هل تُفرّق الحساسية للتخدير بين الرجال والنساء؟

أشارت بعض الدراسات، وليس كلها، إلى أنّ النساء يتذكرن أحداثًا جرت في أثناء التخدير أكثر من الرجال، كما أنهن يستفقن أسرع منهم.

يُستخدم التخدير العام إبّان العمليات الجراحية لتغييب المريض عن الوعي ولتسكين الألم ومنعه من الحركة. ويؤثر وزن المريض وعمره وفيما إذا كان يعاني من أمراض الكلى أو الكبد في استقلاب أدوية التخدير. لكن هل يختلف تأثير المخدر على النساء عن الرجال؟ وإن كان كذلك، هل ينبغي تعديل الجرعات بحسب الجنس؟

تشير الأبحاث الحالية إلى عدم وجود اختلافات بين الجنسين في استجابتهم للتخدير العام. ومع ذلك، تؤكد الدكتورة إليشا بيترسون، اختصاصية في طب تخفيف الألم للأطفال وأستاذة مشاركة في جامعة جورج واشنطن لموقع live Science: «لا يُحدّد الجنس جرعة التخدير».

وقد لاحَظَت بيترسون أنّ معظم الأبحاث السابقة عن التخدير أُجريت على مشاركين من الذكور البيض، ولا يزال الباحثون يفتقرون إلى بيانات كافية عن المشاركات الإناث من أعراق متنوعة لتقديم رعاية صحية متخصصة تعتمد على هذه العوامل. ونتيجةً لذلك، تُعامل المريضة التي سبق لها أن “استعادت الوعي تحت التخدير “بالطريقة نفسها التي يعالج بها المريض الذكر: إذ يراقب الأطباء التخطيط الدماغي لتقييم فعّالية التخدير، ومن ثمّ يعدّلون الجرعة وفقًا لقراءة جهاز المراقبة الطبي.

إذ لا تُفرّق الإرشادات الطبية الحالية بتطبيق التخدير العام بين الرجال والنساء، ويُعزى السبب إلى حد ما إلى النتائج المتباينة التي أظهرتها الأبحاث المتوفّرة عن التمايز بين الجنسين في الحساسية للتخدير. فعلى سبيل المثال: أشارت البيانات بعد إعطاء البروبوفول، وهو أشهر أدوية التخدير العام، إلى أنّ النساء يستيقظن أسرع من الرجال، وذلك ما أكّدته دراسات لاحقة مع أدوية أخرى.

وفي العام 2023، أظهرت مراجعة شملت 33 دراسة أنّ “الوعي تحت التخدير العام” عند النساء أكثر بمعدّل 38% من الرجال. وهذا يعني أنهنّ مررن وهنّ تحت تأثير التخدير بلحظات من الوعي تتراوح بما يشبه الحلم إلى الوعي الكامل. ووفقًا لجمعية التخدير الأمريكية ASA، يتذكر المرضى عادةً هذه اللحظات بدرجة معينة، إلا أنّهم لا يشعرون بالألم، وتصحو النساء من الجراحة وتُجيب عن الأسئلة بشكل أسرع من الرجال.

ومع ذلك، فإنّ بعض الدراسات كدراسة عام 2002 في تايلاند لم تقدّم النموذج نفسه، فقد أُجريت الدراسة على ما يقارب 800 مريض معظمهم من النساء، ووجدت أنّه تعرّض خمسةً منهم، ثلاث إناث واثنين ذكور، ل “الوعي تحت التخدير العام”، ورجّح مؤلفو الدراسة السبب إلى عدم كفاية جرعة التخدير.

كما نوّهت بيترسون إلى أنّ الاختلافات الجسدية والهرمونية ومعدلات الاستقلاب بين الجنسين قد يكون لها دور في الجرعة التي يجب إعطاؤها للمريض، وتدعم هذه الفكرة البيانات الأوليّة الصادرة عن الأبحاث على الحيوانات والبشر.

