كيف يُغيرنا الفقدان، وكيف يمكننا البدء في عيش الحياة مرة أُخرى

نقاط رئيسية

  • قد يترك فقداننا لعلاقة أَو وظيفة أَو منزل أو أَحد أحبائنا، احساسًا بالضياع.
  • الحزن قد يكون على هيئة فقدان جزء من احساسنا بذاتنا وهويتنا.
  • اكتشافنا وإبقائنا على استقرار جديد، يساعد على احساسنا بذاتنا وعلى الاستمرار وعيش الحياة بأكملها.

قد يترك لدينا فقدان أَي جانب محدد لهويتنا في الحياة كعلاقة أو وظيفة أَو مكان ندعوه بالمنزل أَو وفاة أحد أحبائنا، احساسًا بالضياع والانفصال. ويمكن أَن ينشأ لدينا إحساس بعدم اليقين والتشوش والضعف والتيه; ردًّا على الغياب الدائم أو غير المتوقع لشخصٍ أَو مكان أَو شيء مألوف.

وقد تُساورنا الرغبة لإِعادة التواصل أو استعادة ما فقدناه. وأي يأس مرتبط بعبثية محاولاتنا قد يُصيبَنا بالغم.

إحساسنا بالذات

الغم ليس فقط شعورًا بالحزن أو الفراغ، ولكنه يمكن أَن يشمل أَيضًا فقدان جزء من إحساسنا بذاتنا وهويتنا، فجأة أصبحنا غير مُكتملين!

إِن الشعور بالاستقرار والثبات والاستمرارية هو أمر جوهري لمفهوم الذات (Nathanson، 1992) وأَنَ خسارة شيء أَو شخص مهم يمكن أَن يشوش -مؤقتًا- على الشعور بالقوة والاستمرارية والعاطفة التي تدفعنا للحياة، والتي تَتَبَّعها بعض المُنظّرين إلى الوعي الشخصي والإحساس بالذات الذي ينشأ من خلال التعامل مع الأشخاص والعيش في بيئات مختلفة (Basten & Touyz,، 2020).

لذا، فإِنَ المكان الذي نعيش فيه ليس مجرد منزل، إنهُ أَيضًا مجتمع.

نحن مرتبطون بالآخرين في مكان عملنا؛ فشركاؤنا يخلقون بيئات نحدد فيها أنفسنا. وبالتالي، فإِنَ ذكريات شخص ما أو شيء فقدناه يؤثر على الطريقة التي ننظر بها إلى أنفسنا بقدر ما يؤثر إحساسنا بذاتنا على كيفية تذكرنا للماضي وما كان لدينا من قبل (Wilson & Ross, 2003).

مثل “الإحساس بالذات” فأَن “الهوية” تُعَبّر عن التشابه أو الوحدة/ الاتحاد.

نحن نصبح المؤلفين لهويتنا فيما نعمل على خلق قصة حياتنا، ونربط بين جوانب الحاضر والماضي ومستقبل ذاتنا، ونربط إحساس وجودنا بكيفية تصرفنا وتفكيرنا (McAdams، 1987).

إِنَ الخصائص التي تُحَددنا وتُحَدد هويتنا، مُشَبّعة بنوعية تشابهنا بمرور الوقت. والهوية تُحَدد كيف نرى أنفسنا والتزاماتنا بالمعتقدات والقيم (Basten & Touyz, 2020).

إلى جانب الإجابة على السؤال الأَساسي حول من نحن، تتضمن الهوية أَيضًا إحساسنا بالانتماء والقبول على عكس مشاعر الرفض أو كره الذات (Plutchik, 2013).

قد تقودنا الخسارة إلى التساؤل عن الطُرق التي ننتمي بها، وما إِذا كان الآخرون سيتقبلوننا أم لا; نظرًا للتغييرات التي حدثت فينا وفي حياتنا.

يُعزى مفهوم الهوية ونظرية تكوين الهوية التي أَصبحت الدعامة الأساسية في علم النفس في المقام الأول إلى عمل إريك ه. إريكسون -Erik H. Erikson-.

استنادًا إلى خسارته وحرمانه، وهي خسارة قد لا تبدو جديرة بالشعور بالغم (Doka, 1989).

في جوهره، كان بحث إريكسون عن هويته مدفوعًا بشوقه لمعرفة والده البيولوجي، الذي رفضت والدته الكشف عن اسمه طوال حياته. حيث أَعطت الشاب إريك لقب زوجها الثاني، وحتى أواخر سن المراهقة، كان يعتقد أَن زوج والدته هو والده البيولوجي (Friedman, 1999).

وكشخصٍ بالغ، يبحث عن هويته الخاصة وتوقه الواضح لملء المعلومات المهمة المفقودة من سيرته الذاتية. غَيّر اسمه من إريك هومبرغر Erik Homburger إلى إريك هومبرغر إريكسونErik Homburger Erikson.

