سبع استراتيجيّات للتّعايش مع الحيرة

ماذا علينا أن نفعل عندما نشعر كما لو أنّ كلّ شيء خارج عن السيطرة؟

يُعتبر التعايش مع الكثير من الحيرة و الشكّ أمرًا صعبًا، فمثلما يرغب البشر في الأكل وممارسة الجنس والحاجيات الأساسيّة الأخرى، يتوقون كذلك للحصول على معلومات حول المستقبل. ويرى الدماغ البشريّ في التّناقض تهديدًا له وبالتالي يحاول حمايتنا من خلال تجاهل أيَّ شيءٍ يحول دون تحقيق اليقين.

ولكن في بعض الأحيان ـ وربّما دائمًاـ يكون تجاهل اليقين أنجع وأفضل لنا من تحقيقه. وعلى الرّغم من تلاعب التطوّر بأدمغتنا على مقاومة الشكّ، لن نستطيع أبدا معرفة ما يخبّئه لنا المستقبل. لذلك، نحتاج أن نتعلّم كيف نتعايش مع الغموض في خِضمِّ أوضاعٍ غير متوقّعة وغير واضحَةٍ مثل الوباء أو الحرب.

وفي هذا السّياق، كتب عالم الرياضيات جون ألين باولوس John Allen Paulos : »انعدام اليقين هو اليقين الوحيد الموجود ومعرفة كيفيّة التعايش مع انعدام الأمن هو الأمان الوحيد. «

إذن، كيف بوسعنا التّأقلم على نحو أفضل عندما يخرج كلّ شيءٍ عن السّيطرة؟

إليكم سبع استراتيجيّات للتّعايش مع الحيرة.

1) لا تقاوم

لا ريب في أنّنا نمرّ بأوقاتٍ صعبة ولكن لن نستطيع أن نتعافى ونتعلّم ونتطوّر ونشعرَ بحالٍ أفضلَ إذا تصدّينا للواقع الرّاهن. والغريب في الأمر، أنّ المقاومة تُطيل الألم والمشقّةَ وتُعزّزُ المشاعر الحادّة وهذا جليٌّ في القول المأثور بأنّ كلُّ ما يُقاوَم، يَستمِرُّ.

لكن، يوجد بديل!

فَعِوض المقاومة، يمكننا العمل على تقبّل الأمر، حيث بيّنت بحوث الأخصائيّة النفسيّة كريستين نيفChristine Neff وزملائها أنّ التقبّل وخاصّةً تقبّل الذّات هو سرّ حدَسيّ لتحقيق السّعادة وهو عبارة عن تقبّل الحياة كما هي والمضي قدمًا . وذلك لأنّ التقبّل يمكّننا من رؤية واقع الأشياء كما هي في اللّحظة الرّاهنة فهو يحرّرنا لنمضي قدمًا بدل أن نكون مكبّلين أو أن يجعل منّا الشكّ والخوف والجدال عديمي الجدوى.

وللتدرّب على التقبّل، يجب أن نستسلم للموقف كما هو وكذلك لمشاعرنا تجاهه. فمثلًا قد ترى أنّ زواجك يمرّ بوقتٍ عصيبٍ في هذه اللّحظة ولكن بدل أن تنتقد قرينك أو تُلقي باللّوم عليه، يمكنك تقبّل زواجك كما هو. لكن هذا لا يعني أنّك لن تشعر بالإحباط أو خيبة الأمل أو الحزن تجاه الوضع الحالي، ذلك لأنّ تقبّل مشاعرنا في الظّروف الصّعبة وتجاه الأشخاص ذات المراس الصّعب في حياتنا يعتبر جزءًا مهمًّا في عمليّةِ التقبّلِ.

وبالتّالي، فإن تقبّل ما يمرّ به زواجنا والإقرار بحقيقة مشاعرنا تجاه الأمر يجعلنا في وضع أفضل يمكننا من خلاله أن نمضي قدمًا

ويجب التّنويه أنّ التقبّل لا يعني الاستسلام وبقاء الأمور على نفس الشّاكلة إلى الأبد، فنحن لا نتقبّل أن تبقى الأوضاع كما هي إلى الأبد ولكن علينا أن نتقبّل ما يحدث في اللحظة الرّاهنة.

إذ يمكن أن نعمل على أن نكون سعداءَ أكثر في زواجنا وفي الوقت نفسه نعترفُ بالحقيقة الرّاهنةِ وهي أن العلاقةَ تمرُّ بوقت عسيرٍ وأن تحسّنَ الوضعَ من عدمهٍ ممكنٌ.

وبقدر ما يعتبر تقبل التحدّيات أمرًا صعبًا، إلا أنّه أكثر الأساليب فاعليّةً للتقدُّمِ نحو الأمامِ.

