
يتقدم الميكروبيوم في العمر كما نفعل وهنا تكمن المشكلة، فما هي؟
تعد الأمعاء مأوى لنظام البكتيريا البيئي، فكيف يمكننا تعديله كي نبقى أصحاء عند تقدمنا في العمر؟
كتبته «جيسيكا هامزيلو»
هذه المقالة مقتبسة من صحيفة «ذا تشيك أب» الإخبارية الأسبوعية بمجلة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
نتعايش جميعًا مع كائنات دقيقة، فأجسامنا مأوى لكثير من النظم البيئية المختلفة كالميكروبات، والفطريات، وغيرها من الكائنات الحية، وهي مهمة من أجل الحفاظ على سلامة صحتنا، غير أنه ثمة تغيرات في الميكروبيوم ترتبط بأمراض عدة، وكما تقول النظرية: إذا حافظت على سلامة مثل هذه الكائنات، فإنها ستحافظ عليك، إلا أنها تبدأ في التغيير بمجرد تقدمنا في العمر وهذه التغيرات يمكنها أن تجعلنا عرضة لخطر متزايد للإصابة بأمراض الشيخوخة. إذن، كيف يمكننا أن نعتني بها بصورة أفضل عند تقدمنا في العمر؟ وهل يمكن لنظام بيئي ممتاز أن يساعد على درء الأمراض لنعيش بصحة أفضل وعمر أطول؟
كنت أفكر في هذا السؤال في هذه الأيام لبعض السبب لأنني أعرف بعض الأشخاص الذين يتناولون المضادات الحيوية لمحاربة أمراض الشتاء، وبالرغم من كونها منقذةً للحياة، فإنها قد تسبب دمارًا شاملاً لميكروبيوم الأمعاء؛ إذ إنها تقضي على الصالح منها مع الطالح. لذا، كيف يمكن لهؤلاء الأشخاص أن يستغلوها بأفضل قدرِ ممكن لاستعادة ذلك النظام البيئي الصحي فيما بعد؟
صادفتُ دراسةً حديثة كشفت عن أن العلماء قد تناولوا آلاف العينات المأخوذة من الميكروبات الموجودة في الأمعاء لدى السكان؛ وذلك لمراقبة تغيرها بتقدم العمر، إلا أن النهج المعتاد اتباعه هو فحص براز شخص للاستدلال منه على الميكروبات التي تعيش في أمعائه. تكمن الفكرة في أنه عندما تتحرك الأمعاء، فإننا نتخلص من كمية كبيرة من البكتيريا، ويمكن للعلماء اكتشاف الفصائل والسلالات البكتيرية للحصول على تقدير لما هو موجود في أمعائك. وفي هذه الدراسة، حلل فريق من جامعة كوليدج كورك بأيرلندا بيانات عن عينات براز جمعوها عن 21000 شخص على مستوى العالم، والتي شملت أوروبا، والأمريكتين، وآسيا، وأفريقيا، وكانت تلك العينات مأخوذة من تسع عشرة دولة لبالغين تتراوح أعمارهم بين ثمانية عشر ومائة عام.
أراد مؤلفو هذه الدراسة أن يفهموا بصورةٍ أفضل ماذا يمكن فعله ليصبح الميكروبيوم «مفيدًا»، لاسيما عندما نتقدم في العمر، إلا أنه صعب على خبراء علم الأحياء المجهرية تحقيق ذلك. نعلم أن بعض البكتيريا لديها القدرة على إنتاج مركباتٍ مفيدة لأمعائنا، والبعض الآخر يساعد في عملية الهضم، بينما يخفض غيرها حدوث الالتهابات؛ لكن من حيث النظام البيئي ككل، تصبح الأشياء أكثر تعقيدًا. ففي هذه اللحظة، من الحكمة المقبولة تعدد الأشياء الذي قد يبدو شيئًا مفيدًا؛ إذ إنه كلما تعددت الكائنات المجهرية، كان ذلك أفضل، ويعتقد بعض العلماء أنه للكائنات المجهرية الفريدة فوائدٌ تختلف حسب كل مجموعة، وبالتالي تجعلك في صحة جيدة.
بحث فريق الدراسة في آلية عمل الكائنات المجهرية لدى صغار السن مقارنة بالكبار، وكيف تبدو عند التقدم في العمر، أيضًا بحثوا في كيفية تباين النظم البيئية الميكروبية مع علامات الإصابة بالشيخوخة غير الصحية، مثل التدهور المعرفي، والضعف، والالتهابات، ووجدوا أن الميكروبيوم يتغير بفعل التقدم في العمر، وككل فإن الأنظمة البيئية في أحشائنا تميل لأن تصبح أكثر تفردًا، ومع هذا يبدو أننا نفقد أبعاد «الجوهر» العام لهذا الميكروبيوم ونتجه نحو ميكروبيوم أكثر فردية.
