واحدة من أقدم الألعاب في العالم لم يتم اختراعها في مصر القديمة كما كان شائعا

يشير بحث جديد إلى أنّه لربّما كان للّعبة القديمة تأثيرٌ في أماكن أخرى أوّلًا.

تُعتبر لعبة الثّمانية وخمسون ثقبًا واحدة من أقدم الألعاب في العالم. ظهرت اللّعبة اللّوحيّة أوّلًا في مصر القديمة خلال الألفيّة الثّانية قبل الميلاد تبعًا لتفسيرات تقليديّة، لكن اكتشفت الحفريّات الأخيرة أيضًا دليلًا على وجود اللّعبة في جنوب القوقاز خلال هذه الفترة، متحدّيةً فهمنا لأصولها.

يُطلق عليها عادةً اسم “كلاب الصّيد وابن آوى” لوجود رؤوس حيوانات محفورة على بعض قطع اللّعب.

تمّ لعب لعبة الثّمانية وخمسين ثقبًا لقرون، بدءًا من منتصف العصر البرونزيّ وحتّى العصر الحديديّ.

تتألّف هذه اللّعبة من لوح (أحيانًا يكون مصنوعًا خصيصًا لهذا الغرض وأحيانًا يكون مجرّد نقش على سطحٍ مستوٍ) يحتوي على صفوف من الثّقوب المحفورة فيه، والتي تمّ تصميمها لتوضع فيها الأوتاد.

إجمالًا، المجموع الكلّيّ (كما خمّنت) هو ثمانية وخمسون ثقبًا على اللّوح مرتّبة في خطّين متوازيين من عشرة ثقوب في المركز ومحاطة بعد ذلك بقوس مؤلّف من ثمانية وثلاثين ثقبًا.

من أجل اللّعب، يحظى كلّ لاعب بخمسة أوتاد يتناوبون في تحريكها على طول الثّقوب من نقطة البداية ثمّ إلى أعلى جوانبهم الخاصّة حتّى نقطة النّهاية.

تحوي بعض الثّقوب خطوطًا تمرّ بينها، وتعمل هذه الخطوط عمل (المنحدرات) أو (السّلالم) ممّا يمنح اللّاعب فرصة إمّا للتّقدّم بسرعة أو التّراجع إلى الخلف عن طريق الخطأ.

يحدّد رمي حجر النّرد أو العصيّ أو ما شابه ذلك، عدد الأماكن التي يستطيع فيها اللّاعب التّحرّك في كلّ مرّة.

تجدر الإشارة إلى أنّ اللّعبة تطوّرت عبر القرون، لذلك ربّما تمّ لعبها بطرقٍ مختلفة في أوقات مختلفة أو في أماكن مختلفة.

في الوقت الحاضر، جُمع ما يقارب ثمانين لوحًا من اللّعبة وعُرِض في المتاحف حول العالم. وينظر إلى شكل اللّوح عمومًا على أنّه يدلّ على متى وأين تمّ إنشاؤه، وعُثر على أمثلة من مناطق واسعة منها مصر وبلاد الشّام وبلاد ما بين النّهرين وإيران والأناضول.

يأتي أقدم مثال مؤرّخ من مقبرة العساسيف، وهي مقبرة قريبة من الأقصر على الضّفّة الغربيّة في طيبة، مصر. تعود اللّعبة على الأرجح لأحد مسؤولي الفرعون أمنحوتب الثّاني الذي حكم من عام 2060 إلى 2009 قبل الميلاد.

عُثر على مثال آخر للعبة لوح قديمة في الطّور الثّاني في كولتيبي وسط الأناضول والتي ربّما يعود تاريخها لحوالي 1885 إلى 1836 قبل الميلاد.

غالبًا ما يفترض أنّ مصر هي المكان الذي اخترعت فيه اللّعبة نظرًا لوجود أقدم الأمثلة المؤرّخة فيها. مع ذلك، هناك بعض الجدل على هذه النّقطة.

ناقش علماء آخرون فكرة أنّ اللّعبة ظهرت من جنوب غرب آسيا، حيث كانت شائعة وعلى ما يبدو أنّها تمتّعت بفترة استخدام طويلة وأكثر ثباتًا.

والآن يشير البحث الجديد، الذي أجراه عالما الآثار والتر كريست ورحمن عبد اللاييف، إلى وجود أدلّة أقوى تدعم هذه الحجّة.

