قد يساعد العزف او الغناء على الحفاظ على صحّة دماغك

وفقاً لأبحاث حديثة، قد يساعد العزف على آلة موسيقية خلال حياتك في الحفاظ على صحّة دماغك المعرفية مع تقدمك في العمر.

على الرغم من أنّ العزف على الآلات النفخية النحاسية والخشبية كان أيضاً مفيداً من الناحية المعرفية، إلّا أنّه تمّ إيجاد أنّ الأشخاص الذين يعزفون على البيانو خلال مرحلة الرشد هم الأكثر احتمالاً للاستفادة بشكل كبير.

وقد أوجدت الدراسة أيضاً صلة بين الغناء في جوقة والصحّة المعرفية، ولكنها لم تكن قادرة على تحديد فيما إذا كانت هذه المنفعة نتيجة للغناء نفسه أم أنّها ناتجة عن المشاركة في نشاط اجتماعيّ ما.

تظهر دراسةٌ جديدة من جامعة اكستر في المملكة المتّحدة أنّ عزف الموسيقا أو الغناء في جوقة خلال مرحلة الرشد مرتبطان بصحّة معرفية أفضل مع التقدّم في السنّ.

-هذه الدراسة هي تحليل لبيانات مأخوذ من أكبر دراسة PROTECT الأكبر، والتي تبحث في الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 40 عاماً أو أكبر. هذه الدراسة تعتبر تعاوناً مع جامعة كيغز في لندن، وقد استمرت لعقدٍ من الزمن.

استطاع مؤلفي الدراسة عبر بحثهم في بيانات مجموعة فرعية من دراسة PROTECT أن يتتبّعوا التأثيرات الإدراكية للعزف على آلة موسيقية أو الغناء في جوقة. تم مقارنة تعرض الأفراد طوال حياتهم للموسيقا وخبرتهم الموسيقية بوظائفهم الإدراكية.

قد تساعد القدرة الموسيقية على الحفاظ على صحة الدماغ:

وجد مؤلفو الدراسة أنّ البالغين الذين يعزفون على آلة موسيقية يملكون قابلية أعلى للتّحلّي بذاكرة قوية وقدرات تنفيذية أكثر مهارة. وكان الغناء في جوقة أيضًا مرتبطًا بوظائف تنفيذية أفضل.

تمّ الربط بين امتلاك مستوى أعلى من القدرة الموسيقية بذاكرة عاملة أقوى:

من المعروف أنّ مجرد الاستماع إلى الموسيقا يعتبر مفيداً لكبار السن، وهذه الدراسة أكدت على المنفعة الإضافية التي تجلبها المشاركة في الموسيقا، لأنّها تتضمّن مشاركة عدد أكبر من مناطق الدماغ. حيث لم تلاحظ الدراسة أيّة علاقة بين الصحّة المعرفية والاستماع إلى الموسيقا دون المشاركة بها.

كان الأشخاص الذين استمروا على عادة العزف خلال سنوات حياتهم، أكثر عرضةً لامتلاك صحّة معرفية أقوى:

معظم المشاركين في الدراسة كانوا قد مارسوا العزف لمدّة محدودة من السنوات، عادةً 5 سنوات أو أقل، وأكثر من ثلاثة أرباع المشاركين تلقّى تدريباً لمدة 2 إلى 5 سنوات. وقد صرّح المشاركون عن ممارستهم العزف لمدة 2-3 ساعات في الأسبوع أو أقل خلال سنواتهم الموسيقية النشطة.

كان البيانو الآلة ذات الارتباط الأقوى في تحسين الصحة المعرفية:

أظهر أيضاً عازفو الآلات النفخية النحاسية والخشبية قدرات معرفية أفضل، ولكن ليس بنفس مقدار عازفي البيانو. لم تظهر الدراسة أيّة علاقة بين المقدرة المعرفية والعزف على الغيتار أو الآلات الإيقاعية أو الوترية ذات القوس.

على الرغم من أنّ الباحثون لاحظوا تأثيرات إيجابية للغناء في جوقة، إلّا أنّه ما يزال غير واضحاً فيما إذا كانت هذه التأثيرات ناتجة عن الغناء أو عن الانخراط الاجتماعي مع الآخرين. تحتاج هذه النقطة أبحاثاً مستقبلية لتوضيحها.

تأثير المقدرة الموسيقية على المخزون الإدراكي:

تؤكّد نتائج الدراسة على الفائدة المحتملة لتعلم الموسيقا في وقت تقوم فيه الكثير من المدارس بإقصاء برامج الموسيقا. وهي أيضاً تشجع على فكرة أنّ المشاركة في الأنشطة الموسيقية خلال مرحلة الرشد هي وسيلة للاستفادة من المخزون الإدراكي بشكل وقائي.

