اكتشف العلماء، ولأوّل مرّة على الإطلاق، حيوانًا لا يحتاج إلى التّنفّس الهوائيّ
اكتشف العلماء، ولأوّل مرّة على الإطلاق، حيوانًا لا يحتاج إلى التّنفّس الهوائيّ.
أثناء قراءتك لهذا المقال، من المحتمل أن تكون قد تنفّست عدّة عشرات من المرّات، إلا إنّ بعض الحيوانات لا تتنفّس بمثل هذه الكثرة، ولا تحتاج إلى كمّيّة كبيرة من الأوكسجين. على سبيل المثال، يمكن للسّلحفاة البحريّة ضخمة الرّأس أن تأخذ نفسًا واحدًا وتبقى تحت الماء لمدّة تصل إلى 10 ساعات، وقد اعتُقِدَ لزمن طويل أنّ جميع الحيوانات تحتاج إلى الأوكسجين للبقاء على قيد الحياة.
لكن، اكتشف العلماء (هينيغويا سالمينيكولا – Henneguya Salminicola)، وهو طفيليّ يبلغ طوله 8 ملليمترات لا يحتاج إلى الأوكسجين للبقاء على قيد الحياة، ولا يمكنه معالجته كما تفعل الحيوانات الأخرى، وقد نُشرت هذه النّتائج في مجلّة الأكاديميّة الوطنيّة للعلوم (PNAS).
تمتلك جميع الحيوانات الأخرى جُسيمات كوندريّة أو ما ندعوها بالمُتقدِّرات (ميتوكوندريا)، وهي عُضيّات خلويّة تعمل ك (محطّة لتوليد الطّاقة) ضمن الخليّة عن طريق تكسير الموادّ المغذّية وتحويلها إلى طاقة. وإحدى طرق المُتقدِّرات في الحصول على الطّاقة تتمثّل بتحويل الأوكسجين إلى وقود يسمّى الأدينوزين ثلاثيّ الفوسفات (ATP) الذي يُحرّك العمليّات الحيويّة مثل: تقلُّص العضلات، نقل النّبضات العصبيّة، والتخليق الكيميائيّ، وتُعرف هذه العمليّة بالتّنفُّس الهوائيّ.
لكنّ هينيغويا سالمينيكولا، وهو حيوان من شُعبة (الحيوانات اللّاسعة – Cnidarian Animal) ويتطفّل على قناديل البحر والشّعاب المرجانيّة، لا يحتوي على مُتقدّرات، وبالتّالي لا يمكنه ممارسة التّنفّس الهوائيّ. وقد اكتشفت دوروثي هوشون، المؤلّفة الرّئيسيّة للدّراسة، هذا الأمر أثناء متابعة تسلسل المتقدّرات عبر المواخِط (الميكسوزا) – Myxozoa (وهي فئة من الطّفيليّات).
وقد قالت هوشون لمجلّة (فايس – Vice): «لقد كان هدفي تجميع جينوم المُتقدّرات لدراسة تطوّره في المواخِط ولكن… ويحي! وجدت واحدًا دون جينوم!» ثمّ أضافت: «في البداية، اعتقدت أنّ عدم وجود الجينوم الميتوكوندريّ بين تسلسل الحمض النّوويّ كان نتيجة خلل في تحليل الجينوم، لكنّني أدركت لاحقًا أنّه لم يُفقَد فقط الجينوم الميتوكوندريّ، بل فُقِدَت أيضًا مجموعة البروتينات الّتي تتفاعل مع الجينوم الميتوكوندريّ ومعظم الجينات المُشارِكة في عمليّة التّنفّس».
ميزة تطوّريّة
يبدو أنّ فقدان الجينوم الميتوكوندريّ كان بمثابة ميزة تطوّريّة من نمط (الأقلّ هو الأكثر – Less-is-More) للطّفيليّ.
كتب المؤلّفون: «لقد مرّت المواخِط بعمليّات تبسيط شكليّة وجينيّة استثنائيّة أثناء تكيّفها مع الطّفيليّات من سلف لاسع يعيش بحُرّيّة، وباعتبارها مجموعة متنوّعة تضمّ أكثر من 2,400 نوع، تعيش في البيئات البحريّة والمياه العذبة وحتّى البرّيّة، كان الفقدان التّطوّريّ والتّبسيط استراتيجيّة ناجحة بوضوح للمواخِط، ممّا يُظهر أنّ الأقلّ هو الأكثر».
لم يتأكد الباحثون تمامًا من كيفيّة قيام هينيغويا سالمينيكولا بتكسير الموادّ الغذائيّة دون الأوكسجين، ولكن اعتبروا أحد الاحتمالات هو أنّها تمتصّ الجزيئات من مُضيفها. ومع ذلك، يصعُب التّحديد، لأنّ الباحثين حلّلوا الطّفيليّات الميتة، وسيحتاجون إلى دراسة الطّفيليّات الحيّة داخل الأسماك لفهم كيفيّة عمل هذه الكائنات بشكل أفضل.
يُظهِر هذا الاكتشاف مدى احتياج العلماء إلى تعلّم المزيد حول تنوّع الحياة على الأرض، وقد قال أتكينسون ل (سي إن إن – CNN) إنّه يتوقّع أنّ هينيغويا سالمينيكولا ليس الحيوان الوحيد الّذي يمكنه البقاء دون أوكسجين، وهناك أنماط حياة أكثر غرابة.
البحث عن الحياة الفضائيّة
تعدّ إحدى النّتائج المثيرة للاهتمام لهذا الاكتشاف ما يعنيه ذلك بالنّسبة للبحث عن الحياة الفضائيّة. فمنذ فترة طويلة، كان يُعتقد أنّه إذا كان هناك كائنات فضائيّة، فإنّها ربّما تتنفّس الأوكسجين، لأنه في النّهاية، يعتبر الأوكسجين العنصر الأفضل المعروف لدينا من أجل إنتاج كمّيّات كبيرة من الطّاقة اللّازمة للأيض، ممّا يسمح لنا ب «النّموّ، والجري، والقفز، والتّفكير»، كما صرّح ديفيد كاتلينغ، عالم الكواكب بجامعة واشنطن، لمجلّة فوربس.
وقال كاتلينغ: «نظرًا لمزايا الأوكسجين الكيميائيّة، ولأنّ تاريخ الحياة المعقّد على الأرض متشابك بشكل وثيق مع مستويات الأوكسجين، أعتقِدُ أنّ الكائنات الفضائيّة ستتنفّس الأوكسجين أيضًا».
هذا هو أحد الأسباب الّتي تجعل الكثيرين يعتقدون أنّ الكواكب الشّبيهة بالأرض الّتي تحتوي على غلاف جوّيّ قد يحتوي الأوكسجين ستكون مرشّحة جيّدة لاحتضان الحياة الفضائيّة، لكن هذا الطّفيليّ المكتشف حديثًا يقدّم، بدلالةٍ صغيرة، سببًا للاعتقاد بأنّ البحث عن الحياة الفضائيّة، والكواكب الّتي تدعم حياتها، قد يكون أكثر تعقيدًا بكثير.
- ترجمة: نِهال عامر حلبي
- تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
- المصادر: 1