المساهمة في تطوير تقنية جديدة لاستكشاف كائنات المحيط الدقيقة

منذ أن كان صبيًا صغيرًا، أثار تنوع النباتات في الغابات الاستوائية على كوكب الأرض إعجاب الباحث ألكسندر تشيس من جامعة الجنوب الميثودية (SMU)، في ولاية تكساس. إذ كان يتساءل عن الأنواع الجديدة التي قد تكون موجودة في الطبيعة بانتظار أن تُكتشَف. وهذا الفضول هو السبب الذي يدفع تشيس الآن لجمع عينات من محيطات الأرض، باستخدام تقنية جديدة تُسمى الالتقاط بالراتنج لجزيئات صغيرة في الموقع على الطبيعة (SMIRC)، والتي قد تكون الخطوة الأولى في اكتشاف مُركبّات تؤدي إلى تطوير مضادات حيوية من الجيل التاني.

تأتي المنتجات الميكروبية الطبيعية من الكائنات الدقيقة، وهي تُشكّل جزءًا أساسيًا من العديد من الأدوية الأساسية الطبيعية اليوم، وتشمل غالبية المضادات الحيوية. تعدّ الكائنات الدقيقة صغيرة جدًا لناحية عدم القدرة على رؤيتها بدون مجهر، وهي تُنتِج أنواع عديدة من المُركبّات الكيميائية خلال دورة حياتها، والبعض منها مفيد في التطبيقات الدوائية. تُكتشَف هذه المُركبّات تقليديًا باستخدام نهج (الكائن الدقيق أولًا)، إذ تُزرَع السلالات الفردية في المختبر من عينة جُمعت من البرية.

وعلى الرغم من أن هذه الطريقة كانت فعالة، إلا أنه أصبح من الصعب على الباحثين استخدامها بشكل متزايد للكشف عن دعامات كيميائية جديدة، والتي تُشكّل الأساس الذي تُبنى عليه المُركبّات الكيميائية. إذ تعتبر هذه الدعامات الكيميائية موردًا حيويًا لاكتشاف الأدوية.

أوضح تشيس، الأستاذ المساعد في قسم علوم الأرض في جامعة روي إم. هوفمان، قائلًا: «في الوقت الحالي، عندما نجمع عينات جديدة ونزرع الكائنات الدقيقة، نكتشف دعامات كيميائية تشبه إلى حد كبير الدعامات التي نعرفها بالفعل».

كما أضاف: «لقد كان من الصعب جدًا على مدى العقود القليلة الماضية العثور على شئ ٍجديد باستخدام نهج الكائن الدقيق أولًا، والذي يقتصر في الأساس على السلالات البكتيرية نفسها أو سلالات مشابهة والمُركبّات الكيميائية الخاصة بها، والتي تمثّل جزءًا بسيطًا من التنوع الطبيعي الموجود في المحيط. وهنا تأتي أهمية تقنية SMIRC التي ستتيح لنا استكشاف المجهول».

تشرح دراسة حديثة نُشرت في مجلة Nature Communication بقلم تشيس وباحثين من جامعة كاليفورنيا سان دييغو وجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، كيف جعلت تقنية SMIRC من الممكن جمع المنتجات الطبيعية الميكروبية في أماكن إنتاجها في البرية، دون الحاجة لزراعتها في المختبر. وقد استخدمت الدراسة راتنجًا ماصًا يُدعى HP-20، والذي يعمل كإسفنجة لالتقاط المواد الكيميائية التي تطلقها الميكروبات.

في اختبار أول، استخدم الباحثون SMIRC في المناطق المغطاة بالأعشاب البحرية بالقرب من سان دييغو. ومن المواد الكيميائية التي جُمِعت، وجدوا مُركبًّا مضادًا حيويًا وأيضًا مادة كيميائية تسمى الكريسوريول، وهي مادة نباتية لها خصائص مضادة للبكتيريا. ثم استُخدم بعد ذلك نسخة معدلة من SMIRC عن طريق خلط HP-20 مع الأجار (مادة طحلبية هلامية)، وهي مادة تشجع على نمو الميكروبات. لقد كشفت هذه التجربة الثانية عن الأبليسيوبسين A، الذي أظهر النجاح المستمر لتقنية SMIRC لاستعادة المُركبّات.

وفي اختبارٍ ثالث، باستخدام SMIRC، في محمية بحرية في نصب كابريلو الوطني، جَمعت التقنية عينات أكبر تحتوي على خلطات كيميائية أكثر تعقيدًا. وعلى الرغم من أن سبب غِنَى الموقع بالمُركبّات الجديدة غير معروف حاليًا، فإن الباحثين يعتقدون أن سبب ذلك قد يكون قِلة حركة البشر في هذه المنطقة تحديدًا.

وعلى الرغم من عدم ثبوت أن أيًا من المُركبّات الجديدة تشكّل أساسًا لمضادات حيوية جديدة، إلا أن أحد هذه المُركبّات المُكتشَفة، والذي يُدعى كابريلوستاتين، يُظهر نشاطًا حيويًا، ويُسعَى إلى استخدامه كنهجٍ مُحتمَل لعلاج السرطان ورعاية القلب.

ذكر تشيس: «يعتبر المحيط أحد أقل المناطق استكشافًا على وجه الأرض، وخاصةً المحيط العميق، فهناك الكثير من الأمور التي لا نفهمها عن الكائنات الدقيقة البحرية والمُركبّات التي تُنتجها. وبسبب مقاومة المضادات الحيوية والتحديات الصحية الأخرى، هناك أولوية كبيرة لإجراء أبحاث عن المنتجات الطبيعية. أما الآن، وبفضل تقنية SMIRC، أصبح لدينا نظام يمكن نشره بسهولة، الأمر الذي سيُمكِّن الباحثين من دراسة المُركبّات التي كانت سابقًا خارج نطاق الوصول إليها».

  • ترجمة: مي العواد
  • تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
  • المصادر: 1