صدمات الطفولة تُسرّع الشيخوخة

في إحدى الدراسات الحديثة، توصّل الباحثون إلى أنّ إساءةَ معاملةُ الأطفالِ وتعرُضِهم إلى سلوكيات مضطربة في مرحلةِ الطفولةِ، قد يُنتج عنها ظهور علامات الشيخوخة مبكراً، ممّا يجعلهم عُرضة للأمراض المرتبطة بتقدم العمر مثل الخرف.

إنّ الأذى النفسي الذي يتعرض له الأطفال مثل التنمر أو معاملتهم بشكلٍ سيء، يمكن أن يكون له عواقبٌ وخيمةٌ على المدى البعيد، وقد تُرافق بعض الأطفالِ حتى مرحلة بلوغهم، ولا يرتبط هذا الأذى النفسي بالصحة العقلية للطفل فحسب، بل من الممكن أيضاً أن تنعكس على صحتهم الجسدية.

فالأطفال الذين عانوا من صدماتٍ في مرحلة الطفولة على سبيل المثال، ترتفع لديهم عادة معدلات السُمنة والإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية وإدمان المخدرات، ويعتقد العلماء أيضاً أنّ السلوكيات الخاطئة مع الطفل يمكن أن تُسرّع في العمر البيولوجي للشخص إلى عمرٍ أكبر من عمره الفعلي، في عملية تسمى (الشيخوخة المتسارعة).

وقد طوّر الباحثون نماذج لقياس مؤشرات الشيخوخة المتسارعة، وتعرف هذه النماذج باسم (المؤشرات الحيوية)، وكشفت هذه المؤشرات عن العمليات البيولوجية التي تحدث داخل الجسم، مثل مستويات السكر في الدم وعدد خلايا الدم البيضاء. فيستخدم الأطباء هذه المؤشرات الحيوية لتقييم صحة الإنسان، وحساب مقدار تسارع التقدم في العمر عن طريق قياس المؤشرات الحيوية للمريض، وهذا ما يُشار إليه بالعمر الظاهري.

العمر الظاهري يختلف عن العمر الفعلي أو الزمني للشخص، وذو فائدة كبيرة للتنبؤ بالمشكلات الصحيّة المرتبطة بالعمر، يستطيع من خلاله الأطباء تحديد الأمراض المترتبة على التقدم في العمرِ بشكلٍ أفضل مثل الخرف، من خلال تقدير العمر الظاهري للفرد باستخدام المؤشرات الحيوية الخاصة به. إضافة إلى ذلك، يساعد معرفة العمر الظاهري على تحديد العلاج واتخاذ التدابير الصحيّة والوقائية المناسبة لأمراض الشيخوخة المتسارعة.

أجرى بعض العلماء استبيان، طلبوا فيه من المشاركين البالغ عددهم ( 123،987 مشارك)، ملء استمارات يتحدثون فيها عن طفولتهم، بما في ذلك مواقف الإهمال، والاعتداء الجسدي أو العاطفي، وانعدام الأمن النفسي، والتجارب السيئة التي واجهوها، وقد حلّل العلماء البيانات التي جمعوها سابقًا من البنك الحيوي في المملكة المتحدة، وضمّت المؤشرات الحيوية التي من شأنها تحديد العمر الظاهري، كما بحثوا في مؤشرات نمط حياة المشاركين، مثل مؤشر كتلة الجسم وعادات التدخين واستهلاك الكحول والنظام الغذائي والنشاط البدني؛ لتحديد فيما إذا كانت هذه العوامل والصدمات في مرحلة طفولتهم قد أثّرت على العمر الظاهري أو على اختيار أسلوب حياتهم.

فكانت النتيجة أن المشاركينَ الذين واجهوا المتاعب والصدمات في الطفولة، كانوا أكثر عُرضة للانخراط في العادات السيئة، وشملت السلوكيات المتهورة، والإفراط في تناول الطعام، وتعاطي الكحول والمخدرات. ولاحظوا في المشاركين الذين تقدموا في العمر بشكلٍ أسرع، كانوا بالفعل قد تعرضوا للإيذاء الجسدي في طفولتهم.

يرى العلماء أن شيخوخة النمط الظاهري كانت تحدُث بمعدل 12% إلى 42% أسرع من الشيخوخة الزمنية لدى أولئك الذين تعرضوا للأذى في طفولتهم، فكلّما زاد الاختلاف بين العمر الزمني والعمر الظاهري، كان الشخص أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المزمنة التي تهدد الحياة.

ومع هذه النتائج التي توصلوا إليها، إلاّ أنهم أقرّوا بأنّها ليست دقيقة بما فيه الكفاية، إذ كان معظم السكان الذين شاركوا في الدراسة من البيض، ولديهم خلفية اجتماعية اقتصادية من متوسطة إلى عالية، وبالتالي قد لا تنطبق هذه الدراسة على جميع الناس. ومن الممكن أيضًا أنهم شاركوا بمعلومات غير دقيقة في حال أنهم منعوا أنفسهم من تذكر المعلومة عن غير قصد، أو أخطأوا في تذكر شدّة الصدمة التي تعرضوا لها.

ولم يأخذ العلماء في عين الاعتبار شدّة صدمة الطفولة، بل اقتصرت الدراسة على قياس كميّة الصدمات التي تعرض لها المشاركون فقط.

وأخيرًا، اقترح العلماء أن الأبحاث المستقبلية يجب أن تكشف كيف تؤثر شدّة صدمات الطفولة على تسريع الشيخوخة. وأيضًا مدى أهمية الحفاظ على نمطِ حياةٍ صحيّ، بدءاً من مرحلة الطفولة وحتى مرحلة الشباب، بما في ذلك السلوكيات النفسية والجسدية والعقلية، كلّ ذلك يمكن أن يُبطئ من شيخوخة العمر الظاهري، ويقلل من معدل الشيخوخة المتسارعة لدى الشباب.

  • ترجمة: رؤى بستون
  • تدقيق علمي ولغوي: غفران التميمي
  • المصادر: 1