الموظفون الأوفياء أكثر عرضةً للاستغلال، وإليك السبب
ربما يكون الوفاء فضيلة، ولكن من الممكن أن يكون نقطةَ ضعفٍ أيضًا.
على الرّغم من أنّ المدراء يميلون إلى تقدير الموظفين المخلصين، إلا أنّهم يتّجهون أيضًا إلى استغلالهم عند تكليفهم بعملٍ غير مدفوع الأجر أو مهامٍ إضافية، كما أظهرت دراسةٌ جديدة.
ولكن لا يعني ذلك بالضرورة أنّ هؤلاء المدراء سيّئون، حيث يشير الباحثون إلى أنّ بعضهم قد يكون غير مدركٍ للنتائجَ الأخلاقيّة لقراراتهم، وهذا الأمر ليس مريحًا بالنسبة للعاملين المخلصين الذين يضطرون إلى تحمّل أعباء العمل الإضافي كثمنٍ واضحٍ لولائهم.
يقول الكاتب الرئيسي ‘ماثيو ستانلي/Mathew Stanley’ الذي يقوم ببحوث ما بعد الدكتوراه في ‘كليّة فوكوا للأعمال في جامعة ديوك في الولايات المتحدة الأمريكية/ Duke University’s Fuqua School of Business in the US’: “تريد الشركات العاملين المخلصين، وهناك الكثير من الأبحاث التي توضّح أنّ هؤلاء العاملين يوفّرون جميع أنواع الفوائد الإيجابيّة للشركات، ولكن يبدو أنّ المدراء يميلون إلى استهدافهم لممارسات استغلالية”.
استقطب ستانلي وزملاؤه ما يقارب 1400 مدير على الإنترنت للمشاركة في الدراسة، حيث تمّ عرض سيناريوهات مختلفة على المديرين تتضمن موظّفًا خياليًّا يبلغُ من العمر 29 عامًا يُدعى جون، وقيلَ لهم أنّ جون يعمل في شركةٍ تحاول تقليصَ التكاليف. وبناءً على ذلك، قام المديرون بتقييم استعدادهم لتكليف جون بساعات عملٍ وواجباتٍ إضافيّة دون زيادةٍ في الأجر.
وجدت الدراسة أنّ المدراءَ قد منحوا جون عملًا أكثر بشكلٍ ثابت لأنه بدا كرجلٍ مخلص، بغضّ النظر عن كيفية صياغة السيناريو من قبل الباحثين الذين وجدوا بعد قراءة رسائل التوصية المتعلقة بجون، أنّه زاد استعداد المديرين لتكليفه بالعمل غير المدفوع، عندما أبرزت تلك الرسائل ولاءه وتفانيه في العمل.
ولم تكن الرسائل المختلفة التي تشيد بجون على السمات الإيجابية أخرى، مثل: الصدق أو العدالة، لها نفس التأثير، ممّا يشير إلى أنّ الولاء تحديدًا هو ما جعل المديرين يشعرون بالارتياح عند تكليفه بالعمل.
علاوةً على ذلك، وجدت الدراسة أنَّ قبول جون لهذا العمل يمكن أن يعزّز معاملة المديرين له. عندما قرأ المديرون وصفًا لجون وهو مستعدٌّ للعمل بساعاتٍ إضافيّة وواجبات، قيّموه على أنّه أكثر ولاءً من الموظّف الخيالي الآخر الذي كان يرفض العمل الإضافي الاختياريّ.
يقول ستانلي: “إنّها دائرة مفرغة. يتمّ اختيار العاملين الأوفياء عادةً للاستغلال، وعندما يفعلون ما تمّ اختيارهم لأجله، يتلقون زيادةً في سمعتهم كعاملين أوفياء، مما يجعلهم أكثر احتمالًا للاختيار في المستقبل”.
يعترف الباحثون بأنّ بعض حالات الاستغلال أكثر وضوحًا من الأخرى، ويمكن القول أنّ العمل الاختياري ليس استغلاليًّا إذا كان المديرون يطلبون من العمّال القيام به دون مقابل.
ولكن بالنظر إلى العلاقة القويّة بين الموظفين والمديرين، الذين قد يسيطرون على الوصول إلى موارد حيوية، مثل: الأجور أو التأمين الصّحي للعمّال، يشير البحث السابق إلى أنّ العمّال يشعرون في كثيرٍ من الأحيان بأنهم لا يستطيعون رفض طلب القيامِ بعملٍ إضافي دون مقابلٍ بأمان.
ومن جانبهم، يبدو أنّ المديرين ينظرون إلى ذلك على أنّه أمر طبيعي، حيث يتم تكليف العمّال الأوفياء بشكلٍ طبيعي بالعمل الإضافي وفقًا لولائهم.
من الممكن أن يكون هذا السلوك أقلَّ شرًّا ممّا يبدو، وفقًا لما يشير إليه الباحثون، وبالرّغم من أنّه لا يبّرر المعاملة السيئة، فإنّ ميل المديرين لاستغلال العاملين المخلصين يمكن أن يكونَ ناتجًا عن ‘الجهل الأخلاقي’، أو الجهل بخصوص سلوكهم الظالم.
يقول ستانلي: “معظم الناس يرغبون في أن يكونوا جيّدين، ولكنهم يتجاوزون ذلك بشكلٍ مفاجئٍ ومتكررٍ في حياتهم اليوميّة، ويعود ذلك إلى العمى الأخلاقي، حيث أنّهم لا يرون كيف يتعارض ما يفعلونه مع المبادئ والقيم التي لديهم”.
وفي هذه الحالة، يقترح الباحثون طريقةً للحد من الاستغلال، وهي زيادة الوعي حول هذه الظاهرة بين المديرين لمساعدتهم على توقّع نقاط الجهل الأخلاقيّ لديهم.
ويوضح الباحثون أيضًا أنّ الولاء ليس بالضرورةِ سلبيًًا، ولا ينبغي على العاملين تجاوز القيام بالواجب دائمًا.
ويقول ستانلي: “لا أريد القول أنّ نتيجة البحث هي عدم الولاء لأيّ شخصٍ، لأن ذلك سيؤدّي إلى كارثة. نحن نقدّر الأشخاص الأوفياء، ونراهم بصورةٍ إيجابيّة، كما أنّه يتمّ تكريمهم في كثيرٍ من الأحيان؛ لذا إنّها ليست الجانب السلبيّ فقط، بل إنّها أمرٌ معقّد ومحيّر”.
تم نشر الدراسة في ‘مجلّة علم النفس الاجتماعي التجريبي /Journal of Experimental Social Psychology’.
- ترجمة: محمد فواز السيد
- تدقيق علمي ولغوي: روان نيوف
- المصادر: 1