وفق الدّراسة، هناك أدلّة من أذربيجان تدلّ على أنّ النّاس لعبو اللّعبة خلال أواخر الألفيّة الثّالثة وحتّى الألفيّة الثّانية قبل الميلاد، أي قبل وقتٍ طويل من ظهورها في مصر.

أيضًا يبدو أنّ من لعبوها قد شاركوا في التّفاعلات الإقليميّة التي امتدّت عبر جنوب غرب آسيا في ذلك الوقت.

يوضّح المؤلّفان أنّ تنوّع لوح الثّمانية وخمسين ثقبًا في جنوب غرب آسيا (بالإضافة إلى ظهوره المبكّر وطول فترته هناك) يقدّم حجّة أقوى أنّ أصلها يعود إلى الشّمال وليس إلى مصر.

تأتي أفضل نسخة مسجّلة من اللّعبة من محميّة جوبوستان الوطنيّة قرب الشّاطئ الغربيّ لبحر قزوين، جنوب غرب باكو. تتألّف اللّعبة من نمط “منقور” على حجر والذي تمّ اكتشافه صدفةً في عام 2015.

كتب كريست وعبد اللاييف: “تمّ تقديمه على شكل سلسلة من المنخفضات السّطحيّة، مع قنوات ضيّقة تربط ثقوب محدّدة ببعضها، ويشبه هذا النّمط إلى حدّ كبير الألواح الموجودة في جنوب غرب آسيا ومصر”.

عُثر على أمثلة أخرى للّعبة في مواقع في أغداس دوزو ويني توركان ودوبوندي.

أضاف المؤلّفان: “هذه الأمثلة للعبة الثّمانية وخمسين ثقبًا تضيف إلى النّتائج السّابقة وتقترح أن نُعيد توجيه تفكيرنا حول هذه اللّعبة كأداة لتفسير المواقع التي عُثر عليها”.

من الواضح أنّ ثقافات الألعاب امتدّت من شمال شرق إفريقيا وغرب آسيا خلال العصر البرونزيّ تضمّنت منطقة القوقاز.

يعتقد كريست وعبد اللاييف أنّ اللّعبة انتشرت عبر طرق التّجارة بدلًا من كونها أشياء أو أفكار انتشرت من خلال الغزو. على الرّغم من أنّ عملهما ينصّ على كون لعبة الثّمانية وخمسين ثقبًا نشأت في جنوب غرب آسيا قبل أن تصبح شعبيّةً في مصر. يؤكّد المؤلّفان على الحاجة لمعلومات أكثر قبل أن ينسب فضل اختراعها لأيّ ثقافةٍ فرديّة.

وكتبَا: “مهما كان أصل اللّعبة فقد تمّ تبنّيها ولعبها بسرعة من قبل مجموعة واسعة من النّاس، من نبلاء المملكة الوسطى في مصر إلى رعاة المواشي في القوقاز، ومن التّجار الآشوريين القدامى في الأناضول إلى العمّال الذين بنوا الأهرامات في المملكة الوسطى”.

يعدّ انتشار اللّعبة بمثابة شهادة على قدرة هذه الألعاب لتعمل ك “مواد تشحيم اجتماعيّة” ممّا يجعل عمليّة التّفاعل أسهل عبر الحدود الاجتماعيّة والثّقافية.

يشرح المؤلّفان كون “الألعاب قادرة بشكلٍ خاصّ على بناء العلاقات بين التّجار لأنّ الألعاب هي واحدة من الطّرق التي يستخدمها النّاس للحكم على الجدارة بالثّقة والكشف عن علاقات اجتماعيّة واقتصاديّة مستقبليّة”.

يقول كريست وعبد اللاييف: تُعتبر طبيعة لعبة الألواح هذه “عابرة”. يدلّ هذا على سهولة تجاهل وجودهم في السّجل الأثريّ. وربّما توجد إصدارات أخرى للّعبة تنتظر أن يُعاد اكتشافها وخصوصًا في القوقاز وهذا ما قد يسلّط الضّوء بشكلٍ أكبر على تاريخ تلك المنطقة وكيف ظهرت اللّعبة.

نُشرت الدّراسة في الصّحيفة الأوروبيّة لعلوم الآثار.

  • ترجمة: الأميرة شام أجرزو
  • تدقيق علمي ولغوي: ريمة جبارة
  • المصادر: 1