علم النّفس الجغرافيّ: شخصيّتك تعتمد على المكان الذي تعيش فيه

نقاط رئيسيّة:

يرى علماء في بحثٍ جديد متعلّق بعلم النّفس الجغرافيّ أنّ هناك روابط بين الشّخصيّة والموقع الجغرافيّ.

وجدت دراسة أُجريت عام 2021 تغيّراتٍ جغرافيّة ملحوظة في توزيع سمات الشّخصيّة الكبرى.

وقد اتّضح أنّ من هم في الجنوب أكثر توافقًا، في حين أنّ سكّان الشّمال الشّرقيّ أكثر عصبيّة -ولكن لا تتوافق جميع النّتائج مع الصّور النّمطيّة.

هل المكان الذي تعيش فيه يحمل أيّ تأثير على نوع الشّخصيّة التي تمتلكها؟ العلم يقول نعم، وهذه الخرائط توضّح كيف.

لكن ما هذا العلم على وجه التّحديد؟ يبدو أنّه شيء تمّ تحضيره بعد مضيّ ساعات في الزّقاق الخلفيّ بين قسمي الجغرافية وعلم النّفس.

حين يصبح هذا التّخصّص النّاشىء جديرًا بالاحترام لدرجة تسمح بحصوله على مختبره المستقل، سيتعيّن علينا أن نطلق عليه اسمًا خاصًّا به.

المجال الناشئ لعلم النّفس الجيولوجيّ:

علم النّفس الجغرافيّ اسم محجوز مسبقًا وهو في الأساس مصطلح منمّق للتّجوّل أثناء تقلّب المزاج.

ومع ذلك، لا يزال مصطلح “الجغرافيا النّفسيّة” متاحًا بالفعل، ويبدو هذا المصطلح مناسبًا تمامًا لوصف الدّراسة المنهجيّة للاختلافات الإقليميّة في توزيع السّمات الشّخصيّة، خاصّة وأنّ هذه الاختلافات تبدو بالفعل قويّة.

تسمّى السّمات التي تمّ فحصها على الخرائط بالخمسة الكبار، وهي مجموعة من خمسة أبعاد واسعة للشّخصيّة التي بدأت تكتسب شهرة في علم النّفس الأكاديميّ في الثّمانينيّات، وغالبًا ما يشار إليها بالاختصار CANOEوهم:

8

تعتبر كلّ سمة طيفًا. فالأكثر وعيًا يعني أكثر كفاءة وتنظيمًا، والأقلّ وعيًا يعني أكثر إسرافًا وإهمالًا، أمّا التّوافقيّة فتتراوح من الودّ والتّعاطف في أحد طرفيّ المقياس إلى الانتقاد والعقلانيّة في الطرف الآخر. تتراوح العصابيّة من الحساسيّة والعصبيّة إلى المرونة والثّقة، والانفتاح من الفضول إلى الحذر، والانبساطيّة من الانفتاح إلى الانعزاليّة.

يُطبَّق التّحذير المعتاد على أن: لا ينبغي أن تؤخذ أيّ من هذه السّمات بمعزلٍ عن السّبب أو التّأثير. حيث تُظهر الدّراسات التي أجريت على التّوائم على سبيل المثال أنّ هذه السّمات تتأثّر بالتّساوي تقريبًا بالطّبيعة والتّنشئة. بعبارةٍ أخرى، يرجع نصف التّركيب السّلوكيّ إلى الوراثة، والنّصف الآخر إلى البيئة. ومن المثير للاهتمام أيضًا هو اكتشاف أنّه في حين أنّ أربع من أصل خمس سمات تظلّ مستقرّة في سن الشّيخوخة، فإنّ التّوافقيّة تظهر تباينًا مع تقدّم الأشخاص في السّنّ، ممّا يدلّ على أنّ النّاس يميلون إلى أن يصبحوا أكثر تعاطفًا وتعاونًا وثقةً مع تقدّمهم في العمر.