ومثال آخر في العام 2024، رأى الباحثون أنّ إناث الفئران والنساء البالغات استغرقن وقتًا أطول لفقدان الوعي من شركائهم الذكور بعد إعطائهن المخدر. بيد أنّهن استفقن أبكر منهم. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت ذكور الفئران المخصيّة مقاومة أكبر لتأثير المخدّر، ولكن أصبحت أكثر حساسية تجاهه عند حقنها بالتستوستيرون.

وقد نشرت المجلة البريطانية للتخدير في عام 2011 دراسةً معزّزةً بالأدلة تُبيّن أنّ المواد التخديرية تعدّل نشاط مناطق الدماغ التي تتحكم في دورة النوم واليقظة، وهي منطقة الوطاء (تحت المهاد)، كما تؤثر الهرمونات الجنسية مثل الإستروجين والبروجسترون في دورة النوم وفعّالية التخدير العام.

وكشفت أبحاث أخرى أُجريت على الفئران وجود اختلافات بين الجنسين في نظام الدوبامين، وهي مسارات رئيسة في الدماغ تعتمد على الناقل الكيميائي الدوبامين. كما صرّح الدكتور رافيش سونكارا، استشاري جراحة الأعصاب في مشافي أريت، وهو غير مشارك في الأبحاث السابقة، أنّ هذا النظام يساعد في تنظيم اليقظة، أو حالتي الاستيقاظ والانتباه، ومن ثمّ قد يؤثر في سرعة وعي الفرد من التخدير. ومع ذلك، لا يزال التأثير الفعلي لهذه الاختلافات الدماغية في النوم وحساسية التخدير غير معروف بدقّة.

مرة أخرى، أكدت بيترسون أنه على الرغم من الأبحاث التي بيّنت الفروقات بين الجنسين، إلا أنّ أطباء التخدير لا يميّزون بينهما عند حقن الأدوية. واستنادًا لجمعية التخدير الأمريكية ASA، فإنّ معدّل الوعي تحت التخدير كان 2-1 من كل 1000 مريض يخضع للتخدير العام.

وعلاوةً على ذلك، يقول الدكتور كاي ريبنيستين، مستشار تخدير في المنظمة الخيرية SEDSConnective التي تدعم الأفراد المصابين بفرط الحركة المفصلية والاختلاف العصبي والحالات المرتبطة بهما، تزداد احتمالية المخاطر المرتبطة بجرعات التخدير الزائدة؛ فمثلًا: قد يتعرض المريض لحالات خطيرة من هبوط ضغط الدم الحاد.

وقد اقترحت بيترسون أنه، إلى حين توفر أبحاث تسلّط الضوء على الاختلافات بين الرجال والنساء، لا بدَّ من اتخاذ بعض الإجراءات التي تحدّ من حالات الوعي تحت التخدير عند النساء. مثلًا، من الضروري أن يستخدم مقدمي الرعاية الصحية أدوات مراقبة التخطيط الدماغي مرارًا وتكرارًا عند العمليات ذات الخطورة العالية لحدوث الوعي فيها، كعمليات الولادة القيصريّة الطارئة.

بالإضافة إلى أنه قد يكون من المفيد تحليل تاريخ المريض مع التخدير وتقييم أنماط استهلاكه للكحول. إذ يقول رابنشتاين: «يمكن الاستدلال على الحساسية لأدوية التخدير من الكحول»، لأنه يُستقلب في الجسم بطريقة مشابهة للبروبوفول. وهذا يعني أن الأفراد الذين يتمتعون بقدرة تحمل عالية للكحول قد يكونون أيضًا قادرين على تحمل آثار التخدير. كما تنصح هيئة معايير الإعلان المرضى بإبلاغ أطبائهم عن تعاطيهم السابق للمخدرات والكحول، لأن ذلك قد “يزيد من خطر الوعي تحت التخدير”.

  • ترجمة: آيات حبيب
  • تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
  • المصادر: 1