كيف تُشكِّل الهرمونات الجنسية الدماغ

يبحث عالما الأعصاب إميلي جاكوبس (يسار) وكايتلين تايلور (يمين) في صور الرنين المغناطيسي (MR) للحُصين لدى النساء. وقد عُرِضت أبحاث فريق جاكوبس حول كيفية تأثير الهرمونات على تشكيل الدماغ في سلسلة نتفليكس مبادئ المتعة.

عندما بدأت إميلي جاكوبس مسيرتها المهنية في دراسة الدماغ في أوائل الألفينات، كانت تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) تشهد لحظة من الزخم. تقول جاكوبس، وهي عالمة أعصاب معرفية في جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا: “تمامًا كما لدينا تلسكوبات قوية للغاية تسمح لنا بقياس أبعد حدود الكون المعروف، لدينا هنا أداة تمكننا من رؤية الدماغ البشري بالكامل كعضو نابض بالحياة”.

من خلال قياس التغيرات في تدفق الدم، التي تُعد مؤشرًا على نشاط الدماغ، كان علماء الأعصاب يحصلون على رؤى جديدة حول كيفية تحفيز المواقف المختلفة للتفاعلات بين مناطق الدماغ، وكيفية تغيّر شدة هذه التفاعلات مع مرور الوقت. تقول جاكوبس: “كنت أركب موجة هذا الحماس”.

لكنها سرعان ما أدركت أن هناك أسئلة كبيرة لم تُطرح—أسئلة مهمة لنصف سكان العالم. هل تؤثر التغيرات الهرمونية الطبيعية، التي تصاحب الدورة الشهرية، الحمل، وانقطاع الطمث، على التواصل بين مناطق الدماغ؟

ماذا عن وسائل منع الحمل الهرمونية، مثل حبوب منع الحمل، التي يستخدمها مئات الملايين من الأشخاص حول العالم؟ وما معنى كل هذا لصحة الدماغ والسلوك؟

هدف كبير

يُعد صعود وهبوط الهرمونات سببًا رئيسيًا في عدم شمول النساء في الأبحاث الطبية الحيوية تاريخيًا، على الرغم من أن الهرمونات عند الرجال أيضًا تتقلب. وقد أدت الفجوة الناتجة في المعرفة حول بيولوجيا النساء إلى نقص في الرعاية الصحية النفسية والجسدية والتناسلية. تقول جاكوبس: “العلم، وخاصة علم الأعصاب، لم يخدم الجنسين بشكل متساوٍ”.

باستخدام مجموعة من الأدوات—مثل الرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، وأنواع أخرى من الرنين المغناطيسي وتصوير الدماغ، واختبارات الدم، والاختبارات النفسية العصبية، والواقع الافتراضي، والمزيد—يحاول مختبر جاكوبس سد الفجوات في فهمنا الأساسي لكيفية تأثير الهرمونات على الدماغ البشري. وهي تدرس الهرمونات كعدسة لطرح أسئلة أكبر حول التغيرات في الدماغ.

تقول عالمة الأعصاب المعرفية كاتيرينا غراتون، من جامعة نورثوسترن في إيفانستون، إلينوي: “ما هو مميز حقًا في عمل إميلي هو أنها تتناول المسألة على مستويات متعددة. بحثها متعدد الجوانب للغاية، إذ تستخدم أنواعًا مختلفة من قياسات الدماغ، بدءًا من المستوى الجزيئي وصولًا إلى أنظمة الدماغ”.

“28 وأنا”

في سلسلة من الدراسات، أطلقت جاكوبس وزملاؤها مشروعًا بعنوان 28 وأنا—إشارةً إلى ال 28 يومًا من الدورة الشهرية الطبيعية. في هذا المشروع، تابع الباحثون عن كثب دماغ امرأة واحدة طوال فترة دورتها الشهرية الطبيعية.

على مدار 30 يومًا، خضعت المرأة لمسح دماغي يومي، مع فحص مستويات الهرمونات في الدم وتقييم مزاجها. عند ذروة مستويات الإستروجين أثناء التبويض، تزامنت مناطق مختلفة في الدماغ، وأصبحت المناطق في مركز مهم يُسمى شبكة الوضع الافتراضي أكثر تفاعلًا. الأهم من ذلك، أن جزءًا من هذه الشبكة أعاد ترتيب نفسه ليخلق مجموعة تواصل جديدة ومؤقتة. بعد التبويض، عندما انخفضت مستويات الإستروجين وارتفعت مستويات البروجسترون، توسعت المادة الرمادية مؤقتًا في بنية دماغية مرتبطة بالتعلم والذاكرة.

وعندما تم فحص المرأة نفسها بعد عام، أثناء تناولها لحبوب منع الحمل التي تثبط البروجسترون، لم تُلاحظ هذه التغيرات.

تقدم هذه النتائج، التي نُشرت عام 2021 في مجلة الرأي الحالي في العلوم السلوكية، دليلًا قويًا على أن تدفق الهرمونات الجنسية وارتفاعها وانخفاضها يؤديان إلى تغييرات في الدماغ بشكل يومي، وفقًا لجاكوبس وزملائها. كما لاحظ الباحثون روابط بين تقلبات الهرمونات والتغيرات في الدماغ لدى مشارك ذكر أيضًا.

ماذا بعد؟

دفعت هذه الملاحظات عالمة الأعصاب المعرفية كايتلين تايلور، الباحثة ما بعد الدكتوراه في مختبر جاكوبس، إلى التساؤل عن كيفية استجابة الدماغ للقمع المزمن للهرمونات الناتج عن استخدام وسائل منع الحمل الفموية. لذا، يطلق الفريق دراسة واسعة النطاق لمحاولة معرفة الإجابة.

في البداية، ترددت جاكوبس في الموافقة على البحث، إذ كانت قلقة من أن يتم تحريف نتائجه لتقليل الوصول إلى وسائل منع الحمل. لكنها في النهاية قررت المضي قدمًا، لأنها تؤمن بأن النساء “يستحقن أن يكون لدينا علم يخدمنا”، كما تقول.

“مبادرة دماغ المرأة”

يقوم فريق جاكوبس وتايلور ببناء مشروع جديد يُعرف ب مبادرة دماغ المرأة في جامعة كاليفورنيا، يهدف إلى جعل بيانات الدراسات الكبيرة متاحة على نطاق واسع. يسعى هذا المشروع إلى تجميع السجلات من ثمانية مراكز بحثية متخصصة في تصوير الدماغ في جامعة كاليفورنيا في قاعدة بيانات مفتوحة الوصول.

عندما تخضع امرأة لمسح دماغي في أحد هذه المراكز، سيتم إدخال بيانات التصوير الدماغي غير المعرفية، وبياناتها الطبية، ومعلومات عن استخدام وسائل منع الحمل الهرمونية في قاعدة البيانات. وبمجرد انضمام جميع المراكز الثمانية، قد يصل عدد المشاركين إلى حوالي 10,000 سنويًا—وهو عدد يفوق بكثير ما يمكن لمختبر واحد جمعه.

تأمل جاكوبس أن يكون هذا الكم الهائل من البيانات مصدرًا مهمًا للباحثين، مما يمكنهم من طرح أسئلة كبيرة وصغيرة حول صحة الدماغ، ويسهم في تحسين الرعاية الصحية للنساء.

  • ترجمة: سُهاد العُمري.
  • تدقيق علمي ولغوي: حسام عبدالله
  • المصادر: 1