من بين كلّ هذه المتغيّرات، يبدو أنّ الموقع الجغرافيّ له تأثير كبير على انتشار هذه السّمات ومن هنا يأتي علم النّفس الجغرافيّ. في هذه الخرائط، اللّون البرتقاليّ يعني أعلى من المتوسّط، والأزرق يعني أقلّ. اللّون الأغمق يعني بُعدًا أكبر من المتوسّط.

الأشخاص الانبساطيّين: أين الحفلة؟

يكون الأشخاص الانبساطيّون هم قلب المتعة والاجتماعيّة، بينما يحتاج الانطوائيّون على الجانب الآخر من المقياس إلى تحفيز أقلّ من النّاس أو الأحداث.

تبدو الانبساطيّة هي الأعلى في الولايات الشّماليّة الوسطى (بما في ذلك ويسكنسن وإيلينوي وأيوا ومينيسوتا ونبراسكا)، وفي المناطق الوسطى (أوهايو وبنسلفانيا)، وفي الجنوب (مسيسيبي وألاباما وجورجيا وفلوريدا). تسجّل أجزاء من الولايات الشّماليّة الغربيّة والغربيّة وولايات المحيط الهادئ درجاتٍ أقلّ بكثير من المتوسّط في ولايات تكساس وأماكن أخرى.

التّوافقيّة: الانسجام الاجتماعيّ مقابل المصلحة الذّاتيّة.

يهدف الأشخاص المتفاهمون إلى تحقيق الانسجام الاجتماعيّ، من خلال كونهم لطفاء ومراعين للآخرين، ومستعدّون لتقديم تنازلات بشأن أهدافهم، أمّا الأشخاص غير المتفاهمين فلديهم نظرة أقلّ تفاؤلًا وأقلّ تعاونًا مع الآخرين، ويعطون الأولويّة للمصلحة الذّاتيّة، وهم أكثر تنافسيّة وجدليّة.

ويبرز وجود التّوافقيّة بشكلٍ أكبر في الجنوب (من لويزيانا إلى كارولينا الشّماليّة، مع وجود مناطق أكثر حرارة وبرودة في أركنساس وكنتاكي وتينيسي وفلوريدا).

تمّ العثور على مجموعة ثانية مهمّة في مينيسوتا وداكوتا وما حولها. حيث يخيّم اللّون الأزرق الدّاكن من عدم التّوافقية على الولايات الغربيّة، من مونتانا إلى نيو مكسيكو، ومن نيفادا إلى النّصف الغربيّ من كانساس وأوكلاهوما وهناك بؤرة إضافيّة من النّكد في نيو إنجلاند.

الواجب والانضباط في الجنوب:

تظهر المستويات العالية من الوعي في صورة شعور قويّ بالواجب، ودرجة عالية من الانضباط، ورغبة شديدة في التّفوّق على التّوقّعات، أمّا الوعي المنخفض فيمكن أن يظهر على شكلٍ عفويّ ومرن، ولكن ربّما أيضًا أقلّ تنظيمًا وموثوقيّة.

وقد تمّ قياس أعلى مستويات الضّمير الحيّ مرّة أخرى في الجنوب، ولكن مع وجود الكثير من التّجمّعات في أماكن أخرى من البلاد مع وجود بقعة برتقاليّة داكنة بشكلٍ خاصّ في المناطق الحدوديّة بين داكوتا ومونتانا وويومينغ. على الطّرف الآخر من المقياس، توجد أكبر رقعة من اللّون الأزرق غير المنقطع في الشّمال الشّرقيّ، ولكن مع وجود عروق أكثر قتامة تمرّ عبر وسط وغرب البلاد.

مجموعة مظلمة من عدم الاستقرار العاطفيّ

أن يكون الشّخص غير مستقرّ عاطفيًا (ويعرف أيضًا باسم العصابيّ) يعني أن يكون الشّخص عرضةً لتجربة الغضب والاكتئاب والقلق والمشاعر السّلبيّة الأخرى. وقد يرتبط ذلك بانخفاض القدرة على تحمّل الضّغط النّفسيّ. وعلى الطّرف الآخر من المقياس، فإنّ الأفراد المستقرّين عاطفيًا يكونون خالين من المشاعر السّلبيّة المستمرّة.

