لماذا ما نزال نقرأ الكتب؟

يبدو أنّ البشر لديهم حاجة بدائيّة للسّرد والكلمة المكتوبة.

النّقاط الرّئيسيّة:

· توقّع النّاس أنّ قراءة الكتب ستنقرض بسبب التّكنولوجيا الرّقميّة.

· ظلّت قراءة الكتب نشاطًا شائعًا في العصر الرّقميّ.

· يبدو أنّ القراءة دافعٌ إنسانيّ أساسيّ متجذّر في الإدراك.

كما اّتضح في فترة التّسعينيّات أن الثّقافة الرّقميّة ستغيّر الحياة اليوميّة، تنبأ العديد من النّقّاد أنّ الكتب سوف تلقى مصير العربات التي تجرّها الخيول.

ورأوا أنّ الكتب والمطبوعات بصورةٍ عامّة، سيُنظَر إليها على أنّها مفارقات تاريخيّة في عالم يتمّ فيه إرسال واستقبال المعلومات بتقنيّات متطوّرة أكثر، مردّدين آراء الخبراء الذين أعربوا عن رأي مشابه عند ظهور التّلفاز قبل نصف قرن.

ومع ذلك، لم تصبح ثقافة الطّباعة قديمة، ولا تزال قراءة الكتب، سواء كانت نسخًا ورقيّة أو رقميّة، نشاطًا شائعًا.

في الحقيقة، كانت مبيعات الكتب كبيرة في السّنوات الأخيرة، جزئيًا بسبب الوباء.

ارتفعت مبيعات الكتب المطبوعة بنسبة 9% في عام 2021، وفقًا لمجلّة الناشرين الأسبوعيّة، وبقيت السّوق قويّة منذ ذلك الحين.

ولكن لماذا يحدث هذا؟ وما الذي يجعل الكتب، التي كانت موجودة في شكل ما منذ عام 500 قبل الميلاد (كمخطوط مكتوب بخطّ اليد)، سمة أساسيّة من سمات الطّبيعة البشريّة؟

تمّت الإجابة عن هذه الأسئلة من قبل عقول نيّرة، إحداها كانت كارمن مارتن جايت، والتي عبّرت عن وجهة نظرها في عام 1989.

كتبت جايت، التي اختبرت هذا الشّعور المميّز منذ عمر مبكّر: “توفّر القراءة ملاذًا لعالمٍ سرّيّ يحرّرنا من الضّغوط العدائيّة للبيئة، ومن الرّوتين والمنغّصات التي ينتجها الاصطدام بالواقع”.

كان من المفارقات أنّ هذه “الجائزة التي تمنحها القراءة”، كما وصفتها جايت، كان يتمّ تقديرها والاعتراف بها في وقتٍ كان فيه الجلوس مع كتاب يُعتبر بالفعل من قِبل البعض ممارسة قديمة، بل وحتّى سخيفة.

أضافت جايت: “إنّ التّركيز الذي تتطلّبه القراءة العميقة يمنح إحساسًا بالهدوء في عالمٍ يتزايد فيه الاضطراب، باعتبار فرصة الهروب من الضّوضاء والفوضى واعتناق العزلة عملًا إعجازيًا”.

قال فكتور نيل الشّيء نفسه عام 1988 في كتابه الذي يحمل عنوان “تائه في كتاب”: سايكلوجيّة القراءة من أجل المتعة، يفتتح الكتاب بقوله أنّ القراءة بالنّسبة له مثيرة، نابضة بالحياة، ومُغيّرة كأيّ شيء آخر في العالم الحقيقيّ، وفرصة نادرة للحصول على السّلام، واكتساب المزيد من القوّة، والشّعور بمزيد من الشّجاعة والحكمة.

إلى جانب هذه التّأمّلات، يوفّر نيل إحصائيّات من بحوث طبّيّة لتقدّم دليلًا على حجّتهِ بأنّ القراءة توفّر فوائد نفسيّة للذين يخصّصون وقتًا لها.

لم تكن القراءة مجرّد تجربة ممتعة فحسب وإنّما تجربة عالميّة أيضًا، مشيرًا إلى أنّ هناك حاجة إنسانيّة لإنتاج واستهلاك السّرد على حدّ سواء. كان الضّياع في كتاب، كما أشار عنوان كتابه، مفيدًا لكلّ من العقل والجسد، كما أظهرت الدّراسات-وهذا الشّيء يعرفهُ بالفعل القرّاء المخلصون.

أثار التّساؤل عن دور القراءة في العصر الرّقميّ العديد من الأفكار التي قدّمت رؤى مهمّة عن سبب اختيار الأشخاص إمضاء وقتهم الثّمين في النّظر لكلمات في كتاب ما أو على شاشة.

لماذا نقرأ بدلًا من مُشاهدة فيلم او الاستماع للموسيقى أو التّنزّه في الحديقة؟

طرحت باربرا هيرنشتاين سميث هذا السّؤال الجيّد وقدّمت إجابات بذات الأهمّيّة.

بالنّسبة لها، فإنّ القراءة في الأساس نوع معيّن من مسح البيئة، أيّ محاولة بصريّة لتحديد ما هو جيّد وسيء في هذا العالم.

يقوم النّاس بمسح البيئة المحيطة طوال الوقت بنفس الطّريقة، بحدس تلقائيّ لتحديد العلامات للحصول على معلومات قد تكون مفيدة.

باعتبارها نشاطًا إدراكيًا، يمكن للقراءة أن تخدم مختلف الأغراض، مع أغراض محدّدة تعتمد على دافع الشّخص بالنّسبة للمادّة.

كتبت سميث: “ما يمكن للقراءة أن تفعله يعتمد على من يقوم بالقراءة بقدر ما يعتمد على ما يتمّ قراءته، حيث يدخل في المعادلة (التّاريخ الشّخصيّ والثّقافيّ والفكريّ، والمواقف الفريدة، والاهتمامات والقلق، والفيزيولوجيا الفريدة، بما في ذلك تركيب الدّماغ)”.

إنّ القراءة، التي تتّسم بالمتانة والمرونة والقدرة على مقاومة القوى الخارجيّة، تظلّ في جوهرها مسعىً إنسانيًا أساسيًا، وهناك مبالغات كبيرة في التّقارير التي تتحدّث عن موتها الوشيك. إنّ قراءة الكتب سواء كانت خياليّة، أو غير خياليّة، أو أيّ شيء بينهما، ليست مجرّد ملاذ من العاصفة الثّقافيّة وإنّما عامل علاجيّ شافٍ يبدو أنّهُ معتمدٌ على كيمياء الدّماغ.

  • ترجمة: سجى مبارك
  • تدقيق علمي ولغوي: ريمة جبارة
  • المصادر: 1