التغذية المُحكَمة: كيف يمكن لبعض الحميات الغذائية أن تقتل الخلايا السرطانية جوعًا؟

يعتبر السرطان هدفًا لبعض أكثر العلاجات تقدمًا في الصناعات الطبية، إذ يستهدف العلاج بالبروتون ‘Proton Therapy’ الأورام بتيارات موجَّهة مشحونة بشحناتٍ موجبة، وتقوم الخلايا اللمفاوية (وهي كريات دمٍ بيضاء معدلة جينيًّا) المتسللة إلى الورم باختراق الأورام وتدمير الخلايا السرطانية، بالإضافة إلى المعالجة بطريقة ‘CAR T cell’ التي ترسل خلايا نوع ‘T’ معدّلة لإيجاد الخلايا المصابة والقضاء عليها.

لكن الغريب أنَّ الأطباء يتجاهلون طرقًا أبسط لمحاربة السرطان، وهي طرق علاج يمكن اتباعها مع طرقٍ أخرى وهي: ‘الطعام’.

دور الحميات الغذائية لمعالجة السرطان كان العنوان الأبرز في مقالة نُشرت مؤخراً في مجلة ‘Trends in Molecular Medicine’، حيث وصف كاتبا المقالة، العالمان في مركز أبحاث السرطان الوطني في إسبانيا ‘كارلوس مارتينيز غاراي’Carlos Martínez-Garay و’نبيل جودر ‘Nabil Djouder، وصفا مدى قدرة التغذية المُحكَمة على زيادة كفاءة المعالجات السرطانية بتعقيدات أقل، كما دوّنا ملاحظات الباحثين حول أنَّ الخلايا السرطانية تحتاج إلى كمية كبيرة من الغلوكوز (السكر) وبعض الأحماض الأمينية لتحافظ على نموها السريع، حيث أنَّ اتباع حمية غذائية تحد من استهلاك هذه المركبات بإمكانها أن تقلّلَ من انتشار السرطان.

دراسة تأثير الحميات الغذائية والسرطان على الحيوانات.

تجارب أوليّة واعدة على الحيوانات تظهر نجاح الحميات الغذائية بإبطاء نمو الأورام، حيث خفّض نظام غذائي ذو سعرات حرارية قليلة وتغذية متوازنة نسبة الغلوكوز في دماء الفئران، إذ أصبح نمو الأورام وانتشارها أبطأ، كما اتضح أنَّ الحمية التي تعتمد على الصيام المتقطع تمنح نفس النتائج.

أما تطبيق ‘حمية الكيتوجينيك Ketogenic Diet’، التي تحتوي على نسبة عالية من الشحوم والبروتين ونسبة منخفضة من الكربوهيدرات، فإنها تخفض نسبة الغلوكوز بالدم وتوقف السرطان لدى الفئران، بالإضافة إلى أنّ هذه الحمية تمنح فائدة إضافية للجسد وهي زيادة مركب الكيتون (وهو مركب مليء بالطاقة ويتم إنتاجه من عملية استقلاب الشحوم)، حيث تقوم الخلايا الصحيحة بمعالجة مركبات الكيتون لتحافظ على نشاطها، بينما الخلايا السرطانية لا تستطيع القيام بذلك.

دراسات أخرى وجدت أنَّ أنواعًا مختلفة من السرطان لديها احتياجات متفاوتة لبعض الأحماض الأمينية المركبة للبروتين، وكذلك الشحوم؛ لذلك الحد من الأحماض الأمينية والدهون أثناء اتباع الحمية يمكن أن يكبح نمو السرطان.

التغذية المُحكَمة عند البشر

إنَّ النتائج الواعدة للتغذية المُحكَمة على الحيوانات لم يتم تأكيدها بشكل نهائي على البشر خلال التجارب السريرية، وذلك لأنَّ الدراسات القليلة المنجزة قديمًا بهذا الخصوص اتسمت بقصر المدة الزمنية وقلة المرضى المتطوعين للاختبارات. إنّ ندرة الاختبارات طويلة الأمد أمر مفهوم حيث أنَّ الاستمرار باتباع حمية غذائية صحيحة تشكل صعوبة شديدة بالنسبة لمرضى السرطان. كما أنَّ لدى العديد من الطرق العلاجية آثار جانبية قاسية تسبب قلة الشهية وغثيانًا شديدًا، وغالباً فإنّ الأطباء يهتمون أكثر بجعل مرضاهم يتنالون أي شيء؛ أي أنَّ تطبيق حمية خاصة بمحاربة السرطان -حمية ذات معلومات أوليَّة بغض النظر عن النتائج الواعدة- لا يجعلها من أولويات العلاج.

وقد ناقش ‘مارتينيز غاراي’ و’نبيل جودر’ أهمية التغذية المُحكَمة ودورها في محاربة السرطان واستحقاقها لتجارب منظّمة أكثر، حيث دوّنا: “ظهور علم الأورام الجزيئي -إمكانية تحليل الأورام بعمق وتصنيفها وفقاً لحالتها الجزيئية- قد حول فلسفة العلاج من العلاج بالطريقة العامة -والتي طُبقت على أغلب أنواع السرطان- إلى العلاج بطرق مخصصة بكل نوع ومرحلة، وهذا المنهج يمكن تطبيقه على التغذية، الجمع بين البيانات السريرية ونتائج العناصر المجهرية، علم المورثات الغذائية، التشخيص الجزيئي والأيض، وكل هذا لأجل تطوير حمية غذائية تستهدف نوعًا معيَّنًا من السرطان مع الحفاظ على الصحة الغذائية عند المريض وتدعيمها”.

رغم الأهمية الكبرى لدور التغذية المُحكَمة بما يخص مرضى السرطان، إلا أنَّه لا بد من التأكيد على أنها مكمِّلة للطرق العلاجية التقليدية أي أنها ليست علاجًا بديلًا مستقلًّا بذاته.

إحدى القصص المرضيَّة التحذيرية، قصة مؤسّس شركة ‘آبّل Apple’ ‘ستيف جوبز Steve Jobs’ عندما تم تشخيص مرضه بإنّه أحد أنواع سرطان البنكرياس القابل للعلاج؛ ففي البداية اختار العلاج بالطب البديل بما يتضمنه من حمية غذائية من الفواكه بدلاً عن الجراحة، ولكنّ تردده قاده إلى حتفه رغم لجوئه بالنهاية للعمل الجراحي الموصى به بأدلة طبية، بعد أن انتشر السرطان وأدى إلى وفاته بعد سبع سنوات.

  • ترجمة: جعفر حسن
  • تدقيق علمي ولغوي: روان نيوف
  • المصادر: 1