ذكريات السيرة الذاتية

ذكريات السيرة الذاتية هي أساس إحساسنا بذاتنا وهويتنا. فهي تتكون من خلال تذكر سلسلة من التجارب الشخصية المهمة التي توفر المعرفة بالذات من الماضي والتي تسمح لنا بتشكيل أنفسنا في المستقبل. كيفية رؤيتنا لأنفسنا في هذا العالم يتعلق باستمرارية تلك الذكريات التي تُشكّل قصة حياتنا (Gallagher, 2000).

حيث تعزز ذكريات السيرة الذاتية مشاعرنا بالثبات الشخصي عَبّر الزمن، وتلعب دورًا في بناء هويتنا الشخصية (Wilson & Ross, 2003).

تحمل بعض الذكريات الكثير من العاطفة الجياشة طوال حياتنا، حيث تتبادر إلى أذهاننا مثل مَشاهد أَفلام، ونميل إلى تذكرها بشكلٍ متكرر; كمعايير أو نقاط مرجعية في حياتنا (Singer & Blagov، 2004).

هذه الذكريات تُحدد نفسها بنفسها، وتصبح مرتبطة بذكريات أُخرى مماثلة لها، ويميلون معًا للتركيز على مخاوف أو شاغل دائم، أو صراع لم يُحَل بعد، أو يعطوننا رؤى ثاقبة للصورة المتشابهة لأنفسنا (Singer & Blagov, 2004).

إِنَ هذه المراحل الرئيسية من الطفولة إلى أواخر مرحلة البلوغ، تخلق فصول قصة حياتنا وتسلط الضوء على المواضيع الرئيسية فيها (Singer, 2019; Singer & Blagov, 2004).

كما تشمل علاقتنا بالآخرين والأوقات التي تغلبنا فيها على الظروف الصعبة، والبصيرة التي اكتسبناها من أحداث الحياة والتي مكنتنا من إعطاء معنى للأشياء.

حيث تحمل هذه الذكريات شحنة عاطفية، مما تُضيف قيمة إيجابية أَو سلبية مضاعفة; لإِعادة إِحياء الأحداث الماضية (Singer & Blagov, 2004). ويمكن لتلك الذكريات أَيضًا زعزعة فهمنا العقلاني للتجارب السابقة، ومضاعفة أهمية الأحداث الجارية المماثلة (Singer & Blagov, 2004).

لذلك، عندما نفقد شيئًا ما أو شخصًا في حياتنا، فذلك يؤثر على قصتنا الشخصية.

قد يواجه الأَشخاص المرتبطين بعلاقة وثيقة، تداخلًا معرفيًا لمفاهيمهم الذاتية; حيث يتم دمج ميزات الآخر في معرفة المرء الذاتية، وقد يخلطون بين الذات الشخصية والأُخرى القريبة (Mashek et al., 2003; Swann & Bosson, 2010).

وهكذا، عندما تُصبح هويتنا مرتبطة بشخصٍ قريب، ثم يُصبح هذا الشخص غائبًا عن حياتنا، فإِننا نشعر وكأَن جزءًا من أَنفسنا قد ضاع.

ماذا سنفعل حيال هذا؟

أَدخَلت التجارب الشخصية المُتداخلة السابقة، شخصًا محبوبًا أَو شيئًا محبوبًا في إحساسنا بالذات والهوية، في حين أَن التجارب الفردية الجديدة تساعدنا على إعادة تأسيس شعور منفصل بالذات.

إن اكتشافنا وحفاظنا على استقرار جديد في إحساس المرء بالذات عند انتقال أَو موت أَحد أحبائنا أَو عندما تتغير ظروفنا، يساعدنا ذلك على الاستمرار في العيش بشكلٍ كامل، وتُصبح التحديات التي نواجهها في العمل الحالي أو في عمل جديد أو الدراسة أو في طموح فريد من نوعهِ، تجربة خاصة بالمرء.

ولا يتم تعريف هويتنا فقط من قِبَل شخص أَو شيء أحببناه وفقدناه، في حين أَنَ الخسارة قد تغيرنا، لكن لا يجب أَن تُحَدد هويتنا.

ويمكننا أَن نتعلم دمج الخسارة في إِحساسنا بالذات وفي هويتنا وإيجاد طُرق جديدة لنعيش حياتنا.

قد لا نعرف أَين نحن أَو كيف نصل إلى وجهة جديدة، لكن بدلًا من الضياع، يجب أَن نجد أنفسنا وسط أنقاض حُبَنا الذي فقدناه.

  • ترجمة: منى اعجاز
  • تدقيق علمي ولغوي: فاطمة قائد
  • المصادر: 1