القلب رمزٌ للحُب

لم تكُن الأمور دائماً على هذا النحو

يدور عيد الحب بالكامل عن القلوب: ألواح الشوكولاتة على شكل قلب، البطاقات، البالونات وحتى البيتزا. ولكن القلب لم يكن رمزاً للرومانسية بصورة دائمة.

في مختلف الثقافات وعلى مر العصور، احتل القلب مكانة مقدسة باعتباره جوهراً للروح، ومصدراً للقوة الخارقة للطبيعة وحاملاً للهوية. ومن معتقدات المصريين القدامى عن الاخرة، إلى آثار العصور الوسطى، ومن الطقوس الساحرة إلى عمليات زرع القلب العصرية، ظلّ هذا العضو مركز اهتمام الفضول العلمي والمذهب العميق.

والسؤال هو، لماذا ينسب للقلب هذه الرمزية والقوة المطلقة خلافاً لسائر الأعضاء ؟

بينما يكشف لنا علم التشريح أن القلب مجرد مضخة عقلية تسيطر عليها المضخات الكهربائية، يحكي لنا التاريخ قصة معقدة أكثر مليئة بالطقوس والآثار المقدسة وحتى السحر الأسود.

يعد القلب البشري مضخة فائقة الكفاءة بشكل ملحوظ، ينبض حوالي100,000 مرة في اليوم ويضخ تقريباً 7,500 لتراً من الدماء. يقود القلب العقدة الجيبية الأذينية، وهي مجموعة خلايا من أجهزة تنظيم ضربات القلب تقوم بتفعيل النبضات الكهربائية تلقائياً وبشكل مستقل عن الدماغ.

ونظراً لأن هذا النظام الكهربائي الجوهري لا يعتمد على المدخلات العصبية المباشرة بل يتأثر بها، يمكن للقلب مواصلة النبض لمدة قصيرة حتى لو تمت إزالته من جسم الانسان، بشرط أن يمتلك إمدادات كافية من الأوكسجين والالكترونيات. تعزز هذهِ الجودة العجيبة الخرافات التي تقصد أن القلب كان أكثر من كونهِ عضلة، وقد تفسر السبب الذي جعل الكثير من الثقافات القديمة تعتبرهُ كما لو امتلك طاقة للحياة خاصة به.

ولكن تقديم القلب على أنه مجرد مضخة، يتجاهل تأثيرات أوسع. فهو يعمل بهيئة عضو ذو غدد صماء، يطلق هرمونات تنظم ضغط الدم، وتوازن السوائل وتحافظ على صحة القلب والأوعية الدموية.

تعتبر الصلة بين القلب و”هرمونات الحب”، مثل الاوكسيتوسين، تتجاوز الاستعارة بحسب ما اقترح الباحثون، فإن القلب لا يستجيب إليه فقط بل قد يلعب أيضاً دوراً في إطلاقه.

يتم إنتاج هذا الهرمون بشكل أساسي في الدماغ بواسطة المهاد، أي الجزء الأكبر من الدماغ، ويطلق من الغدة النخامية متغلغلاً في الجسم خلال لحظات المودة والثقة والترابط. وما يحدد العلاقات الإنسانية، هو المحفز الكيمائي خلف العلاقات العميقة العاطفية.

يتم تجهيز القلب بمستقبلات الأوكسيتوسين، وكشفت الدراسات أن هذا الهرمون يؤدي توسع الأوعية الدموية، مقللاً من ضغط الدم ومُحسناً للدورة الدموية. وعلاوة على ذلك، فإن هذا الهرمون قد يحمي القلب، وبذلك يساعده على إصلاح نفسه والتقليل من الالتهاب بعد الجروح، تماماً مثلما يحصل أثناء التعرض لنوبة قلبية.

وبالرغم من ذلك، فلم يتم فهم وظيفة القلب بصورة دائمة. اعتقد اليونانيين القدماء أن القلب مقعدٌ للذكاء، بينما أرسطو رفض فكرة كون الدماغ مجرد “وسيلة” تُطفئ نار القلب المقدسة.

