القياس كافيًا أيضًا لإخبار الفريق عن مدى قوة الرابطة بين كل بروتينين.

باستخدام هذه القياسات، أنشأ الفريق شبكة لكل تفاعل بروتيني ومدى قوته. من خلال هذه المعلومات، حددت الشبكة البروتينات التي تتفاعل مع بعضها. بالإضافة إلى ذلك، حين وجدوا أن بروتينًا واحدًا يمكنه التفاعل مع عدّة بروتينات أخرى، كان يمكنهم التنبؤ بالبروتين الذي سيفضله بناءً على قوة التفاعل.

في حين أن الشبكة التي أنشأها الفريق تظهر قوة تفاعلات البروتينات الغشائية، لن تنتج كل خلية كل البروتينات الغشائية. لذلك، استند الفريق إلى الأعمال السابقة عن البروتينات الغشائية للعثور على كميات البروتينات وأنواعها التي يعبر عنها وكيفية تغيرها مع مواقع مختلفة من الجسم. وبفضل هذه المعلومة الأخيرة، تُظهر الشبكة الآن أيّ الخلايا تتفاعل مع أي الخلايا الأخرى، ومدى القوة التي تحكم حدوث تلك التفاعلات، ويمكنها في النهاية التنبؤ بكيفية عمل خلايا مناعية في جزء من الجسم مع خلايا مناعية أخرى في جزء آخر من الجسم.

يأمل الفريق، من خلال هذه الشبكة، أن يتمكن الأطباء والعلماء من اتخاذ قرارات أفضل بشأن الرعاية الصحية، وإجراء مزيد من الأبحاث في مجال الصحة المناعية مثل تطور أمراض المناعة الذاتية. بالإضافة إلى ذلك، يشير الفريق إلى أن 28 تفاعلًا جديدًا لم تدرس سابقًا في الخلايا الحية، وتحتاج إلى التحقق منها. قد تؤدي دراسة مكان التعبير عن هذه البروتينات في الجسم وما هي الخلايا التي تستخدمها إلى فهمٍ أحسن لجهاز المناعة.

  • ترجمة: مجد العمر
  • تدقيق علمي ولغوي: موسى جعفر
  • المصادر: 1