هل كان أوبنهايمر -أب القنبلة الذرية- أبًا للثقوب السوداء أيضًا؟

أجرى الفيزيائي النظري أبحاثًا حول الثقوب السوداء قبل اكتشافها.

قبل أن يصبح “أب القنبلة الذرية”، قدم J. Robert Oppenheimer مساهمة كبيرة في علم الثقوب السوداء.

سترتبط صورة أوبنهايمر إلى الأبد للأفضل أو للأسوأ، بالقوة التدميرية المذهلة للقنبلة الذرية، وصورة سحابة الفطر، وهي رمز شبه توراتي للدمار.

لم يعزز هذا الارتباط في نظر الجمهور إلا مع إصدار اليوم 21 يوليو لفيلم “أوبنهايمر”، وهو فيلم السيرة الذاتية المرتقب لكريستوفر نولان عن الفيزيائي.

ولكن قبل رحلته إلى لوس ألاموس-نيو مكسيكو في عام 1942 للمساهمة في تطوير القنبلة الذرية، كان أوبنهايمر فيزيائيًا نظريًا يركز على فيزياء الكم.

نشر هو وزميله في جامعة كاليفورنيا بيركلي هارتلاند سنايدر عام 1939 ورقة رائدة بعنوان “حول تقلص الجاذبية المستمر” والتي استخدمت معادلات نظرية ألبرت أينشتاين للجاذبية، والنسبية العامة لإظهار كيف يمكن للثقوب السوداء أن تولد.

قال كزافييه كالميت أستاذ الفيزياء في جامعة ساسكس في إنجلترا لSpace. com.

“اقترح أوبنهايمر أول نموذج انهيار يصف كيفية انهيار نجم في ثقب أسود، يشرح هذا النموذج تكوين الثقوب السوداء كعملية فيزيائية فلكية ديناميكية، وهي المرحلة الأخيرة من تطور النجوم الثقيلة بما فيه الكفاية. هذا النموذج لا يزال قيد الاستخدام حتى اليوم”.

قال كالميت أنه استخدم النموذج بنفسه مؤخرًا في ورقة تصف انهيار الثقوب السوداء عند النظر في الجاذبية الكمومية.

“هذا النموذج مهم للغاية لأنه قابل للحل من الناحية التحليلية -يمكن حل المعادلات بالقلم، والورقة، ولا يتطلب عملًا عدديًا. وبالتالي فإن جميع الفيزياء يمكن تتبعها بسهولة”.

ومع ذلك، وعلى الرغم من بساطته وربما حتى فظاظته، إلا أنه معقد بما يكفي لوصف العديد من ملامح النجم المنهار “.

من المفارقات أنه بينما كان أوبنهايمر وسنايدر يعملان على الورقة التي اعتمدت بشكل كبير على نظرية النسبية العامة لعام 1915 كان أب تلك النظرية آينشتاين نفسه يكمل بحثًا؛ يهدف لإظهار أن الثقوب السوداء لا يمكن أن تتواجد.

بالطبع، سيُظهر التاريخ أن أوبنهايمر محق بشأن الثقوب السوداء.

أوبنهايمر يدفع الحدود:

قبل ثماني سنوات من نظرية أوبنهايمر عن انهيار النجوم وولادة الثقب الأسود، كان عالم فيزياء نظرية آخر يفكر بما يحدث عندما ينفد وقود النجوم للاندماج النووي.

عندما يتم استنفاد هذا الوقود، لا يعود بإمكان النجم دعم نفسه ضد انهيار الجاذبية، في حين يتم إلقاء الطبقات الخارجية للنجم، يتقلص قلبه بسرعة، تاركًا بقايا نجمية غريبة.

تعتمد طبيعة البقايا على كتلة النواة النجمية.

أدرك الفيزيائي الهندي الأمريكي سوبرامانيان شاندراسيخار أنه بالنسبة للنوى النجمية التي تقل كتلتها عن 1.4 مرة كتلة الشمس، فإن انهيار الجاذبية سيتوقف بسبب التأثيرات الكمومية التي تمنع الجسيمات من “السحق” بالقرب من بعضها البعض.

سيعرف هذا باسم حد شاندراسيخار، وأي نجم تحته -ما لم يكن لديه رفيق نجمي يغذيه بالمواد- محكوم عليه بإنهاء وجوده كبقايا نجمية مشتعلة تسمى قزم أبيض.

سيكون هذا هو مصير نجمنا الشمس، بعد أن يستنفد الهيدروجين في قلبه بعد حوالي 5 مليارات سنة.

بالنسبة للنوى النجمية التي تزيد كتلتها عن 1.4 مرة على الأقل من الشمس، هناك ضغط كاف وبالتالي حرارة متولدة أثناء انهيار الجاذبية بحيث يمكن تشغيل المزيد من نوبات الاندماج النووي، مع الهيليوم الناتج عن اندماج الهيدروجين نفسه لتشكيل عناصر أثقل مثل النيتروجين، والأكسجين، والكربون.

تخضع النجوم الأكثر ضخامة لسلسلة من هذه الانهيارات ونوبات الاندماج النووي.

أراد أوبنهايمر وطلابه معرفة إلى أين يقود مسار انهيار الجاذبية هذا، بالتالي ما هي الحالة النهائية لأكبر نجوم الكون.

تم تسليم هذه الإجابة بالفعل من قبل عالم فيزياء ألماني في عام 1916. كان على أوبنهايمر فقط معرفة كيفية الوصول إلى هناك.

