إذا كانت الاستراتيجية مهمة، فلماذا لا نخصص لها وقتًا؟

الملخص:

يُعدّ التفكير الاستراتيجي عنصرًا أساسيًا في الريادة، ومع ذلك فإنّ هناك صعوبة للقادة في أن يخصصوا لها وقتًا، وفي هذه المقالة، يجادل الكاتب أنّ هناك حواجز رئيسية قد تمنع القائد من تكريس المزيدِ من الوقت للتفكير الاستراتيجي.

  • أولًا: غالبًا ما تقدم الشركات الحوافز للأشخاص الذين يعملون لساعات طويلة، ونادرًا ما يكون ربط نفسك بمكتبك حلًا يساعد على التفكير الاستراتيجي المبتكر.
  • ثانيًا: يرغبُ أغلب القادة في أن يعتقد الناس بأنهم مشغولون، لذا فهم يميلون إلى الهوس، ولمحاربة هذه الضغوطات الخارجية والداخلية، عليك أن تذكِّر نفسك بأن التفكير الاستراتيجي لا يتطلب بالضرورة استثمارًا كبيرًا، وقد تستفيد أيضًا من توثيق المكان الذي يضيع وقتك فيه بالفعل، إذ قد تكون هناك مهام يمكنك بسهولة الجمع بينها أو تأجيلها، أو الاستعانة بمصادر خارجية.
  • وأخيراً، ابدأ العمل بنشاطٍ للتخلي عن المفهوم السائد “المشغول = المهم”، والذي يهمين كثيرًا على ثقافتنا، وأول خطوة للتغلب عليها أن تصبح أكثر وعيًا بالأسباب التي تجعلك تكافح من أجل تخصيص وقت للتفكير الاستراتيجي.

غالباً ما يرغب القادة في تخصيصِ وقتٍ أطول للتفكير الاستراتيجي، ففي دراسة استقصائية شملت 1000 من كبار المهنيين، إذ صرح 97% منهم أن كونك مفكرًا استراتيجيًا هو أهم سلوك قيادي يجب أن تتحلى به من أجل نجاح المنظمة، ومع ذلك، في دراسةٍ أخرى، قال 97% من القادة الذين شملهم الاستطلاع إنهم يفتقرون إلى الوقت للتفكير الاستراتيجي، وهذه حقيقة، فنحن مضغوطون بالاجتماعات ومنهمكون بالرد على رسائل البريد الإلكتروني [بمتوسط (126) بريدًا الكترونيًا في اليوم، وفقًا لتحليل أجرته مجموعة راديكاتي Radicati Group Analysis]، ولكن من المفترض أن يتخذ القادة بعض الخطوات على الأقل لإعطاء الأولوية لما يزعمون بأنه ضرورة حتمية.

ما الذي يمكن أن يفسر هذا الاختلال الهائل بين أهدافهم المعلنة وأفعالهم؟

تتمثل إحدى القضايا في الحوافز التي تضعها الشركات دون وعي منها في كثيرٍ من الأحيان، وحتى بالنسبة لكبار المهنيين، فهناك ضغوط ثقافية تُفرض عليهم لساعاتٍ طويلة، وقد اكتشف الباحثون أن هذه الضغوط كثيرًا ما تستخدم كوسيلة لتعزيز الولاء والإنتاجية في الاقتصاد الحديث، وقد أظهرت الأبحاث أن الموظفين الذين يعملون أكثر من خمسين ساعة في الأسبوع يتقاضون أكثر بنسبة 6% من زملائهم الذين يعملون وفق جدول العمل الاعتيادي.

قد يساعدك ربط نفسك بمكتبك في تصفح المزيد من الرسائل الإلكترونية، ولكنه نادرًا ما يكون عنصرًا لزيادة التفكير الاستراتيجي الإبداعي.

بل إن الأبحاث توصلت إلى أن الإنتاجية تقلّ عند الذين يعملون لأكثر من 50 ساعة أسبوعيًا، وبموجب بحثٍ أجرته (جامعة ستانفورد) فإن الذي يُعزز من التفكير الاستراتيجي هي النشاطات الجانبية مثل المشي قليلًا، لا سيما في الخارج، ولكن هذا السلوك قد لا يرحب به في بيئة الشركات التي تفضل العمل الفعلي.

وقد يكون الحاجز الآخر أمام التفكير الاستراتيجي داخليًا.

فقد أظهر الأبحاث أن الانشغال يُعد علامة على الوضع الاجتماعي في الولايات المتحدة، فكما قالت (سيلفيا بيليزا من كلية كولومبيا للأعمال وزملائها): “من خلال إخبارنا للآخرين بأننا مشغولون ونعمل طوال الوقت، فإننا بذلك نوحي لهم بأننا مطلوبين”.

وبالنظر إلى هذه الضغوط -كلّ من الداخلية والخارجية- التي تدفعنا نحو الانشغال وتبعدنا عن التفكير الاستراتيجي، فإليك ثلاثة أفكار قد تساعدك بوصفك قائدًا على مقاومة الضغوط وخلق “المساحة البيضاء” التي تحتاجها.

