هل يملك كل فرد منا أكثر من شخصية؟
تشير بعض الأدلة إلى أن وحدة الذات قد تكون مجرد وهم. إذ ربما يكون كل إنسان بمعنى ما “متعدّدًا”. ويرى المجتمع التعدّدي أنه لا ينبغي تجنب التعدّدية، بل يجب العمل معها واحتضانها.
لطالما آمنت بوجود شخص واحد فقط في رأسي: «أنا، جاستن جارسون، كاتب هذه المقالة. أميل إلى التفكير والتصرف بطرق مناسبة، وأعتقد أنه يمكن التنبؤ بها من قبل الآخرين. لم أعتقد أبدًا أن هناك ذوات متعدّدة بداخلي».
ولكن ماذا لو كنت مخطئًا؟ ماذا لو كان (التعدّد) هو الحالة الطبيعية للعقل البشري، وهي الحالة التي ينكرها البعض منا؟ لقد أجريت مقابلة مع إليزابيث شيشتر، فيلسوفة العلوم المعرفية في جامعة ميريلاند، كوليدج بارك، حول أبحاثها عن حالات انقسام الدماغ، واضطراب الهوية الانفصامية، والمجتمع المعروف باسم التعدّدية. وسألت ماذا يعني كل هذا بالنسبة للطبيعة البشرية.
أنا: «هل يمكن أن تخبريني قليلًا عن عملك وكيف أصبحتِ مهتمةً بموضوع الذوات المتعدّدة؟».
إليزابيث شيشتر: «كان اهتمامي في البداية منصبًّا على حالات انقسام الدماغ الشهيرة على وجه الخصوص، مثل الحالات التي قُطع فيها الجسم الثفني عند البشر البالغين كعلاج للصرع. لكن بعد ذلك، تصرف بعض الأفراد ذوي الأدمغة المنقسمة بطرق تبدو وكأنها نتاج قوتين واعيتين أو ذكاءين مختلفين. كما دفعني بعض القرّاء إلى التحقيق في اضطراب الهوية الانفصامية (DID). واكتشفت في سياق هذا البحث مجتمع التعدّدية».
أنا: «يوجد اعتقاد راسخ، خاصةً لدى الغرب، بأن الذات هي كيان واحد موحّد. لكن أصبح هذا الاعتقاد يخضع لتساؤلات عديدة أو مشكوك بأمره بناءً على بحثك. هل يمكن أن تخبريني كيف توصّلتِ إلى الاعتقاد بأنه قد ينطوي داخل كل واحد منا أكثر من شخصية؟».
إليزابيث شيشتر: «أنا لا أتفق مع جزء من فرضيتك. صحيح أنه يوجد لدى الغرب فكرة مفادها بأن الروح ستواجه مصيرها في الآخرة، وعليها أن تفعل ذلك لكونها وحدة واحدة غير مُجزّأة. فالتعدّد لا يعني أن الجزء الطيب منك سيذهب إلى الجنة والجزء الأناني سيذهب إلى الجحيم. ومع ذلك، فإن فكرة انفصام الذات أو انقسامها موجودة أيضًا ضمن تقليد عريق في الفلسفة والثقافة الشعبية. جيكل وهايد هو المثال الأكثر شهرة لانفصام الشخصية، ولكنك أصبحت تراه في الآونة الأخيرة في أفلام مثل (Fight Club) و (Black Swan) و (Imposter).
أُسمّي هذا النوع من القصص (أساطير الازدواجية)، وأعتقد أنها تجذب الناس على وجه التحديد لأنه على الرغم من إصرارنا على وحدة الذات، إلا أنه توجد في الوقت نفسه فكرة مفادها أن الناس منقسمون ومزدوجون بطريقة ما. فكما أن لدينا ذواتنا الأخلاقية المتحضّرة، توجد ذات أكثر بدائية أو حيوانية وفوضوية، أو ذات عامة وأخرى خاصة مخفية».
أنا: «اعتقدتُ دائمًا أن أفلامًا كهذه تهدف إلى تصوير المرض العقلي على أنه خطير، وسبب انبهارنا بها هو أننا مفتونون بالأمراض العقلية. لكن هل تعتقدين أن السبب هو أننا نتعرف بطريقة جديدة على أنفسنا من خلالها؟».
إليزابيث شيشتر: «أعتقد أن الناس في الغالب مفتونون بأنفسهم. إنهم مفتونون بالأشياء التي لها صدى حقيقي بالنسبة لهم. أعتقد أنه إذا كان فرد ما غريب الأطوار تمامًا، على سبيل المثال، فإن الناس ليسوا مهتمين به. ويحدث ذلك عندما يرون شيئًا ما يتعرفون عليه بشكل صامت عن أنفسهم أو عن الأفراد الذين يعرفونهم، عندها يُقدّم ذلك فجأةً بشكل واضح ومبالغ فيه».
أنا: «أريد أن أنتقل إلى عملك على اضطراب الهوية الانفصامية. هل يمكن أن تخبريني قليلًا عنه؟».
إليزابيث شيشتر: «يعدّ اضطراب الهوية الانفصامية (DID) (اضطراب الشخصية المتعدّدة سابقًا) اضطراب انفصامي يتميز باضطرابات في القوة والذاكرة والشعور بالذات. إن الفهم التقليدي للطب النفسي هو أن التعدّد في حد ذاته مرض، وأن الهدف النهائي لعلاج اضطراب الشخصية الانفصامية هو السماح لفرد ما بالتعرف والعيش كفرد واحد متعدّد الأوجه.
