الظاهراتية: واحدة من أكثر الأفكار الفلسفية إزعاجًا

هل تحمل أفكارنا أي معنى على الإطلاق؟

• الظاهراتية (Epiphenomenalism) هي الفكرة التي تقول إن عقولنا الواعية ليس لها دور في التأثير على العالم المادي.

• على العكس من ذلك، تُعتبر الأفكار منتجًا غير ذي تأثير لعمليات فيزيائية تحدث داخل أدمغتنا.

• وفقًا للظاهراتية، نحن مثل الأطفال الذين يتظاهرون بقيادة سيارة، قد يكون ذلك ممتعًا، لكننا في الحقيقة لسنا المسيطرين.

ماذا لو لم تكن مهمًا؟ ماذا لو كانت جميع أفكارك، مشاعرك الثمينة، أحلامك العظيمة، ومخاوفك الرهيبة غير ذات أهمية تمامًا؟ هل من الممكن أن تكون كل حياتك الذهنية مجرد مراقب بلا هدف، يشاهد بينما يقوم جسمك بالأمور المهمة التي تحافظ على حياتك وتجعلك تتحرك؟ ما هو الهدف الفعلي للفكر؟

هذه هي وجهة نظر “الظاهراتية”، وقد تكون واحدة من أكثر الأفكار الفلسفية إزعاجًا.

دقات الساعة بلا معنى

في أي يوم معين، سنتخذ آلاف القرارات وننفذ العديد من الأفعال. سنحرك أرجلنا للمشي، نفتح أفواهنا للطعام، نبتسم لأصدقائنا، نُقبل أحباءنا، وعلى هذا المنوال. فاليوم، نحن نعرف ما فيه الكفاية عن علوم الأعصاب والفسيولوجيا لنقدم تفسيرًا كاملًا ودقيقًا لكيفية حدوث ذلك. إذ يمكننا تحديد أجزاء الدماغ التي تنشط، والمسار الذي تسلكه إشارات الأعصاب في الجسم، وطريقة انقباض العضلات، وكيفية تفاعل الجسم. باختصار، أصبح بالإمكان تقديم تفسير مادي كامل لكل ما نفعله.

السؤال، إذًا، هو: ما هو هدف الوعي؟ إذا كنا قادرين على تفسير السلوك بشكل كامل (أو “كافٍ”، كما يحب الفلاسفة القول) باستخدام الأسباب المادية، فماذا تبقى للأفكار لتفعله؟

قال عالم الأنثروبولوجيا توماس هكسلي إن أفكارنا تشبه إلى حد ما رنين الساعة. إنه يصدر صوتًا، لكنه لا يشكل فرقًا على الإطلاق بالنسبة للوقت. وبالمثل، قد تكون أفكارنا ومشاعرنا الذاتية لطيفة جدًا وتبدو مميزة جدًا بالنسبة لنا، لكنها غير معنية تمامًا.

مشكلة ثنائية العقل والجسد

ينبع كل ذلك من مشكلة أساسية في الثنائية، وهي الفكرة الفلسفية التي تقول إن العقل والجسد شيئين مختلفين. هناك شيء بديهي في هذه الفكرة. عندما أتخيل تنينًا طائرًا ينفث النار وله أجنحة جلدية، فإن ذلك مختلف تمامًا عن العالم المادي من السحالي، والشموع، والخفافيش. أو بعبارة أخرى، لا يمكنك أن تلمس أو تقطع الأشياء التي تحدث في رأسك. لكننا لا نحب أن نصدق أن أفكارنا غير موجودة. إذًا، ما هي هذه الأفكار؟

تكمن مشكلة الثنائية في فهم كيف يمكن لشيء ذهني، غير مادي، وذاتي أن يؤثر على العالم المادي، وخصوصًا على الجسد المادي. ومع ذلك، من الواضح أن ذلك يحدث. على سبيل المثال، إذا أردت تناول قطعة من الكعك، سأحرك يدي تجاهها.

إذن، كيف يمكن للمادة غير المادية أن تؤثر في المادية؟ إن “مشكلة التفاعل السببي” هذه ليست سهلة الحل، لذا يُفضّل بعض الفلاسفة الرد بالظاهراتية بقولهم: «ربما عقولنا لا تفعل شيئًا». إذا أردنا الاحتفاظ بالفكرة القائلة إن عقولنا موجودة ولكن بطريقة مغايرة تمامًا عن العالم المادي، قد يكون من الأفضل التخلي عن فكرة أن العقول تقوم بأي شيء على الإطلاق.

نظرية المعلومات المتكاملة

إذاً، ما هو هدف الوعي؟ هناك بعض الأفراد، مثل عالم الأعصاب دانيال دي هان والفلاسفة جيوفيو تونوني وبيتر جودفري-سميث، الذين يرون أن الوعي يمكن تفسيره بشكل أفضل عبر “نظرية المعلومات المتكاملة”.

في هذه النظرية، يعتبر الوعي شيء يظهر من مجموع العمليات المعرفية، أو بشكل أكثر تحديدًا، «قدرة النظام على دمج المعلومات»، كما يكتب تونوني. بعبارة أخرى، يعد الوعي ناتج مشترك لجميع الأشياء الأخرى التي يقوم بها العقل، مثل تنسيق المدخلات الحسية، والتركيز على أشياء معينة، والوصول إلى أنواع مختلفة من الذاكرة، وما إلى ذلك. إن العقل هو المشرف في مركز شبكة ضخمة وهو النتيجة أو المنتج الجانبي لجميع العمليات المعقدة التي يحتاج إلى تنفيذها.

لكن هذا النوع من النظريات “الناشئة” (عندما “ينشأ” العقل من عملياته) يطرح بعض الأسئلة ذات الطابع الظاهراتي. يبدو أنه يقترح أن العقل موجود ولكن يمكن شرحه بالكامل بواسطة عمليات مادية أخرى. على سبيل المثال، إذا افترضنا أن وعينا هو نتاج مدخلاتنا الحسية المعقدة والمتنوعة، كما يقترح جودفري-سميث، فما الذي يضيفه الفكر الواعي إلى المعادلة ولا تضيفه الحواس الأخرى مثل الرؤية، والشم، والإحساس الداخلي؟ على سبيل المثال، إذا كان “الزحام المروري” مجرد مصطلح لمجموعة من السيارات والشاحنات المتوقفة، فما الذي يضيفه مفهوم “الزحام المروري” ولا توفّره تلك المركبات بالفعل؟ إذن، مصطلح الزحام المروري ليس له دور سببي.

هذا لا يعني أن الوعي خطأ أو بلا قيمة. ففي النهاية، بدون الوعي لن أكون أنا ولن تكون أنت كما أنت. لن توجد المتعة. لن يوجد أي عالم على الإطلاق. لا يمكننا حتى تخيل حياة بلا وعي. كما أن الظاهراتية تؤمن بأن الأحداث الفيزيائية، مثل الشرارات المشبكية والتفاعلات العصبية، هي التي تسبب الأحداث الذهنية لدينا.

لكن إذا كانت الظاهراتية صحيحة، فهذا يعني أن أفكارنا لا تضيف أي شيء إلى العالم المادي الذي لم يكن يحدث بالفعل. مما يعني أننا محاصرون في رؤوسنا. وتعتبر جميع الأفكار والمشاعر في النهاية بلا فائدة أو هراء. نحن مثل الأطفال الذين يتظاهرون بقيادة سيارة، قد يكون ذلك ممتعًا، لكننا في الحقيقة لسنا من نقودها.

  • ترجمة: ماسه فؤاد كريم
  • تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
  • المصادر: 1