الأرقام السحرية السبعة وأهميتها في الفيزياء النووية
في طفولتنا سُحِرنا بمجموعةٍ متنوّعة من العروض السّحريّة، ومع ذلك فهذه المقالةُ لن تناقشَ أيّاً من تلك الحيل السّحريّة، في الواقع ستلقي بعض الضّوء على السّبب وراء سحر الاستقرار النّوويّ: الأرقام السّحريّة!
الأرقام السّحريّة للذّرّات والنّوى:
قد تعلّمنا في دروس الكيمياء في مرحلتنا الابتدائيّة أنّ تلك الذّرّات ذات المدارات الذّرّيّة الممتلئة، أو نصف الممتلئة هي الأكثر استقراراً، فعلى سبيل المثال، الغازات النّبيلة لديها مدارات ذرّيّة ممتلئة هي الأكثر استقراراً من بين كلّ العناصر، لذلك في حالة الذّرّات، فإنّ عدد الالكترونات في المدارات الذّرّيّة يحدّد الاستقرار. ولهذا فإنّ الأرقام السّحريّة للذّرّات هي 2، 10، 18، 36، 54، 86، وهي تتطابق مع عدد الالكترونات الكلّيّ الموجودة في أغلفة الالكترونات الممتلئة.
يتطلّب العنصر المستقرّ كميّةً كبيرة من الطّاقة ليتفاعل مع العناصر الأخرى، ولهذا تكون الغازات النّبيلة هي الأقلّ تفاعلاً.
والآن نأتي إلى النّوى، فقد لوحِظَ أنّ نوى بعض الذّرّات التي تحتوي عدداً محدّداً من النّيوكليونات (البروتونات أو النّيوترونات) تكون أكثر استقراراً من النّوى الأخرى، ومثل هذه النّوى الذّرّيّة لديها متوسّط طاقة ربطٍ أعلى نسبيّاً لكلّ نيوكليون، وبالتّالي فهي أكثر استقراراً ضدّ الاضمحلال النّوويّ. لذلك في الفيزياء النّوويّة، يشير الرّقم السّحريّ إلى عدد النّيوكليونات (إمّا البروتونات أو النّيوترونات) بحيث يتمّ ترتيبها في أغلفة كاملة داخل النّواة الذّرّيّة.
الأرقام السّحريّة السّبعة المعروفة على نطاق واسع جدّاً هي 2(هيليوم)، 8(أكسجين)، 20(كالسيوم)، 28(نيكل)، 50(قصدير)، 82(رصاص)، 126(أونبيهكسيوم افتراضيّ). من بين هذه الأرقام، 2، 8، 20، 28، 50، و82 ما يتوافق مع عدد البروتونات، في حين أنّ 126 هو الرّقم السّحريّ الوحيد المعروف المرتبط بالنّيوترونات.
شرح الأعداد السّحريّة النّوويّة: نموذج الغلاف.
بعد الحرب العالميّة الثّانية، أصبحت دراسة البنية النّوويّة والأرقام السّحريّة موضوع بحث شائع، ففي عام 1937.
اقترح نيلز بور وف كالكار نموذج القطرة السّائلة للنّواة، حيث قارنَ النّواة الذّرّيّة بقطرة سائلة، وعلى الرّغم من أنّ هذا النّموذج كان في غاية الأهمّيّة لفهم بعض أساسيّات طاقات الرّبط، إلّا أنّه لم يتمكّن من تفسير سبب احتواء بعض النّوى المحدّدة على بروتونات، أو نيوترونات أو كليهما، على أنّ 2، 8، 20، 28، 50، 82، 126 (أرقام سحريّة) تمتلك طاقات ربط أعلى، ممّا يجعلها أكثر استقراراً من غيرها، وهذا ما قاد العلماء إلى إيجاد نموذج أفضل للتّفسيرات المحسّنة.