الطبيبة جيني دوريس هي عالمة باحثة في جامعة بيتسبورغ، وعازفة إيقاع ايضاً، لكنها لم تشارك في الدراسة. لاحظت الطبيبة جيني أنّ هذه الدراسة “تقدم أفكار جديدة حول تأثير بعض الآلات الموسيقية -مثل الآلات النفخية النحاسية والخشبية والآلات الوترية والإيقاعية- في الجوانب المتعلقة بالإدراك”.

وصرحت الطبيبة: “تساعدنا هذه الدراسة على فهم أيّ نوع من المشاركة الموسيقية قد يكون مفيداً للخروج بنتائج محددة”.

ونقلت عن مصدر لتجربة عشوائية خاضعة للمراقبة (RCT) بحثاً في العلاج الموسيقي بالمجموعات الغنائية، العلاج الموسيقي بمجموعات الاستماع للموسيقا ومجموعة مراقبة للتلفاز.

أضافت الطبيبة: “أوجدت الدراسة أنّ مجموعة الغناء هي المجموعة الوحيدة التي أظهرت تحسّناً واضحاً في جودة الحياة مقارنة مع ما قبل التجربة وما بعدها”.

يقول الطبيب لاري شيرمان، بروفيسور في معهد اوريغون للصحة والعلوم، وهو أيضاً غير مشارك في الدراسة، ومؤلف كتاب “كل دماغ بحاجة إلى الموسيقا”: العلوم العصبية وراء صناعة الموسيقا والاستماع لها.

“تعدّ هذه الدراسة مميزة لأنّها تدعم الحاجة إلى العلاج بالموسيقا كجزء من الرعاية بالذاكرة”.

هكذا وصف الطبيب شيرمان الآليات الفيزيولوجية التي تسمح للغناء او لعزف الموسيقا بدعم المقدرة المعرفية: “تستطيع ممارسة الموسيقا التأثير على الدماغ بطرق عديدة، بما يتضمّن زيادة سرعة السيّالات العصبية عبر تحفيز تكوين الميلين الذي يغلف عمليات الخلايا العصبيّة، وأيضاً عبر زيادة المشابك العصبية-الاتصالات بين الخلايا العصبية. وأيضا من الممكن أن تسهم في انتاج خلايا عصبية جديدة”.

ما الذي تقوم به الموسيقا للأشخاص المصابين بالخرف:

ركّزت الكثير من الأبحاث المهتمة بالعلاقة بين الموسيقا والمقدرة المعرفية على الأشخاص المتقدمين بالعمر المصابين بالخرف.

قالت فيرجينيا بيغار من مؤسسة “التقدم في العمر في الولايات المتحدة الأمريكية”، والتي لم تشارك في الدراسة الحالية: “يوجد أبحاث لا تعدّ ولا تحصى تظهر الفوائد المختلفة للموسيقا على الذاكرة، القدرة المعرفية وعلى صحّة الدماغ، وأيضاً أبحاثٌ تظهر قيمة الموسيقا على اعتبارها أداة للمشاركة الإيجابية للأشخاص المصابين بالخرف”.

تقول بيغار: “إنّه من الشائع أن يتمّ إدخال الموسيقا في دور رعاية المسنّين، سواءً في فصول الحركة او في الأنشطة المشابهة، وحتّى الغناء او العزف على آلات بسيطة للإسهام في المشاركة الاجتماعية”.

كما أضافت أنّ الموسيقا تعدّ أيضاً وسيلة لدعم الذاكرة، على اعتبار أنّها وسيلة لانخراط المصابين بالخرف اجتماعياً، وأيضاّ كوسيلة للتهدئة.

أشارت أيضاً بيغار على توفّر جوقات مصمّمة خصّيصاً للأشخاص الذين يعانون من الفقدان الإدراكي. “يتمّ تصميم جوقات مساعدة للمصابين بالخرف في كل أنحاء العالم، وذلك مع ازدياد النظر إلى الموسيقا كوسيلة علاجية، ترفيهية وحتّى فرصة لانخراط المصابين بالخرف او بأمراض الفقدان الإدراكي الأخرى اجتماعياً”.

كما يتوفر أيضاً مصادر عبر الانترنت للمساعدة في إدخال الموسيقا على حياة الأشخاص المصابين بالخرف، مثل المشروع البحثي الخاص بالطبيب دوريس، Protect Unmute, الذي يهدف إلى جمع العازفين الشباب مع المسنّين الذين يواجهون فقدان في الذاكرة.

  • ترجمة: كريم عبد الرحمن
  • تدقيق لغوي: ميساء أبوحمرة
  • المصادر: 1