2) استثمر في نفسك

نفسك هي أفضل مساهمة تقدّمها للعالم وعندما تستنفد هذا المورد تَضرُّ أكثر مكاسبكَ قيمةً. وبعبارة أخرى، عندما لا نستثمر في أجسادنا وعقولنا وأرواحنا كما ينبغي، نُدمِّر أكثر الوسائلِ أهميّةً التي تمكّننا من العيشِ على أفضلِ حالٍ.

لا نحافظ نحن البشر على أنفسنا على أحسن وجه، على الرغم من ضرورة الحفاظ على العلاقات التي تجلب لنا التواصل والمعنى والحصول على القدر الكافي من النوم والرّاحة عندما نكون متعبين وكذلك قضاء وقت نلهو فيه ونمرح للإحساس بالمتعة.

لكن لا ترتبك، فالرعاية الذاتيّة ليست تصرّفًا أنانيًّا، فالأنانيّةُ هي اهتمام ذاتيٌّ يسوده الاضطراب. وعادة ما يشير الأشخاص الأنانيّون إلى أنفسهم بكلمات من قبيل »أنا «و »لي «و »ملكي«، فهم يسعون إلى تحقيق أهداف سطحيّة كالحفاظ على مظهرٍ شبابيٍّ أو بناء صورة لهم على مواقع التواصل الاجتماعي وغالبًا ما تكون لهم رغبةٌ جامحةٌ لكسب المزيد من المال أو القوّة أو استحسان الآخرين لهم.

ويرتبط هذا النوع من الاهتمام الذاتي بالضغط والقلق والإحباط ومشاكل صحيّة مثل مشاكل القلب.

وبالتالي، لا أوصي بالأنانيّة إطلاقا وإنّما أوصي بالعناية الذاتيّة والنماء الشخصيّ.

3) جد أساليب صحية لمواساة نفسك

من أهم الأساليب التي نستطيع الاستثمار في أنفسنا من خلالها هي مواساة أنفسنا بطرق صحيّة، فإذا أردنا الحفاظ على مرونتنا يجب أن نشعر بالأمن والأمان. وأمّا في حالة انعدام اليقين والأمان، يحاول دماغنا إنقاذنا وذلك بتنشيط أنظمة الدوبامين حيث تحثنا موجة الدوبامين هذه على البحث عن المكافآت وهو الأمر الذي يعزّز وطأة المغريات.

فكّر في الأمر كما لو أنّ دماغك يدفعك صوب الأشياء المريحة ككأس إضافيٍّ من النبيذ عوض قضاء وقت كاف من النوم أو أكل طبق كامل من البراونيز أو إضافة غرض آخر إلى سلة مشترياتك من أمازون.

ولكن من الأفضل أن نريح أنفسنا بطريقة صحيٍّة عوض اللّجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي والكحول والإنفاق لتخفيف توتّرنا. اكتب قائمة حول الطرق الصحيّة التي تريحك كالمشي أو الذهاب في نزهة مع أحد الجيران أو مهاتفة أحد الأصدقاء أو التفكير في الأشياء التي أنت ممتنٌّ لها أو أخذ قسط من النوم أو مشاهدة فيديو مضحك على اليوتيوب.

فقد تكون هذه الأشياء صغيرة، لكنها تمكّننا من أن نكون كما نريد.

4) لا تصدّق كلّ ما يخالج فكرك

لعل أهم تكتيك تعلّمته يومًا حول كيفيّة تخفيف الضّغط هو عدم تصديق كل ما أفكّرُ به، فمن المهمِّ في الأوقات العسيرة عدم تصديق السيناريوهات السيئة التي تمليها عليك أفكارك.

قد يساعدنا التفكير في السيناريوهات السيئة بالتأكيد حتى نكون في استعداد لمنع حدوثها، ولكن عندما نصدق هذه الأفكار المربكة عادةً ما نستجيب عاطفيًّا كما لو أنَّ أسوأ موقفٍ يحدث بالفعلِ على أرضَ الواقعِ وليس في مخيِّلتنا فقط. فنحزن على أشياء لم نفقدها بالفعل ونستجيب لأحداث لم تحدث حقًّا وهذا يولِّد الشعور بالتَّهديد والخوف وانعدام الأمان عندما نصدِّق أفكارنا.

بالتّالي، نستطيع التّفكير في أفضل سيناريو ممكن بدل تصديق كل الأفكار المربكة. ففي بعض الأحيان، يمكن أن نعثر على بصيص من الأمل ليحِلَّ محلَّ اجترار الأفكاِر وهو ما يعارضُ نزعتنا في الّتقدير المبالغِ فيه للمخاطر والنتائج السلبيّة.

5) انتبه

إن عكس انعدام اليقين ليس اليقين نفسه بل الحضور. فبدل تخيُّلِ مستقبل غامضٍ ومخيف، نستطيع تركيز اهتمامنا على تنفّسنا وبالتّالي نستطيع الاطمئنان على أحوالنا ككلِّ مرّة مثلًا نغسل فيها أيدينا، يمكن أن نتساءل: »كيف حالي الآن؟«

لاحظ المشاعر التي تختلجها وأين تتموضع هذه الأخيرة في جسدك حتى تركّز اهتمامك وتتقبّلها (انظر الإستراتيجية رقم واحد).

