دراسة تكشف أن للرياضيات أصلًا بيولوجيًا

يعلم الجميع أن العملية الحسابية صحيحة: 2 + 2 = 4

لكن من المدهش أننا لا نعرف سبب صحة ذلك.

وعند خروجنا من الصندوق عن طريقتنا المعتادة في التفكير بالأرقام، أثبتنا أنا وزملائي مؤخرًا أن الحساب له جذور بيولوجية وهو نتيجة طبيعية لكيفية تنظيم إدراك العالم من حولنا.

تشرح نتائجنا سبب صحة الحساب، وتشير إلى أن الرياضيات هي إدراك لرموز الطبيعة الأساسية وإبداع العقل.

ومن ثم فإن التطابق المعجزة بين الرياضيات والواقع المادي كان مصدرًا للعجب منذ اليونانيين القدماء حتى الوقت الحاضر -كما تم استكشافه في كتاب عالم الفيزياء الفلكي ماريو ليفيو- «هل الله عالم رياضيات؟» والذي يقترح أن العقل والعالم جزء من وحدة مشتركة.

لماذا الحساب صحيح عالميا؟

لقد صنع البشر رموزًا للأرقام منذ أكثر من 5500 عام. من المعروف أن أكثر من 100 نظام تدوين متميز قد تم استخدامه من قبل الحضارات المختلفة، بما في ذلك البابلية والمصرية والإترورية والمايا والخمير.

والحقيقة اللافتة للنظر هي أنه على الرغم من التنوع الكبير في الرموز والثقافات، إلا أن جميعها تقوم على الجمع والضرب. على سبيل المثال، بالأرقام الهندو-عربية المألوفة لدينا: 1,434 = (1 × 1000) + (4 × 100) + (3 × 10) + (4 × 1).

لماذا اخترع البشر نفس العمليات الحسابية مرارًا وتكرارًا؟ هل يمكن أن يكون الحساب حقيقة عالمية تنتظر من يكتشفها؟

ولكشف اللغز، علينا أن نتساءل لماذا يعتبر (الجمع والضرب) عمليتين أساسيتين. لقد طرحنا هذا السؤال مؤخرًا ووجدنا أنه لا توجد إجابة مُرضية -إجابة تفي بمعايير الدقة العلمية- متاحة من الفلسفة أو الرياضيات أو العلوم المعرفية. إن حقيقة أننا لا نعرف سبب صحة الحساب هي فجوة خطيرة في معرفتنا الحساب الذي هو أساس الرياضيات العليا، وهو أمر لا غنى عنه للعلوم.

لننظر في هذه التجربة الفكرية. لقد حقق الفيزيائيون في المستقبل الهدف من “نظرية كل شيء” أو “معادلة الله”. وحتى لو تمكنت مثل هذه النظرية من التنبؤ بشكل صحيح بجميع الظواهر الفيزيائية في الكون، فإنها لن تكون قادرة على تفسير مصدر الحساب نفسه أو سبب صحته عالميًا.

إن الإجابة على هذه الأسئلة أمر ضروري لكي نفهم بشكلٍ كامل دور الرياضيات في العلوم.

النحل يقدم دليل:

لقد اقترحنا نهجًا جديدًا يعتمد على افتراض أن الحساب له أصل بيولوجي. تظهر العديد من الأنواع غير البشرية -بما في ذلك الحشرات- قدرة على الملاحة المكانية والتي يبدو أنها تتطلب استخدام معادلات الحساب الجبري. على سبيل المثال، يمكن للنحل أن يقوم برحلة متعرجة للعثور على الرحيق، ثم يعود بعد ذلك بالطريق الأكثر مباشرة، كما لو كان بإمكانه حساب الاتجاه والمسافة إلى المنزل.

من غير المعروف كيف يحقق دماغهم المصغر (حوالي 960.000 خلية عصبية) هذا الأمر، قد تكون هذه الحسابات بمثابة سلائف غير رمزية للجمع والضرب، والتي تم صقلها عن طريق الانتقاء الطبيعي باعتبارها الحل الأمثل للملاحة.