اقترح ديمتري إيفانينكو لأوّل مرّة نموذج الغلاف عام 1932، ثمّ طوّرته ماريا ماير وبعض الفيزيائيّين الآخرين لفهم الغموض حول الأرقام السّحريّة عام 1949. إنّ نموذج الغلاف النّوويّ مشابه إلى حدّ ما نموذج الغلاف الذّرّيّ، الذي يصف ترتيب الالكترونات في الذرّة لذلك يؤدّي الغلاف المملوء إلى استقرار أعظم.
وفقاً لنموذج الغلاف، فإنّ حركة كلّ نوكليون داخل النّواة تخضع لمتوسّط القوّة الجذّابة لجميع النّيوكليونات الأخرى، ونتيجةً لذلك، يتمّ تحديد مدار الحركة بواسطة دالّة الطّاقة الكامنة V (R)، ممّا يمثّل متوسّط جميع التّفاعلات مع النيوكليونات الأخرى، وهو نفسه لكلّ جسيم، وتشكّل المدارات النّاتجة عن الحركة “أغلفة”، تماماً مثل مدارات الالكترونات في الذّرّات. علاوة على ذلك، فإنّ مصطلح الكامنة V (R) يشبه مصطلح الكامنة Coulomb في نموذج الغلاف الذّرّيّ.
ونظراً لأنّ النّيوكليونات مرتّبة في أغلفةٍ داخل النّواة، فإنّ كلّ غلاف يمكن أن يسمح فقط لعدد محدود من النّيوكليونات، كما هو مباح من قِبَلِ مبدأ استبعاد باولي، ومع ذلك، عندما تُشغَل جميع مجموعات الأرقام الكموميّة المتاحة، ويُملأ الغلاف بالكامل، فإنّها تؤدّي إلى وضع نسبيّ خاصّ أكثر استقراراً، وعادة ما يكون له طاقة منخفضة.
أثبت نموذج الغلاف أثرهُ في تفسير وجود الأعداد السّحرية وثباتها، وطاقة الرّبط العالية المبنيّة على الأغلفة المغلقة، علاوة على ذلك، ساعد ماريا ماير أيضاً على الصّعود إلى منصّة التّتويج في ستوكهولم بالسّويد لقبول جائزة نوبّل في الفيزياء عام 1963.
نوى سحريّة مضاعفة:
توجد بعض النّوى التي يكون فيها عدد النّيوترونات وعدد البروتونات (الذّرّيّ) مساوياً لأحد الأعداد السّحريّة، ويطلق على هذه الأنواع من النّوى اسم السّحر المضاعف، وتشمل بعض النّظائر السّحريّة المضاعفة المعروفة الهيليوم-4، والهيليوم-10، والأكسجين-16، والكالسيوم-40، والكالسيوم-48، والنّيكل-48، والنّيكل-56، والنّيكل-78، والقصدير-100، والقصدير-132، والرّصاص-208… تسمح التّأثيرات السّحريّة المضاعفة بوجود تلك النّظائر المستقرّة التي لم يكن من الممكن توقّعها لولا ذلك.
علاوة على ذلك، فإنّ التّأثيراتِ السّحريّةَ تمنع النّويدات غير المستقرّة من التّضاؤل بالسّرعة المتوقّعة، لقد وُجِدَ أنّ النّوى التي تحتوي على أعداد زوجيّة من البروتونات والنّيوترونات، تكون أكثر استقراراً من تلك التي تحتوي على أعداد فرديّة. وفي كوننا، تُرى تأثيرات غلاف العدد السّحري في الوفرة المعتادة للعناصر، فعلى سبيل المثال: الهيليوم-4 هو من بين النّوى الأكثر وفرة (وأكثر استقراراً) في الكون، والرّصاص-208 هو أثقل النّوى استقراراً.
- ترجمة: ريمة جبارة
- تدقيق علمي ولغوي: فريال حنا
- المصادر: 1