فحتَّى عندما نفقد سيطرتنا على كل ما يحيط بنا، يمكننا أن نُسيطرَ على تركيزنا كأن نتجاهل تنبيهات الأخبار أو مواقع التواصل الاجتماعي حتى لا تجتاح وعينا ويمكننا كذلك تجاهل السيناريوهات السلبيّة والتّركيز على ما يحدث داخلنا هنا وفي اللحظة الرّاهنة، حيث يمنع التركيز على ما يحدث في داخلنا الواقع الخارجي من تحديد حقيقتنا الداخليّة وهو ما يرسّخ فينا السكينة والانفتاح الفكري والسيطرة على الانفعالات.

6) أنقذ نفسك بنفسك

عندما نشعر بانعدام قوتنا، نقع ضحيّةَ أفكارٍ تجعلنا نشعر بالغضبِ والعجزِ والضيقِ وهو ما يجعلنا نأملُ في إيجاد من يُنقِذنا من معاناتنا.

وعلى الرّغم من الشعور الجيّدِ الذي ينتابنا عندما يهتمُّ بنا الآخرون، إلاّ أنَّ أغلبُهم لا يساعدوننا فعلاً. وقد يرغب أصدقاؤنا في إنقاذنا ـ لأن مساعدة الآخرين تولد شعورًا بالرضا ـ وتكون نواياهُم نبيلة أمَّا المنقذونَ فغالبا ما يكونوا محفِّزين وليسوا مخلِّصين وعندما نبقى عالقين، يحتفظون بدورهم كأبطالٍ أو يصرفون انتباههم عن مشاكلهم الشخصيّة.

وغالبا ما يسمح لنا المنقذون بتجنُّبِ مسؤوليَّة أفعالنا بينما يرى أصدقاؤنا الذين يدعموننا أو الأخصائيِّين النفسانيِّين أنّنا قادرين على حلِّ مشاكلنا، فهم يطرحون الأسئلة التي تساعدنا على التركيز في الأشياء التي نريدها بدل تلك التي لا نريدها.

وباختصار، يجب أن نتوقَّف عن التذمُّرِ حتى نتعايش مع الحيرة بصورة أفضل؛ فعندما نتخلّى عن تركيزنا على المشكلة يتحوَّلُ انتباهنا إلى النتائج التي نرغب فيها. كيف نستفيد قدر المستطاع من هذه الفوضى؟ وما الذي يمكننا كسبه في هذا الوضع؟

عندما نتولَّى المسؤوليَّة، نتخلَّى عن القوّةِ الزائفة النابعة من دور الضحيّة ونكتسب القوّة الحقيقيّة التي تنبع من الحياة التي نريد عيشها.

7) جِدْ معنى في خضم الفوضى

يُعرِّف علماء النفس الاجتماعي المعنى بأنّه »تقييم فكريٌّ وشعوريٌّ لمدى جدوى حياتنا وقيمتها وتأثيرها«. ويرتبط حماسنا نحن البشر بمدى أهميَّتنا للآخرين، حيث نعمل أكثر وأفضل ونكون سعداء بما نقوم به عندما يستفيد الآخرون من مجهوداتنا.

فعلى سبيل المثال، عندما يقدِّم الشباب مساعداتٍ ماديّةٍ ومعنويةٍ ومعلوماتيةٍ للأشخاص الذين يواجهون أزماتٍ، غالبًا ما يشعرون بارتباطهم الوثيق تجاه مجتمعهم. وقد بيَّنت البحوثُ أنّنا نشعر بالرضا عندما نتوقّفُ عن التفكير كثيرًا في أنفسنا ونمدَّ يد المساعدةِ للآخرينَ

وعندما نرى شيئًا يحتاج التّحسين فإنَّ خطوتنا التالية تتمثَّل في إدراك ما نستطيع القيام به حتى نكون جزءًا من الحلِّ: ما هي المهارات والمواهب وحتّى الاهتمامات التي يمكننا إضفاءها لحلِّ المشكلةِ؟ ما الذي يُهمُّنا حقًّا وكيف يمكننا تقديم خدماتنا؟

ينبع الأمل من المعنى والهدف وعندما يكون العالم مخيفًا ومريبًا، تكون معرفتنا بالمعنى الذي نمُدُّه للآخرين سببُ شعورنا بالثباتِ أكثر من أيِّ شيءٍ آخر.

لذلك لا تنتظر انتهاء هذا المأزق ولا تستلم لمعاناتك في انتظار حلٍّ للمشكلة واسأل نفسك: ماذا أردت أن تفعل دائما؟ ماهي النتائج التي تطمح إليها وكيف تنعم بحياةٍ حقيقيّةٍ في هذا الوقت؟ الإجابة هي أن تعيش تلك الحياة.

  • ترجمة: مريم خماجة
  • تدقيق علمي ولغوي: نور عباس
  • المصادر: 1