أولًا: من المهم أن نتذكر أن التفكير الاستراتيجي لا يتطلب بالضرورة الكثير من الوقت، فهو لا يتعلق بأخذ إجازات لا نهاية لها ولا حتى المشاركة في الاجتماعات، فقد أخبرني خبير الإنتاجية (ديفيد ألين) عندما أجريت معه مقابلة من أجل كتابي (Stand Out) قائلًا: “أنت لست بحاجة إلى الوقت، بل إلى المجال، لذلك ولتحصل على فكرة جيدة، فالأمر لا يستغرق أيّ وقت للحصول على فكرة إبداعية أو لاتخاذ قرار، ولكنه إذا لم يكن لديك حيِّز نفسي، فهذه الأمور ستصبح دون المستوى الأمثل ولكنها ليست مستحيلة، وحتى مع الوقت المحدود والقدر نفسه من المسؤوليات، يصبح التفكير بطريقة استراتيجية أسهل بكثير فيما إذا كان بإمكانك التخلص من المهام المتراكمة، وتدوينها في مكانٍ واحد حتى تتمكن من ترتيبها بصورة صحيحة، ولا يزعجك شعورك الدائم بأنك نسيت شيئًا ما”.

ثانيًا: من المفيد أن تكون واضحًا حول إلى أين يمضي وقتك بالفعل؟

ففي وقتٍ سابق من هذه السنة، أجريتُ تجربة تتبع الوقت، فكنت أدوّن كيف قضيتُ كل نصف ساعة على مدار الشهر، وبالرغم من أنها لم تكن من أسهل الخطط لنلتزم بها (فنحن معتادون على عيشِ حياتنا لا تسجيلها)، فإنّ البيانات الناتجة كانت لا تقدر بثمن، إذ ساعدتني على فهم أين وكيف أقضي وقتي بالضبط.

من الممكن جداً أن يكون لديك مهام يمكنك دمجها، أو تأجيلها، أو الاستعانة بمصادر خارجية لكي تكسب ساعتين إضافيتين في الأسبوع، وهو ما يُعتبر وقتًا كافيًا للخروج من حالة الفوضى اليومية، والتركيز على النظر في الاستراتيجية الكبرى.

وأخيرًا، بمجرد أن ندرك مدى تأثير المفهوم السائد

“المشغول = المهم” في ثقافتنا، فقد يصبح من السهل التخلي عنه والاعتماد على الأطر الأخرى والتي تكون أكثر ملائمة للتفكير الاستراتيجي العميق.

هناك أيضًا وجهة نظر أخرى، تبنّاها رائد الأعمال (ديريك سيفرز) مفادها: “الانشغال هو ما يحدث عندما تكون تحت رحمة جدول أعمال شخص آخر”.

وبالتالي، قد يجادل المرء أن المكانة الحقيقية تأتي من امتلاك حرية التصرف في الانسحاب من نوبة الهيجان، كما قال (سيفرز) في مقابلة بودكاست:

“أجد أنه من المضحك أن يبدأ الناس رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بهم، قائلين: أعلم أنك مشغول إلى حدٍ لا يصدق..!

وأفاجئهم دائمًا بالقول: لا، أنا لستُ مشغولًا.

إنه مثل: لا، ليس عليّ أن أفعل أيّ شيء لأيّ شخص، لذلك لا أفعل أيّ شيء لا أريد فعله، لدي الوقت “.

من خلال تغيير نمط التفكير الذي نمارسه حيال الانشغال من كونه علامة على الوضع الاجتماعي إلى كونه علامة على العبودية، قد يصبح من السهل قول كلمة لا لمسيرة الالتزامات التي لا تنتهي (بدءًا بالمكالمات العرضية، ووصولًا إلى المقابلات المخصصة للإدلاء بالمعلومات)، والتي تتربص لنا في مكاتبنا كل يوم.

من الصعب تقليل المسؤوليات التي تقع على عاتقنا في المستقبل القريب، وهذا يعني أنه كلّما تقدمنا في حياتنا المهنية وتزايد التنافس العالمي، سيتوجب علينا بذل المزيد من الجهد والإنتاج. ومن دون تعاون مشترك، ستكون الاستراتيجية -بلا شك- في آخر أولوياتنا رغم أهميتها ورغبتنا في تحقيقها. “.

وعندما تصبح على دراية بالعقبات التي تواجهك أمام تخصيص الوقت للاستراتيجية- وتتخذ الخطوات السليمة لتغرس التفكير الاستراتيجي في حياتك وجدولك المهني- يمكنك الدفاع عن هدفٍ تعتبره أنت و97% من القادة الآخرين أمرًا بالغ الأهمية.

  • ترجمة: نورين علاء عبدالعظيم
  • تدقيق لغوي: غفران التميمي
  • المصادر: 1