الأرحام الاصطناعية ستقلب موازين الإجهاض رأسًا على عقب

أصبحت تقنية الحمل الخارجي عن طريق الأرحام الاصطناعية، قاب قوسين أو أدنى.

إلّا أَنها ستجلب معها العديد من الأضرار المُحتملة إِذ لم تُضبَط بالقوانين الناظمة.

سيأتي على الأرحام البَشّرية يومًا تتنازل فيه عن عرش الحمل والإنجاب; فقد نجح فريق بحثي من جامعة كامبردج-إنكلترا باحتضان أجنّة بَشّرية لمدة 13 يومًا بعد التلقيح بواسطة حمل خارجي. وهي تقنية تؤمّن البيئة الاصطناعية لحمل الأجنّة البَشّرية والحيوانية.

وتلاه بعام طفرة أكبر; عندما أَعلنَ الباحثون من مستشفى فيلادلفيا للأطفال عن رحم اصطناعي حيوي سُميَ(الحاضنة الحيوية).

ونجحت الحاضنة الحيوية بالحفاظ على أجنّة الخِراف بطريقة مُشابهة للأجنّة البَشّرية من حيث الحجم والنمو، ولمدة تراوحت من 22 أسبوعًا حتى انتهاء الفترة الطبيعية للمخاض.

وفي شهر آب لعام 2022 أوجد الباحثون في معهد Weizmann للعلوم في إسرائيل، أول أجنّة اصطناعية في العالم من الخلايا الجذعية للفئران. وفي ذاك الشهر أَيضًا استفاد الباحثون في جامعة كامبردج من الخلايا الجذعية في إيجاد جنين اصطناعي بدماغ وقلب نابض.

وبات بالإمكان استبدال الولادة الطبيعية بالحمل الخارجي والحدّ من المخاطر المرافقة للولادات.

حيث ستمنح الأرحام الاصطناعية من يمتلكها القدرة على إنجاب الأطفال بسهولة بالغة تمامًا كقدرة الرجال المتوافقين مع جنسهم على الإنجاب مثلًا، دون تعرضهم لمخاطر في صحتهم البدنية أو أمانهم المالي أو استقلالهم الجسدي.

وبعد استبعاد مرحلة الحمل الطبيعي كليًا من عملية الإنجاب، سيغدو الحمل الخارجي نقطة الانطلاق العادلة التي ستضم تحت مظلتها جميع الأشخاص على اختلاف انتماءاتهم الجنسية، لاسيما المثليين جنسيًا الراغبين بإنجاب الأطفال دون اضطرارهم لخيار استئجار الأرحام الذي يتسبب بإشكالات; لاعتبارات أخلاقية.

إذا أُتيحت الفرصة للحمل الخارجي الآمن والفعّال ليكون في متناول الجميع ولم يصبح حَكرًا على فئات مخصوصة تستخدمه لترسخ الفوارق الاجتماعية والاقتصادية أكثر فأكثر، فسيكون نتاج هذه التقنية مجتمع أكثر رخاءً وعدالة.

اضافة الى ذلك، فإِنَ تطور تقنية الحمل الخارجي سيمهد الطريق نحو الاعتراف بحق النساء وأصحاب الأرحام الاصطناعية بالإجهاض الآمن والمشروع. كما سيقوّض بشكلٍ ملحوظ السياسات العالمية الخاصة بالإجهاض.

وتتناول المؤلفات الفلسفية المتداولة والقوانين الحالية الخاصة بالإجهاض ثلاثة محاور جدلية رئيسية وهي:

-الجنين (مكانته من الناحية الأخلاقية)

-الاستقلالية الجسدية للمرأة

-حياة الجنين بعد الولادة

ومن المميزات التي ينطوي عليها الحمل الخارجي، أَنَ الأجنّة بمختلف مراحل نموها، ستتمتع بالقدرة على الحياة. وبالتالي فإن تطور هذه التقنية حتمًا سيؤثر في هذه المحاور الثلاثة.

عادةً ما يحتج المعارضون للإجهاض بأَن الجنين -وعلى الرغم من كونه لا يزال في طور الحمل- لا بُد أَن يُعامَل معاملة الإِنسان كامل الأهلية، وبالتالي فقتله عن طريق الإجهاض جرم لا أخلاقي.

وبالمقابل، يؤكد المؤيدون لحق الإجهاض على حرية الاستقلال الجسدي ويستشهدون بأقوال Judith Thomson المتخصصة بعلم الفلسفة، في مقالها الذي لاقى تأثيرًا بالغًا عام 1971 بعنوان: “دفاع عن الإجهاض/A Defense of Abortion”.

