حساباتٌ دقيقة لوصف كيف تعكس الثّقوب السّوداء كونَنا

طوّر علماء الفلك مجموعةً من المعادلات التي يمكنها أن تصفَ بدقّةٍ انعكاسات الكون التي تظهر في الضّوء الملتوي حول الثّقب الأسود.

إذ وفقًا للحلّ الرّياضيّ الذي توصّل إليه طالب الفيزياء ألبرت سنيبن من معهد نيلز بور في الدّنمارك في تموز/يوليو 2021، يعتمد قرْب كلّ انعكاس على زاوية المراقبة المتعلّقة بالثّقب الأسود ومعدّل دورانه.

لا ريب في أن هذا رائعًا حقًا، لكنّه لم يكن كذلك بالضّبط. كما من المحتمل أن يمنحنا أداةً جديدة لاستكشاف بيئة الجاذبيّة حول هذه الأجسام المتطرّفة.

قال سنيبن في بيان له عام 2021: «هناك شيء جميل بشكلٍ خياليّ في فهم سبب تكرار الصّور لنفسها بهذه الطّريقة الأنيقة. علاوةً على ذلك، فإنّه يوفّر فرصًا جديدة لاختبار فهمنا للجاذبيّة والثّقوب السّوداء».

تشتهر الثّقوب السّوداء دون غيرها بشيء واحد وهو جاذبيّتها الشّديدة. بشكلٍ خاصّ، وخارج نصف قطرٍ معيّن، فإنّ أسرع سرعةٍ يمكن تحقيقها في الكون وهي سرعةُ الضّوء في الفراغ، تعتبر غير كافية لتحقيق سرعةِ الإفلات.

إن نقطة اللّاعودة تلك هي أفق الحدث، الذي يعرف بما يُسمّى نصف قطر شفارتزشيلد، وهو السّبب وراء قولنا بأنّ حتّى الضّوء لا يمكنه الإفلات من جاذبيّة الثّقب الأسود.

ومع ذلك، فإنّ البيئة خارج أفق الحدث للثّقب الأسود مباشرةً تعاني أيضًا من خللٍ خطير. حيث أنّ مجال الجاذبيّة قويّ جدًا لدرجةِ أنّ انحناء الزّمكان يكاد يكون دائريًا.

من الطبيعيّ أن تتبع أيّ فوتونات تدخل الفضاء هذا الانحناء. وهذا يعني، من وجهة نظرنا، أنّ مسار الضّوء يبدو ملتويًا ومنحنيًا.

ويمكننا أن نرى عند الحافّة الدّاخليّة لهذا الفضاء، خارج أفق الحدث مباشرةً، ما يسمّى بحلقة الفوتون، حيث تنتقل الفوتونات في مدار حول الثّقب الأسود عدّة مرّات قبل أن تسقط نحوه أو تفلت إلى الفضاء.

هذا يعني أنّ الضّوء الصّادر من الأجسام البعيدة خلف الثّقب الأسود يمكن تضخيمه وتشويهه و”عكسه” عدّة مرّات، وهذا ما يعرف بعدسة الجاذبيّة. كما يمكن رؤية هذا التّأثير في سياقات أخرى، ويعد أداة مفيدة لدراسة الكون.

لقد عرفنا عن هذا التّأثير منذ وقت ليس ببعيد، واكتشف العلماء أنّه كلّما نظرت بشكلٍ أقرب نحو الثّقب الأسود، كلّما زادت الانعكاسات التي تراها على الأجسام البعيدة.

فللانتقال من صورة إلى التّالية، كان عليك أن تنظر ما يقارب 500 مرّة أقرب إلى الحافّة البصريّة للثّقب الأسود، أو الدّالة الأسّيّة لاثنين pi (e2π)، لكن سبب حدوث هذا كان من الصّعب وصفه رياضيًا.

كان نهج سنيبن هو إعادةُ تشكيل مسار الضّوء وقياس استقراره الخطّيّ، باستخدام المعادلات التّفاضليّة من الدّرجة الثّانية. إذ وجد أنّ حلّه لا يصف فقط سبب تكرار الصّور على مسافات e2π رياضيًا، ولكن يمكنه أن ينجح مع ثقب أسود دوّار، وأنّ مسافة التّكرار هذه تعتمد على الدّوران.

وقال سنيبن: «لقد اتّضح أنّه عندما يدور بسرعةٍ كبيرة، لم يعد عليك الاقتراب من الثّقب الأسود بعامل 500 مرة، ولكن أقلّ بكثير. في الواقع، أصبحت كل صورة الآن أقرب بمقدار 50 أو 5 أو حتّى مرّتين فقط من حافّة الثّقب الأسود».

عمليًّا، سيكون من الصّعب ملاحظة ذلك، على الأقلّ في أيّ وقت قريب، وذلك بالنظر إلى مقدار العمل المكثّف الذي بُذل في التّصوير الذي لم يُحلّ بعد لحلقة الضّوء حول الثّقب الأسود الهائل Pōwehi (M87*).

ومع ذلك، يجب أن تكون هناك حلقات لانهائيّة من الضّوء حول الثّقب الأسود نظريًا. وبما أنّنا قُمنا بتصوير ظلّ ثقب أسود هائل لمرّة واحدة، نأمل أن تكون مسألةَ وقتٍ فقط قبل أن نتمكّن من الحصولِ على صورٍ أفضل، وهناك بالفعل خطط لتصوير حلقة الفوتون.

في يومٍ من الأيام، يمكن أن تكون الصّور اللّانهائيّة القريبة من الثّقب الأسود ليس فقط أداةً لدراسة فيزياء الزّمكان للثّقب الأسود، ولكن أيضًا الأجسام الموجودة خلفها، والتي تتكرّر في انعكاسات لا نهائيّة في الأبديّة المداريّة.

نُشِر البحث في التّقارير العلميّة.

نُشرت نسخة سابقة من المقال لأوّل مرّة في تموز/يوليو 2021.

  • ترجمة: ريمة جبارة
  • تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
  • المصادر: 1