كانت درجة الاستقرار العاطفيّ هي الأعلى في النّصف الغربيّ والجزء الجنوبيّ من البلاد. وبصرف النّظر عن جزيرة من الاستقرار في وسط بنسلفانيا، تمتدّ مجموعة مظلمة من عدم الاستقرار العاطفيّ من ولاية ماين إلى شمال ألاباما، وتمتدّ إلى الغرب الأوسط والغرب، وصولًا إلى كانساس وأوكلاهوما.

الفجوة بين الانفتاح والعكس:

تشير الدّرجة العالية من الانفتاح إلى الاستعداد لتجربة أشياء جديدة، بالإضافة إلى وعي أعلى بمشاعر المرء ومواهبه الإبداعيّة، بينما يشير الانفتاح المنخفض إلى السّعي إلى تحقيق الإنجاز من خلال المثابرة بدلًا من المرح والنّفعيّة أو ربّما حتّى التّعصّب.

وتسيطر مستويات عالية من الانفتاح على المنطقة الواقعة إلى الغرب من حدود الولايات الشّرقيّة في مونتانا، وايومنغ، وكولورادو، ونيو مكسيكو، مع بعض الاستثناءات. والمنطقة الواقعة إلى الشّرق من هذا الخطّ زرقاء في الغالب مرّة أخرى، مع استثناءات ملحوظة، بما في ذلك شيكاغو وجنوب تكساس وفلوريدا وشمال جورجيا والمنطقة المحيطة بنيويورك.

وتدعم بعض هذه الّنتائج الصّور النّمطيّة الرّاسخة. ومع ذلك، تقدّم النّتائج أيضًا مستوى من التّفصيل يربك العديد من الآخرين. على سبيل المثال، تتوافق درجة “الانفتاح” المرتفعة نسبيًّا في كاليفورنيا مع الصّورة التّقدّميّة للولاية. ولكن الدّرجة الكبيرة من التّباين في معظم الخصائص توضّح أنّ الولاية بعيدة كلّ البعد عن التّجانس الثّقافي. وينطبق نفس الشيء على ولاية تكساس التي يفترض أنّها محافظة، حيث تختلف النّتائج في المناطق الحضريّة الكبرى مثل دالاس وهيوستن وأوستن بشكل كبير عن تلك الموجودة في أجزاء أخرى من الولاية.

تساعد هذه السّمات في تفسير العديد من جوانب السّلوك البشريّ. على سبيل المثال، تشير الدّراسات إلى أنّ الأشخاص الأكثر ضميرًا ولطفًا هم أكثر احتماليّة لتحقيق النّجاح الأكاديميّ من أولئك الذين يحصلون على درجات أعلى على مقياس العصابيّة. ومن خلال الكشف بوضوح عن هذه الاختلافات ذات الصّلة إحصائيًا في نوع الشّخصية حسب المنطقة، قد يثبت علم النّفس الجغرافيّ أنّه أداة مهمّة للمسوّقين، سواء في مجال الأعمال أو السّياسة أو المجالات الأخرى.

ربّما يحصل علم النّفس الجغرافيّ الذي لا يزال حديث العهد نسبيًا على مبنى جديد لامع خاصّ به عاجلًا وليس آجلًا.

خرائط غريبة #1117

لمزيد من المعلومات حول علم النّفس الجغرافيّ، راجع Tobias Ebert et al., Perspect. Psychol. Sci., 2021. راجع أيضًا ورقة عمل حول الاختلافات الإقليميّة في الشّخصيّة نُشرت في عام 2019 بواسطة قسم الجغرافيا في جامعة ماربورغ في ألمانيا.

  • ترجمة: شيلان ابنيه
  • تدقيق علمي ولغوي: ريمة جبارة
  • المصادر: 1