والذي قالت فيه “أَننا لو نظرنا للجنين في مرحلة الحمل على أَنهُ شخص كامل الأهلية، فالإقرار بالاستقلالية الجسدية للمرأة وحقها باتخاذ القرارات المتعلقة بجسدها وما يحتويه، يخوّلها من الناحية الأخلاقية أَن تتخلص من الجنين”.

وهكذا يمكننا اعتبار موت الجنين الناجم عن الإجهاض، نتيجة حتمية لقرار إِنهاء الحمل وإِحدى وسائل المرأة للدفاع عن نفسها أكثر من كونهِ قتلًا مُتعمّدًا.

في الوقت نفسه، تسعى قوانين الإجهاض في العديد من البلدان لتحقيق التوازن بين الاستقلال الجسدي للمرأة ومكانة الجنين من الناحية الأخلاقية، وذلك بالاعتماد على قدرة الجنين للبقاء حيًّا خارج الرحم بمساعدة الأجهزة الطبية كمقياس يُحَدد مدى تقبل الإجهاض بالنظر للاعتبارات الأخلاقية.

وبموجب القوانين الناظمة للعديد من البلدان التي تسمح بالإجهاض، فإن حق الجنين بالحياة يفوق الاستقلال الجسدي للمرأة وذلك في المرحلة التي تدبُّ فيه الحياة.

وعلى سبيل المثال، يسمح قانون المملكة المتحدة بالإجهاض فقط قبل أَن يصل عمر الجنين ل 24 أسبوعًا (وهي مرحلة مبكرة يستطيع فيها الجنين أن يكمل نموه عن طريق الأجهزة الطبية).

باستطاعة هذه التقنية المتقدمة أَن تتنبأ ببقاء الجنين حيًا في المراحل المبكرة جدًا قد تصل لأيام الحمل الأولى. وحالما تدخل هذه التقنية حيّز التنفيذ ولو جزئيًا. ستساهم بعملية نقل الأجنّة غير المرغوب فيها لأرحام اصطناعية تواصل فيها نموها دون الإضرار بالاستقلالية الجسدية للمرأة، وذلك يعتمد على طريقة نقل الجنين.

وبهذا ستتمكن النساء من إنهاء الحمل دون اللجوء للإجهاض.

وبعد تقديم هذا الحل للمرأة، وإذا فضّلت خيار الإجهاض عليه دون النظر لعواقبه، عندئذ يمكننا اعتبار قرارها شُبه قتل مُتَعمّد.

وكنتيجة لذلك، فإِذا استمرت قوانين الإجهاض بالتركيز على نقطة بقاء الجنين حيًا كمعيار فاصل للسماح بالإجهاض من عدمه، فسيُقابل الإجهاض برفض أَكبر على الصعيدين الأخلاقي والاجتماعي عند البدء بتطبيق الحمل الخارجي مما هو عليه اليوم.

إِحدى العقبات التي ستواجه هذه التقنية، هي إِنَ القوانين المستقبلية -وبالأخص في المجتمعات والدول والبلدان المحافظة- ستمنع الإجهاض كليًا حالما يصبح الحمل الخارجي في متناول الجميع.

ورغم أَنهُ سيتيح فرصة التخلص من الحمل دون المساس بحياة الجنين، إلّا أَن هذا لن يَصبَّ بالضرورة في مصلحة الحركة النسوية; فواقع الأمر أَنَ بعض النساء يُقدِمنَّ على الإجهاض لا لرغبتهنَّ فقط بالتخلص من الحمل والحفاظ على استقلالهنَّ الجسدي، بل يفعلنَّ ذلك تجنبًا للأمومة.

غير أَنَ الحمل الخارجي يأبى إلّا أَن يحتفظ لهن بأمومتهن.

وبالتالي فالاستعانة به كبديل عن الإجهاض سيمثل انتهاكًا لحرية الإنجاب لديهنّ.

ومن التصورات الممكنة أَيضًا، عندما تتعارض رغبة المرأة في الإجهاض مع عدم رغبة شريكها فيه.

وفي ظل غياب المطالبة بالاستقلالية الجسدية ومع تسليط الضوء على ضرورة بقاء الجنين حيًا وحقه باستكمال نموه، إضافة لعدم رغبة الشريك بالإجهاض، قد تضطر المرأة لنقل جنينها إلى رحم اصطناعي.

