الفطريات المعمّرة طورت طريقة للتحايل على الموت لقرون
الفطريات المُعمّرة هي أَحدث الكائنات التي تتم دراستها على المستوى المجهري; للبحث عن كيفية عدم حدوث طفرات تَحد من حياتها بالنظر لمدى عمرها.
باحثون في جامعة فاغينينجن في هولندا قاموا بدراسة خصائص النمو في الفطريات الخيطية. ما وصلوا إليه كان افتراض يوصِف كيف أَن أنواع معينة من الفطريات تُبقي الطفرات المتراكمة في الخيوط الفطرية مُغطاة ولا يتم التعبير عنها.
تَمضي الخيوط الفطرية -المكونة للفطور- معظم حياتها الطويلة بنواتين منفصلتين، كل واحدة منها تملك نسخة مُنَصّفة أُحادية من كامل الكروموسوم. فقط في وريقات (خياشيم) الفطر وقبل لحظات من تشكل الأبواغ، تندمج النوى الأُحادية الصيغة الصبغية لمدة وجيزة; ليحدث التكاثر اللاجنسي.
الطفرات الحاصلة على تلك الأنوية توقف الميسيلوم المصاب على الإندماج اللازم للتكاثر; مما يُجبِر بقية الخيوط الفطرية على تحمل عبئ إنتاج الأبواغ.
ومع الوقت، الميسيليا المُطفّرة قد تُهيمن على الفطر مما يَحد من قدرته على تشكيل الأبواغ بشكلٍ نهائي.
تم اكتشاف هذه الظاهرة لأَول مرة في فطر العصيباء المُبَوغة السميكة (Neurospora crassa) سريع النمو، وأطلق على النوى المُطفّرة لقب (النوى الاحتيالية) لعدم تمكنها من الإندماج اللاجنسي لتشكيل الأبواغ، وقضائها على الميسيليا الطبيعية التي قد تواجهها. مما ذَكّر العلماء بشيءٍ مُشابه أَلّا وهو السرطان; حيث تنمو الخلايا الطافرة بشكلٍ كبير وبسرعة كبيرة لدرجة أَنها تضر بالكائن الذي نشأت فيه، وأَحيانًا تكون قاتلة.
بالرغم من أَنَ هذه الطفرات موجودة بمكان مُحَدد من الفطر، ولكنها تؤثر على الفطر ككل، فيمكن اعتبارها نوعًا من أَنواع السرطان كما يوضح عالم الأحياء التطوري والمؤلف الرئيسي (دور آنين) من جامعة فاغينينغن.
بالمقارنة بين الفطريات سريعة النمو والفطريات المُعمّرة، وُجِدَ أَن الأخيرة تَستخدم نوعًا خاصًا من الآليات الخلوية، يُدعى الإتصال المشبكي (بُنية تشبه الخطاف، مكونة من خلايا خيطية متنامية لفطريات معينة) والذي يقف عائقًا بوجه الطفرات المُخرّبة; مما يزيد من عمر الفطر ويحد من إنتشار الطفرات ضمنه.
في هذا النوع من الإنقسام الخلوي، النواة الأُحادية يجب عليها الإنتظار ريثما يتم فحص جودة النواة الأُخرى والتأكد من فاعلية عملية الاندماج.
يقول آنين: “تقوم كل نواة بفحص النواة الأُخرى ودراسة قدرة بعضهما على الاندماج، يَستبعد هذا الاختبار الأنوية المُطفّرة في حال وُجِدت”.
ويُضيف آنين: “عدم تمكن النواة من الاندماج، يعني موت الخلية وبالتالي القضاء على النواة المُطفّرة”.
في البَشّر وبعض الحيوانات الأُخرى، يتطور السرطان بعد أَن تَتراكم الأخطاء الجينية في الخلايا، مما يدفعها لبدء عملية الإنقسام بشكلٍ جنوني. قد يدل هذا على أن الحيوانات المُعمّرة تُعاني بشكلٍ مبالغ من السرطانات، ولكن الفيلة والحيتان تقف عائقًا بوجه هذا الافتراض; حيث قامت بتطوير آليات جزيئية لإصلاح الحمض النووي التالف وإبقاء عملية إنقسام الخلايا تحت السيطرة، وبالتالي قمع تشكل الأورام.
هذه التفسيرات التطورية ل “فارقة بيتو” (سُميت باسم الإحصائي الإنجليزي وعالم الأوبئة ريتشارد بيتو. حيث بينَ أن حدوث السرطان لا يرتبط بعدد الخلايا الموجودة في الكائن الحي).
تحظى نظرية (بيتو) باهتمام كبير من قِبَل العلماء، وكذلك الباحثين في موضوع الوقاية من السرطان.
على الرغمِ من وجود بعض أَوجه التشابه في هذه الدراسة الجديدة، إِلّا أَن الفطريات كائنات غريبة، وتشكل مملكة أُخرى كاملة.
لذلك قد يكون هناك فرصة أقل للعلماء للعثور على بعض الآليات الخلوية في الفطريات القادرة للقضاء على السرطان، والتي يمكن أَن تكون ذات فائدة للبَشّر. ومع ذلك، لا يزال بإمكاننا تقدير أهمية وجود تلك الآليات في الكائنات الحيّة للحفاظ على استمرار حياتها، بالأخص عند وجود عوامل مهددة لها.
- ترجمة: وداد عنتر
- تدقيق علمي ولغوي: فاطمة قائد
- المصادر: 1