لكن ليس بالضرورة أن يكون شيئًا مفيدًا؛ ففي الواقع، قد يبدو هذا التفرد علامة على الإصابة بالشيخوخة غير الصحية وتطور أعراضها المذكورة أعلاه التي يمكننا تلافيها لأطول فترة ممكنة، وإن قياس التنوع وحده لا يمكن أن يخبرنا كثيرًا عما إذا كانت الكائنات المجهرية الموجودة في أمعائنا مفيدة أو ضارة في هذا الصدد. وتدعم النتائج ما توصل إليه الباحثون وغيرهم من قبل، إذ يتحدّون فكرة أن التفرد شيء جيد، وثمة فريق آخر قد توصل إلى تشبيه جيد لذلك يعرف بمبدأ آنا كارنينا للميكروبيوم الذي ينص على أن «الميكروبيوم الملائم بجميع أنواعه يشبه بعضه البعض، بينما الميكروبيوم غير المتوافق يعبر عن عدم ملاءمته بطريقته الخاصة».
يُطرح بالطبع السؤال المهم وهو: ما يمكننا فعله كي نحافظ على ميكروبيوم سعيد؟ وهل هذا سيساعدنا على القضاء على الأمراض المرتبطة بالشيخوخة؟
يوجد الكثير من الأدلة التي تشير إلى ذلك، وبوجه عام يعد النظام الغذائي الذي يحتوي على وفرة من الخضروات والفواكه مفيدًا لصحة أمعائنا، ومنذ بضع سنوات، توصل الباحثون إلى أنه بعد اثنى عشر شهرًا من اتباع النظام الغذائي المتوسطي الغني بزيت الزيتون، والمكسرات، والبقوليات، والأسماك، والخضراوات، والفاكهة، لاحظ كبار السن تغيرًا في الميكروبيوم لديهم المفيد لصحتهم، ويشتمل على انخفاض خطر الإصابة بالضعف والتدهور المعرفي، إلا أنه على المستوى الفردي، لا يمكن أن نكون متأكدين من الآثار المترتبة على هذا التغير على أنظمتنا الغذائية التي نتبعها، والبروبيوتيك هو خير مثال، إذ إننا نبتلع ملايين الكائنات الدقيقة، لكن هذا لا يعني أنها ستجد طريقها إلى النجاة خلال رحلتها في أمعائنا، وإن حدث ذلك، فإننا لا نعلم ما إذا كانت قادرة على أن تشكل منفذًا عبر النظام البيئي الموجود، أو ستسبب اضطرابًا غير مرحَّب به. بالإضافة إلى أن بعض النظم البيئية الميكروبية تستجيب بصورة أفضل للأطعمة المخمرة كمخلل الملفوف والكيمتشي، بينما البعض الآخر غير قادر على الاستجابة.
ومن الناحية الشخصية، أحب الكيمتشي ومخلل الملفوف، فإذا اتضح أنهما يدعمان ميكروبيومي بطريقة تحميني من أمراض الشيخوخة، فهذا سيكون شبيهًا بالزينة لكعكة الميكروبيوم الأقل ملاءمة. ويمكن لاختبارات الميكروبيوم في المنزل أن تخبرك أي الكائنات المجهرية الموجودة في برازك، لكن ليس أكثر من ذلك حسب ما توصلت إليه «إيميلي مولن».
يشكل التخمير الصناعي أحد أنواع التكنولوجيا التي أحدثت طفرة في الطريقة التي نعد بها الأغذية وننتجها وفقًا لخبراء التغذية. لكن هل يمكن لتقييد تناول السعرات الحرارية أن يساعد على أن تعيش فترةً أطول؟ يبدو أن هذا يُجدي للقردة كما كتبت «كاثرين بورزاك» في 2009. وقد حاول «آدم بيور» تطبيق ذلك بشجاعة كي يتحقق ما إذا كان تقييد السعرات الحرارية سيساعد البشر أيضًا، إلا أن البعض يرى أنه « إذا كنت تعتقد العيش لفترة أطول باتباع نظام غذائي، فإنك ستشعر بالبؤس عند القيام به».
- ترجمة: زينب محمد الأصفر
- تدقيق علمي ولغوي: فريال حنا
- المصادر: 1