وبالتوازي مع التطور المتزايد لتقنية الحمل الخارجي، سيتعيّن على المشرّعين والناشطين الإجابة على السؤالين التاليين:

أولًا: متى يمكننا أَن نُبرّر لجوء المرأة للإجهاض المتعارف عليه رغم وجود خيار يضمن إِنهاء الحمل وإمكانية استمرار حياة الجنين على حد سواء؟

ثانيًا: متى نرجّح عدم رغبة المرأة في الأمومة على الحق المزعوم ببقاء الجنين حيًا؟

وفي طريقنا للإجابة عن هذه الأسئلة، لا بُدَّ لنا أَن نبحث عن السبب الكامن وراء رفض بعض النساء لخوض تجربة الأمومة، حتى حال إعفائهن من الأعباء المترتبة على حمل الجنين واستكمال نموه التي ستُلقى بالكامل على كاهل الأرحام الاصطناعية بعد نقل الأَجنّة إليها.

وقد يُعزا جزء من هذا الرفض إلى وجهات النظر والضغوطات الاجتماعية المتعلقة بالأمومة. فحتى لو أعفت المنظومة القانونية الأم من واجباتها نحو طفلها، فهذا لن يجردها من مشاعر الالتزام بالطفل أو مشاعر الذنب; لامتناعها عن تجسيد أَخص الخصائص المقترنة بالأمومة وهي التضحية بالنفس.

ووقوعها فريسة لهذه المشاعر قد يتسبب لها بأضرار نفسية، فضلًا عن مخاطر اصطدامها وجهًا لوجه بالاستنكار المجتمعي.

لَمْ يبقَ إلّا الإجابة عما إِذا كان رفض الأمومة تجنبًا للاستنكار المجتمعي أو للآلام النفسية المُحتملة، يعتبر سببًا كافيًا لتغليبه على الحق المزعوم بالمحافظة على حياة الجنين.

لا شكَّ أَن الإجابة على هذا السؤال ستثير جدلًا كبيرًا تبعًا لحجم الاستنكار المجتمعي ومرحلة نمو الجنين.

مع ذلك، إذا تفاقم الاستنكار والضغط المجتمعي لدرجة تفوق طاقة المرأة على التحمّل، فحينئذٍ لا بُدّ من النزول عند رغبتها برفض الحمل الخارجي والأمومة، لاسيما في المراحل الأولى لنمو الجنين.

وعلى قوانين الحمل الخارجي ألّا تغفل عن موضوع الاستقلال الجسدي; وذلك بضمان حق المرأة في تقرير نوع العمليات الجراحية التي تسمح بإجرائها.

ورغم صعوبة تحديد شكل الوسيلة المُتَبَّعة لنقل الجنين إلى الرحم الاصطناعي، إلّا أَنها حتمًا ستكون من أَنواع الجراحات الجائرة المشابهة للعمليات القيصرية، وذلك بالنسبة للمراحل الأخيرة من الحمل على أقل تقدير.

ويجب تمكين المرأة من حق الرفض لهذه الجراحة لأَسباب تتعلق بالاستقلال الجسدي، وإلّا ستُعتَبر عملية النقل قسرًا بمثابة السرقة المتعمدة للأعضاء البشرية، وهو عمل منافٍ للأخلاق كما أشار لذلك الفيلسوف الكندي Christine Overall.

سيزيد الحمل الخارجي من حِدّة المبادئ الأخلاقية المتعلقة بالإجهاض مرغمًا النساء على تحمّل الآثار المترتبة على جراحة الحمل الخارجي سواء على صعيد رغبتهنَّ المستقلة بالإنجاب وحريتهنَّ الجسدية.

وسيمثل الإقرار بالإجهاض في المراحل المبكرة من الحمل -حال تطبيق تقنية الحمل الخارجي- حلًا ملائمًا للحد من المضاعفات وضمان حقوق المرأة.

ومع ذلك، لابُد لضمان حقوق المرأة المتعلقة بالإنجاب أَن يصبح الإجهاض خيارًا متاحًا حتى بعد أن يدخل الحمل الخارجي حيّز التنفيذ.

على القوانين المستقبلية ضمان عدم تحول الحمل الخارجي لأداة إِكراه، بل أَن يبقى ضمن حدود الخيارات المُتاحة عند الحاجة.

ولا بُد أَيضًا أَن تُعاد صياغة الحق بالإجهاض في القانون، ليتمركز حول الاستقلال في الإنجاب، وألّا تُكرَه أَي إمرأة على الأمومة رغمًا عنها، لا أن يتمركز حول حق الجنين بالبقاء حيًا.

وإلى أَن تحظى هذه التقنية بالدعم القانوني المطلوب من السياسيين والمشرّعين وقادة المجتمع والعامّة، سيتضح لنا أَكثر من أَي وقتٍ مضى، مدى احترام الأفراد والمجتمعات لحق المرأة في الاختيار.

  • ترجمة: آلاء نوفلي
  • تدقيق علمي ولغوي: فاطمة قائد
  • المصادر: 1