قد يعتمد الحساب على علم الأحياء ويكون خاصًا بطريقة ما بسبب الضبط الدقيق للتطور.

التفكير خارج الصندوق:

لكي نتعمق أكثر في علم الحساب، نحتاج إلى تجاوز فهمنا المعتاد والملموس والتفكير بمصطلحات أكثر عمومية وتجريدية. تتكون العمليات الحسابية من مجموعة من العناصر والعمليات التي تجمع بين عنصرين لتعطي عنصرا آخر. في عالم الاحتمالات، لماذا يتم تمثيل العناصر بالأرقام والعمليات بالجمع والضرب؟ هذا سؤال فوق رياضي، سؤال حول الرياضيات نفسها ويمكن الإجابة عليه باستخدام الأساليب الرياضية.

في بحثنا، أثبتنا أن هناك أربعة افتراضات وهي: الرتابة، والتحدب، والاستمرارية، والتماثل، كافية لتحديد الحساب (الجمع والضرب على الأعداد الحقيقية) بشكلٍ فريد في عالم الاحتمالات.

أما الرتابة، هي حدس “الحفاظ على النظام” وتساعدنا على تتبع مكاننا في العالم، بحيث عندما نقترب من شيء ما فإنه يبدو أكبر ويصغر كلما ابتعدنا عنه.

ويرتكز التحدب على حدس “البينية” على سبيل المثال، تحدد الزوايا الأربع لملعب كرة القدم ساحة اللعب حتى بدون وجود خطوط حدودية تربط بينها.

وتصف الاستمرارية السلاسة التي تبدو بها الأشياء وكأنها تتحرك في المكان والزمان.

أما التماثل، هو فكرة التشابه أو القياس. وهذا ما يسمح لنا أن ندرك أن القطة تشبه الكلب أكثر من كونها صخرة.

ومن ثم فإن الحساب خاص لأنه نتيجة لهذه الشروط النوعية البحتة.

ونحن نرى أن هذه الشروط هي مبادئ التنظيم الإدراكي الذي يشكل الطريقة التي نختبر بها العالم نحن والحيوانات الأخرى، وهو نوع من “البنية العميقة” في الإدراك مع جذور في التاريخ التطوري. فهي تعمل في برهاننا كقيود لحذف جميع الاحتمالات باستثناء الحساب، يشبه إلى حد ما كيف يكشف عمل النحات عن تمثال مخبأ في كتلة من الحجر.

ما هي الرياضيات؟

تعمل هذه المبادئ الأربعة مجتمعة على هيكلة تصورنا للعالم بحيث تكون تجربتنا منظمة ويمكن التحكم فيها معرفيًا. إنها مثل النظارات الملونة التي تشكل تجربتنا وتقيدها بطرق معينة.

عندما ننظر من خلال هذه النظارات إلى عالم الاحتمالات المجرد، فإننا “نرى” الأرقام والحساب. وهكذا، تظهر نتائجنا أن الحساب قائم على أساس بيولوجي ونتيجة طبيعية لكيفية تنظيم إدراكنا.

وعلى الرغم من أن هذا الهيكل مشترك مع حيوانات أخرى، إلا أن البشر فقط هم الذين اخترعوا الرياضيات. إنه الإبداع الأكثر حميمية للبشرية، وهو إدراك لرموز الطبيعة الأساسية والإبداع العقلي.

وبهذا المعنى، فإن الرياضيات تم اختراعها (بشكلٍ إنساني فريد) واكتشفت (على أساس بيولوجي).

إن النجاح المعجزة للرياضيات في العلوم الفيزيائية يشير إلى أن عقولنا والعالم ليسا منفصلين، بل جزء من وحدة مشتركة.

تشير العلاقة بين الرياضيات والعلوم إلى اللاثنائية، وهو مفهوم فلسفي يصف كيفية ارتباط العقل والكون ككل، وأن أي شعور بالانفصال هو وهم. وهذا يتوافق مع العديد من التقاليد الروحية (الطاوية والبوذية) وأنظمة المعرفة الأصلية مثل ماتورانغا ماوري.

  • ترجمة: عبير ياسين
  • تدقيق علمي ولغوي: فاطمة قائد
  • المصادر: 1