ولادة الثقوب السوداء:

حصل عالم الفلك كارل شوارزشيلد على نسخة من النظرية النسبية العامة لأينشتاين في عام 1915 أثناء خدمته على الجبهة مع الجيش الألماني خلال الحرب العالمية الأولى.

بشكل مذهل ومصدم لأينشتاين في ظل تلك الظروف القاسية التي لا تصدق، تمكن شوارزشيلد من حساب حل رياضي دقيق لمعادلات المجال للنسبية العامة.

يكمن في هذه الحلول شيئان مزعجان،

الأماكن المعروفة باسم “التفردات” حيث تنهار الفيزياء كما نعرفها تماماً. تشير هذه التفردات إلى وجود أجسام ذات جاذبية شديدة لدرجة أنها يمكن أن “تبتلع” الضوء.

تم اعتبار أحد التفردات تفردًا إحداثيًا والذي يمكن إزالته بقليل من التلاعب الرياضي الذكي.

سيعرف هذا التفرد الإحداثي باسم نصف قطر شوارزشيلد، وهي النقطة التي تصبح فيها جاذبية الجسم كبيرة جدًا بحيث تكون السرعة اللازمة للهروب من براثنه أكبر من سرعة الضوء.

يطلق على هذا السطح المحاصر للضوء أحادي الاتجاه اسم “أفق الحدث” وهو يمثل الحدود الخارجية للثقب الأسود.

التفرد الآخر هو التفرد الحقيقي أو الجاذبية، لا يمكن التعامل مع هذا التفرد رياضيًا، لا شيء يمكن أن يزيله لذلك كان ولا يزال النقطة التي تنهار فيها الفيزياء تماماً: قلب الثقب الأسود.

كانت تلك الولادة النظرية لمفهوم الثقب الأسود، لكنها لم تقل أي شيء عن خلق هذه العمالقة الكونية، عدا أنها فقط يمكن أن تتواجد.

بينما كان أينشتاين يكدح عام 1939 لتدمير هذا التفرد الجاذبي، وبالتالي مفهوم الثقب الأسود، كان أوبنهايمر يتعمق في كيفية وجود مثل هذه الأجسام.

من خلال العمل مع افتراضات بسيطة، تهمل التأثيرات الكمومية.

قام أوبنهايمر بتعيين سنايدر للعمل وقد أثمر هذا الفعل عندما اكتشف الباحث الأخير أن ما يبدو أنه يحدث لنجم منهار يعتمد على وجهة نظر المراقب.

افترض سنايدر أنه على مسافة ما من النجم المنهار، فإن الضوء القادم من مصدر قريب من أفق الحدث سيمتد طوله الموجي بفعل الجاذبية، وهي عملية تسمى الانزياح نحو الأحمر، مع تحول الضوء إلى اللون الأحمر أكثر من أي وقت مضى.

في الوقت نفسه، يتم تقليل تردد هذا الضوء من منظور المراقب. يستمر هذا التخفيض في التردد حتى بالنسبة للمراقب البعيد يتم “تجميد” الضوء بشكل فعال.

أدرك أوبنهايمر والمتعاونون معه أن القصة مختلفة تمامًا بالنسبة لمراقب قريب بما يكفي لسقوطه في سطح النجم المنهار. سيقع المراقب في هذا الموقف خارج أفق الحدث دون أن يلاحظ أي شيء مهم بشأنه.

في الواقع، سيصبح المراقب كمعكرونة السباغيتي بواسطة قوى المد والجزر الشديدة الناجمة عن الاختلاف في سحب الجاذبية على الجزء العلوي والسفلي من الجسم. هذا من شأنه أن يقتل المراقب قبل أن يصطدم بأفق الحدث، على الأقل بالنسبة للثقوب السوداء الأصغر، حيث يكون نصف قطر شوارزشيلد قريباً من تفرد الجاذبية.

تمت الإشارة إلى هذا المفهوم في البداية باسم “النجم المتجمد” بسبب التجمد الواضح للضوء في أفق الحدث. لم يحصل على اسمه الأكثر شيوعًا حتى عام 1967 عندما صاغ الفيزيائي بجامعة برينستون جون ويلر مصطلح “الثقب الأسود” خلال محاضرة.

ربما اتخذ أوبنهايمر وزملاؤه مسارًا مختلفًا عن شوارزشيلد، لكن مع ذلك توصل فريقا الفيزيائيين إلى نفس الوجهة: مفهوم الجسم النجمي الضخم لدرجة أن جاذبيته تحبس الضوء، وتسبب انزياح أحمر لا نهائي.

كان لدى شوارزشيلد هذه النظرية، لكن كان أوبنهايمر وزملاؤه أول العلماء الذين فهموا بحق الولادة المادية للثقب الأسود.

سافر أوبنهايمر إلى لوس ألاموس بعد ثلاث سنوات، مما عزز مكانته في التاريخ وفي تصور الجمهور. لكن يذكره الكثيرين، وخاصة العلماء كأبِ الثقوب السوداء.

وخلص كالميت إلى أن “أوبنهايمر قدم مساهمات كبيرة جدًا في فيزياء الثقوب السوداء، والفيزياء ككل”.

“في حين أن عامة الناس قد يربطون اسمه بالقنبلة ومشروع مانهاتن، فإن مساهماته في الفيزياء والفيزياء الفلكية تحظى بتقدير كبير من قبل المجتمع العلمي.

لقد كان أحد علماء الفيزياء الرائدين خلال حياته وكان مؤثرًا للغاية، ولا يزال عمله مؤثرًا وذا صلة حتى اليوم. “.

  • ترجمة: رند طه
  • تدقيق لغوي: سفوك حجي
  • المصادر: 1