لماذا يجب أن نختلف في العمل؟

تقول كاتبة المقال ‘آمي غالو’ أنه في أثناء عملها الأول كمستشار إداري قابلت عميلة تدعى ‘مارغريت’ لم يكن التعامل معها سهلًا، ورغم اختلافها معها حول جوانب كثيرة من المشروع، مثل: اتجاهات سير المشروع والأشخاص المشاركين وخطوات العمل، إلا أنها لم تظهر ذلك الاختلاف بشكل واضح أمامها كونها لا تزال مستشارة مبتدئة، فأرسلت كل الرسائل الإلكترونية إلى أحد زملائها وأخبرته باعتراضاتها ومقترحاتها التي يمكن أن تبدو عدوانية وسلبية.

وفي إحدى المرات، ظنت آمي أنها ترسل البريد الإلكتروني المتضمن شكواها وألمها من مارغريت لأحد زملائها في العمل، لكنها بدلًا من ذلك أرسلته لمارغريت نفسها، ولم تدرك ذلك إلا بعد مرور حوالي 15 ثانية من الإرسال، فتوجهت في الحال إلى مكتب المدير وأخبرته قبل أن يأتي هو ليطردها ولكنها انصدمت بردة فعله الهادئة، إذ قال لها ببساطة اذهبي واعتذري منها، واقترح عليها أن تمر ببائع الورود في أثناء ذهابها إلى مكتب مارغريت الذي يبعد عن مكتبهم ب30 مبنى في وسط منهاتن، للحظة كان يتوجب عليها إما الاعتذار ومواجهة مارغريت أو الطرد من العمل، ورأت أن مديرها على حق، عند وصولها للمكتب وبيدها باقة ورد كبيرة للغاية رأتها مارغريت وضحكت، فقد كانت متسامحة ومتفهمة جدًا وقالت لها أن هذه الأمور من الطبيعي أن تحدث وأنها تفضل إخبارها بشأن أي اعتراض ومناقشتها بشأنه مستقبلًا.

تنسب ٱمي سلوكها مع مارغريت لقلة خبرتها، لأنه مع مرور الوقت لاحظت أن كثيرًا من الأشخاص لا يرغبون حقًا بمخالفة الآخرين وإنما يجدون صعوبة في التعبير عن رأيهم بشكل صحيح، فغالبًا ما يرتبط قول «أنا أرى الأمر بمنظور آخر » أو «أنا لا أتفق مع كلامك» بالغضب أو الوقاحة أو القسوة وهذا ما يخلق جوًا سلبيًا ضمن مكان العمل.

على الرغم من أن الاتفاق مع آراء الآخرين أسهل وأكثر قبولًا إلا أنه لا يفيد دائمًا على المدى الطويل، ففي موقف آمي تمنت لو أن مارغريت اتفقت معها، لكنها أخطأت بعدم تقبل وجهة نظر مارغريت المختلفة وهذا لم يؤدِّ إلى إحراجها فحسب بل منعها من تكوين علاقة عمل مثمرة من شأنها تحسين نتائج المشروع.

إن وجود مثل هذه الخلافات أمر طبيعي وضروري خاصة في مجال العمل، بالطبع لا شيء يشبه أن تعمل ضمن بيئة هادئة وخالية من الخلافات لكنها لن تعود بأي نفع على شركتك أو عملك ولا حتى على نفسك، ومثل هذه الخلافات إذا تمت إدارتها بشكلٍ صحيح فهي تؤدي إلى نتائج إيجابية تساعد على النمو والابتكار، مثل:

1. نتائج عمل أفضل

عند وجود تنافس بين زملاء العمل وتساؤل مستمر فيما بينهم حول وجود طرقٍ أفضل لإنجاز العمل، فهذا الخلاف الإبداعي يؤدي لنتائج وحلول جديدة، ذكرت ليان ديفي المؤسس المشارك لشركة 3 COze Inc ومؤلفة كتاب «أنت أولًا: ألهم فريقك للنمو» أن الخلاف أمر غير مريح لكنه مصدر للابتكار وتحديد المشاكل المحتملة والتخفيف منها، إذا تجادلت أنت وزميلك حول أفضل طريقة لاقتراح مبادرة جديدة من الممكن أن يطرح فكرة واحدة بينما أنت لديك أكثر من فكرة وهنا ستضطر لمناقشة إيجابيات وسلبيات كل فكرة منها حتى تتوصل للحل المثالي.

2. فرصة للتطور والتعلم

إذا انتقد شخص ما أفكارك يمكنك الاستفادة من التعليقات لزيادة خبرتك من خلال تغيير طريقة تفكيرك وتجريب أساليب جديدة، من القسوة أن يوبخك زميل لك لأنك لم تذكر مساهمته في إنجاز عرضك التقديمي، ولكن هذا يجعلك تفكر في أخذ وجهات نظر الجميع بعين الاعتبار.

3. تحسين العلاقات

خلافات العمل تؤدي لعلاقات أقوى فهي تساعدك على فهم الآخرين بشكل أفضل ومعرفة أساليب عملهم، حتى الأطفال الصغار قادرين على فهم ضرورة الاختلاف مع الآخرين. في أحد المرات اختلفت ابنة آمي البالغة من العمر 10 سنوات مع صديقتها المقربة وعندما سألتها كيف أصبحت علاقتهم بعد ذلك ببساطة أجابتها أنهم تجادلوا طويلًا وتجاوزوا الخلاف وأصبحت صداقتهم أقوى.