وصف غالين، حكيم ألماني، طبيب جراح وفيلسوف عاش في العصر الروماني، القلب بأنهُ بمثابة الفرن للجسم، بينما ساهم اكتشاف ويليام هارفي للدورة الدموية عام 1628 على إعادة تشكيل استيعابنا بخصوص هذا العضو المهم. ومع ذلك، فأن أهميتهُ التعبيرية والغامضة لم تتضاءل على الإطلاق.

مقعد الروح

أحتفظ المصريون القدماء خلال عملية التحنيط بالقلب، معتقدين أنه ستتم موازنتهُ بواسطة أنوبيس ضد ريشة الحقيقة، وهي المقياس الإلهي للعدالة. وبشكل ساخر، فقد أهمل الدماغ بكونهِ بلا فائدة تماماً. ذكر اقتباسٌ في كتاب الموتى، وهو عبارة عن نصوص تخص جنازة المصريين القدامى، ما يلي:

“اوه يا قلبي الذي ورثتهُ عن أمي! الذي ورثتهُ عن أمي! اوه يا قلبي الذي امتلكته من مختلف اأماري! لا تصبح شاهداً ضدي. لا تكون ضدي في المحكمة.”.

تهدف هذه التعويذة السحرية على تهدئة القلب وتفرض الهيمنة، مؤكدةً أنهُ سيبقى وفياً عندما يتم وزنه.

لقد استمرت فكرة أن القلب يحمل أكثر من كونهِ ناقلاً للدم الى حين عصر النهضة، ويناقش العلماء سواء كان المركز الحقيقي للهوية ام لا.

كتب الطبيب الاسباني، أندرياس دي لاجونا في عام 1535 الاتي: “لو بالفعل ظهر من القلب لوحدهِ الغضب أو العاطفة، الخوف، الرعب والحزن، لو نبض منه لوحده الشعور بالعار، السعادة والمتعة، فلم ينبغي علي أن أقول أكثر؟”.

وحتى اليوم، ساهمت عملية زراعة القلب بتأجيج طرح الأسئلة حول سواء كان القلب المزروع يحمل شيئاً ما من متبرعه. قد أبلغ بعض المتلقين عن بعض التغييرات في شخصيتهم، ذكرياتهم أو مفضلات الطعام لديهم، رافعاً التساؤلات حول الذاكرة. وبينما لم يتواجد أي أساس علمي نهائي عن ذلك، فلا زالت هذهِ الحالات تثير الاهتمام.

قلب الظلام

لم يتم احترام طاقة القلب فقط، بل الخوف منها كان موجوداً أيضاً. اعتقد الناس في السحر الشعبي والأرواح، إن قلب المجرمين الذين تم إعدامهم استعاد طاقته من طريقة موتهم الوحشية. اعتقد البعض أن استهلاك أو حرق أو الاحتفاظ بالقلب قد يزودك بالمعرفة أو القوة.

قام الناس في اسكوتلندا وانكلترا بسلق قلب السارقين عدة مرات لمنع اشباحهم من مطاردتهم. وفي بعض الأحيان، تُطحن القلوب الجافة لتصبح مسحوق بودرة لأجل الجرعات، بينما في التقاليد الغامضة، فيتم حرقها في الطقوس لمنع الأرواح أو ربط الأعداء.

وما يثير القلق أكثر هو حساب عدد قلوب الأطفال الرضع غير المعمودين في تقاليد السحر. تدعي بعض المصادر أنها استخدمت في الشعوذة، المراهم الطائرة أو المواثيق المظلمة. تعكس هذهِ القصص، التي وعلى الأرجح تم المبالغة فيها خلال طقوس السحرة، معتقداً عميقاً في القلب بكونهِ وسيلة للطاقة.

كان القلب ومنذ مدة طويلة، ناقلاً للروح، مصدراً للسحر، ونقطة صراع بين العلم والخرافة. يبقى رمزهُ راسخاً وبصورة عميقة في الثقافة البشرية، في حين أن الطب العصري قد بسط الكثير من وظيفتهِ.

قد نتوقف في عيد الحُب لهذهِ السنة، حين نتبادل تصاميم القلوب المزخرفة احتفالاً بالحب، لكي نتذكر أن قوة القلب كانت رمزاً للحياة، الموت وكل شيء بينهما لألاف السنين.

  • ترجمة: أبرار سعد
  • تدقيق علمي ولغوي: حلا سليمان
  • المصادر: 1