ما رأيناه يتغيّر مع مرور الوقت أن الأفراد الذين شُخّصت إصابتهم بهذه الحالة، في حين أنهم غالبًا ما يريدون علاجًا لمختلف المشكلات النفسية، على سبيل المثال، مشاكل الذاكرة أو اضطراب ما بعد الصدمة، إلا أنهم ينكرون أن التعدّدية حالة مرضية. وهم يعتقدون أنها في حد ذاتها أمر محايد أو حتى مفيد، وهو أمر يجب العمل معه واحتضانه، بدلًا من تجاوزه أو التغلب عليه. هذه هي وجهة نظر المجتمع التعدّدي».
أنا: «ما هو المجتمع التعدّدي؟»
إليزابيث شيشتر: «ينطبق مصطلح (التعدّد) على أي إنسان يقول أشياءً مثل، (أنا واحد من عدة أفراد في هذا الدماغ). ويستخدم الكثيرون المصطلح السريري (التبدّل) لوصف هذه الشخصيات البديلة، لكن المتعدّدون أنفسهم يميلون إلى تفضيل المصطلحات غير السريرية مثل (زملاء الرأس). يبدو أن هؤلاء الزملاء، في كثير من الحالات، هم نتاج الصدمة، ولكن بعضهم هو نتاج التولمبانسي، وقد يكون لدى زملاء الرأس أسباب أخرى أيضًا».
أنا: «ما هو التولبامانسي؟»
إليزابيث شيشتر: «إنها مجموعة من الممارسات التي تُجرى بهدف إنشاء كائن واعي منفصل داخل رأس المرء.».
أنا: «ما الذي يعنيه بحثك عن اضطراب الشخصية الانفصامية، أو صيغ التعدّدية، بالنسبة لأولئك الذين لا يؤمنون عادةً بتعدّد الشخصيات؟ هل تعتقدين أن هذا شرط مشترك بيننا جميعًا بطريقة ما، ولكننا لا نواجهه؟ هل هو جزء من الطبيعة البشرية؟».
إليزابيث شيشتر: «حسنًا، من الواضح أن البحث يُثبت ما هو ممكن، أليس كذلك؟ لذا يبدو أن وجود تعدّد الشخصيات لدرجة ما أو وجودها في مرحلة ما في وقت سابق من حياتنا، هو دليل على إمكانية تعدّد الشخصية لدى كل منا. هذه الفكرة مدعومة بأبرز نظرية معاصرة لاضطراب الهوية الانفصالية، والمعروفة باسم (نظرية التفكك البنيوي).
تنصّ هذه النظرية على أننا جميعًا نولد بأنظمة عاطفية وإدراكية وفعلية متميزة ومنفصلة إلى حد كبير. لذا، وفقًا لهذه النظرية، لنفرض مثلًا بأن طفلك الصغير لديه شيء مثل بداية اضطراب الهوية الانفصالية. وهذا شيء مألوف لدى العديد منا ممن ربّوا أطفالًا صغارًا. ففي بعض الأحيان يكون طفلك الصغير بخير، ثم في غضون 10 ثوانٍ، يصاب بالهستيريا، ولا يمكنك معرفة سبب حدوث هذا الأمر ثم بمجرد خروجه من تلك الحالة، تريد التحدث معه لكنه لا يستطيع أن يخبرك بأي شيء عن الحالة التي مرّ بها، وقد لا يتذكرها حتى».
أنا: «بصفتي والد لأطفال، أتذكر تلك الأيام جيدًا».
إليزابيث شيشتر: «وفقًا لهذه النظرية، فإن جزءًا من عمل الأبوة هو تعليم الأطفال كيفية دمج هذه الأنظمة بطريقة تُمكّنهم بعد أن يهدؤوا من مراجعة أنفسهم ويتذكّروا ما الذي كانوا يفكّرون فيه ويشعرون به. ما يحدث في اضطراب الهوية الانفصالية، وفقًا لهذه النظرية، هو أن هذه الأنظمة لا تصبح متكاملة. بل تصبح كل منها على حدة أكثر تعقيدًا من الناحية النفسية، إذ يطوّر كل منها في النهاية وعيه الذاتي النفسي وهويته. وأعتقد أن هذه النظرية تشير إلى وجود حدس أو بعد آخر بداخل كل منا».
أنا: «هل تعتقدين أنه إذا كانت هناك طريقة بسيطة نسبيًا ومضمونة لإنشاء تولبا في الذات، فهل ستكون هناك أسباب وجيهة للقيام بذلك؟».
إليزابيث شيشتر: «يقول العديد من الأفراد المتعدّدين الذين تحدثت إليهم بأن التولبا ساعدتهم في التحدث عن قضايا صعبة، وكأنها من المعالجين الأكثر توفّرًا في العالم، أو أعطتهم فقط رفقة يقدّرونها حقًا. من ناحية أخرى، وكما عبّر لي أحد الأفراد المتعدّدين، فإن هذا الأمر قد يكون التزامًا هائلًا. فقد قال هذا الفرد المتعدّد الأوجه شيئًا من قبيل: (لا أعتقد أن أغلب الناس مستعدون للقيام بذلك)، وأنا بالتأكيد لن أكون مستعدةً لذلك. فأنا أشعر بالفعل بأنني لا أملك الوقت الكافي للقيام بما أريد القيام به!».
- ترجمة: رؤى بستون
- تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
- المصادر: 1