4. زيادة الرضا الوظيفي

عندما تشعر بالراحة في طرح أفكارك وآرائك ستشعر بالسعادة والرضا في عملك وتفاعلك مع زملائك.

أظهرت دراسة أجريت على موظفين أمريكيين وصينيين أن هناك علاقة بين أساليب إدارة الخلافات -التي يسعى فيها الموظفون لتحقيق الربح لجانبي المشروع ومراعاة الآخرين والتركيز على الاهتمامات المشتركة- وسعادة الموظف في عمله.

5. بيئة عمل أكثر شمولية

وهذا يتطلب احتضان الخلافات والتعامل معها بطريقة ذكية وفعالة، وهنا تشير آمي لمقال مكتوب من قبل أنيسا باركر، وكارمن مدينا، وإليزابيث شيل سلطوا من خلاله الضوء على أهمية وجود تنوع فكري لتنظيم نجاح العمل. مجموعات العمل التي تتجانس فيها أفكار موظفيها تكون أكثر ثقة في عملها أما التي تتنوع فيها الأفكار والأساليب فهي أكثر نجاحًا في إنجاز المهام، وأوضحوا أنه يجب على المدراء والموظفين التخلص من فكرة تجنب الخلاف وموافقة الآخرين؛ دائمًا لأن الخلافات الجوهرية هي فرصة للحوار والبناء المستمر لمنظومة العمل.

تتفق آمي وبشدة مع هذه الفكرة، خاصة أنه جاء في مقالهم أن من مسؤولية المدراء خلق المنافسات التي تحفز فرقهم ليكونوا مبدعين ومنتجين ومختلفين أكثر.

بالنسبة للأشخاص الذين يتجنبون الخلافات في العمل، فهذا الكلام يبدو مزعجًا بعض الشيء، لكن من الممكن الشعور بالراحة في تقبل الخلافات، وفيما يلي بعض الطرق للقيام بذلك:

1. لا حاجة لمحبة الجميع

يميل معظم الناس لكسب محبة كل من حولهم إلا أن الحقيقة هذا ليس بالأمر المهم فعلًا.

كتبت جويل جارفينكل المدربة التنفيذية ومؤلفة كتاب «المحادثات الصعبة»: “من الطبيعي أن نرغب في الحصول على محبة الجميع لكن هذا ليس مهمًا جدًا، بل الأهم هو كسب احترامهم”. عندما تفضل الاحترام على المحبة ستشعر بارتياح كبير عند الخلاف وستجد نفسك قدوة لزملائك، ويجب أن نعترف أنه من الصعب جدًا بالنسبة للنساء اتباع هذه النصيحة.

2. ركز على الأهداف العامة

عندما تواجه أي انتقادات أو تعليقات في عملك لا تأخذها على نحو شخصي، لأنها في النهاية تصب في مصلحة العمل كله، تقول ‘إيمي جين سو’ الشريكة الإدارية لشركة Paravis Partners والمؤلفة المشاركة لكتاب Own the Room فكر في متطلبات العمل وكيف ستساعد الخلافات فريقك ومنظمتك أو المشروع الذي تعمل عليه.

رغبتك بأن تكون محبوبًا هي أمر يخصك وحدك لكن لا تكن أنانيًّا لتفضله على حساب نجاح عملك.

3. لا تربط بين الخلاف والقسوة

إن ما يمنع معظم الأشخاص من الخلاف مع زملائهم هو خوفهم من إيذاء مشاعر الآخرين أو أن يتم فهمهم بشكل خاطئ.

بالتأكيد يوجد أشخاص لا ترغب حقًا بمخالفتهم مثل المدراء المتعجرفين، لكن غالبية الأشخاص لا يمانعون ذلك ويتقبلون أي وجهة نظر مخالفة إذا أخبرتهم بها بصورة لبقة ومحترمة.

4. ابحث عن قدوة لك

قم بإيجاد شخص ما من حولك، صديقك أو زميلك الذي تعرف أنه يتمتع بشخصية منفتحة ومتفوقة في التواصل مع الآخرين والتفاعل معهم خاصة في المواقف المتوترة، حاول تقمص شخصيته عندما تكون في نفس الموقف.

توصي ‘هيرمينيا إيبارا’ الأستاذة في كلية لندن للأعمال باتباع نهج «التظاهر حتى التصنع» حاول دومًا تبني شخصية أخرى قادرة على التعامل مع مختلف المواقف والحالات، إحدى زميلات ‘آمي’ قامت باعتماد هذا النهج، فعندما تكون في موقف مزعج تتظاهر بأن كل شيء على ما يرام وأن باستطاعتها التحكم بمشاعرها وانفعالاتها.

أيًّا كان الأسلوب الذي ستتبعه، طبقه في المواقف والحالات الأقل توترًا وضغطًا ومن ثم انتقل الى مستوى أعلى إذا لاحظت تطورًا ملحوظًا في سلوكك، إذا لم ترضك النتائج الأولية تعلم وحاول مرة أخرى حتى تنجح.

بالنهاية أنا’ آمي’ تعلمت ذلك من خطأ غير مقصود بإرسال البريد الإلكتروني لمارغريت، ربما ما كانت لتنزعج لو حدثتها بوجهة نظري بشكل صريح، في معظم الأحيان قد يحتاج الشخص الآخر لرأي آخر لكن على أن يتم طرحه باحترام ومودة.

  • ترجمة: لبنى العموري
  • تدقيق علمي ولغوي: روان نيوف
  • المصادر: 1