
هل يمكن أن تكون أمراض القلب معدية حقًا؟
تشير فرضية علمية جديدة إلى إمكانية “انتقال” الأمراض غير المعدية بين الأفراد عبر الميكروبيوم. إذ تقترح هذه الفرضية الحديثة أن بعض الأمراض غير المعدية يمكن أن تنتقل بين الأفراد عبر الميكروبيوم. وقد كشف تحليل جديد أنه قد يُقدِّم الميكروبيوم معلومات عن احتمالات الإصابة بأمراض معينة أكثر من الجينات. كما أن التعرُّض لمجموعة ميكروبات غير صحية قد يعرِّض الأصحاء لخطر “التقاط” أمراض مثل القلب والسكري.
بفضل التقدم الطبي، أصبحت الوفيات بسبب الأمراض المعدية نادرة. لكن، وبحسب تقارير منظمة الصحة العالمية، تُسبّب الأمراض غير المعدية (مثل السرطان وأمراض القلب والسكري) أكثر من 70% من الوفيات عالميًا. فقد كانت الاعتقادات السائدة تربط هذه الأمراض بالجينات والبيئة ونمط الحياة، وليس بالبكتيريا أو الفيروسات أو الفطريات. لكن أبحاثًا حديثة تُشير إلى دور الميكروبيوم في نقلها.
ما هو الميكروبيوم؟
الميكروبيوم هو مجتمع من البكتيريا والفيروسات والكائنات الدقيقة التي تعيش داخل جسم الإنسان وعلى سطحه، خاصةً في الأمعاء. وتلعب هذه الكائنات دورًا في الهضم والمناعة وعمليات الأيض وغيرها. وقد أظهرت دراسات أن تركيب الميكروبيوم قد يكون مؤشرًا أقوى من الجينات على الإصابة بأمراض مثل الربو والسرطان وحتى الشيزوفرينيا. لا أحد يعلم على وجه اليقين ما الذي يميز الميكروبيوم الصحي عن ذلك غير الصحي، ولكن عادةً ما يستضيف الأفراد الذين يعانون من مشاكل صحية، بما في ذلك مرض السكري أو أمراض القلب والأوعية الدموية، مزيجًا مختلفًا من البكتيريا في أمعائهم مقارنةً بالأفراد الأكثر صحةً. على سبيل المثال، تنتج بعض الميكروبات في الأمعاء مركب أكسيد ثلاثي ميثيلامين N (TMAO) عند هضم اللحوم الحمراء، مما يزيد خطر الإصابة بأمراض القلب.
فرضية جديدة تُغيِّر المفاهيم
نشرت مجلة “Science” فرضية تقترح أن الأمراض غير المعدية قد تنتقل عبر تعرّض الأفراد لمجموعة من الميكروبات غير الصحية أو عند انتقالها بينهم. فوفقًا لعالم الأحياء الدقيقة ب. بريت فنلاي من جامعة بريتيش كولومبيا في فانكوفر ومؤلف الدراسة، قد يؤدي التعرُّض لميكروبيوم غير صحي إلى نقل أمراض مثل السكري أو السمنة. وقد صرّح لموقع لايف ساينس برسالة عبر البريد الإلكتروني أن ذلك قد يفضي إلى «رؤية هذه الأمراض من خلال منظور جديد كليًّا».
أدلة تدعم الفرضية
أشارت أبحاث سابقة إلى احتمال انتقال أجزاء من الميكروبيوم بين الأفراد الذين يعيشون في أماكن متقاربة. على سبيل المثال، أظهرت دراسة عام 2019 في فيجي، تشابهًا في ميكروبيوم الأفراد المقربين وذلك من خلال عينات اللعاب والبراز. كما تمكن الفريق من التنبؤ بالمشاركين في الدراسة الذين كانوا مرتبطين ببعضهم البعض من خلال النظر فقط إلى مجموعات البكتيريا لديهم. وإذا كانت هذه الميكروبات قادرة على الانتقال بينهم، فمن المنطقي الاعتقاد بأنها قد تُسهّل الإصابة بالأمراض.
وقد وجدت دراسة أخرى نُشرت عام 2003 أن أزواج المصابين بداء السكري من النوع الثاني هم أكثر عرضةً للإصابة بالمرض خلال 12 شهرًا من تشخيص إصابتهم به. وينطبق ذلك أيضًا على أزواج أولئك المصابين بمتلازمة القولون العصبي (إذ يمكن أن ينتقل نحو 80 مليون ميكروب من خلال قبلة واحدة فقط).
وتشير أدلة متزايدة إلى أن السمنة، وهي أحد عوامل الخطر الرئيسية للعديد من الأمراض غير المعدية، قابلة للعدوى أيضًا. فقد اكتشف الباحثون أن وجود صديق أو شقيق يعاني من السمنة يزيد من احتمالية الإصابة بها، كما وجدت أبحاث أُجريت على عائلات العسكريين أن التمركز في منطقة ذات معدلات سمنة أعلى يزيد من احتمالية ارتفاع مؤشر كتلة الجسم. بالطبع، قد يكون كل ذلك بسبب اتباع نظام غذائي لفرد قريب منك أو البلد الذي تعيش فيه. ومع ذلك، وجدت دراسة أخرى أن الفئران السليمة النحيفة تكتسب وزنًا كبيرًا عند تلقيها برازًا من فئران سمينة بالفعل، مما يشير إلى أن الميكروبات تلعب دورًا في الإصابة بالأمراض.
من الصعب إثبات أن بعض الأمراض ناجمة عن الميكروبات وليس العوامل البيئية، مثل النظام الغذائي، لأن الاثنين مرتبطان بشكل وثيق. لذلك سيتعين إجراء المزيد من الأبحاث لإثبات هذه الفرضية الرائعة.
كيف نحافظ على ميكروبيوم صحي؟
هذه الطريقة الجديدة للنظر إلى الأمراض لها جانب إيجابي. إذ قد لا يكمن مصير صحتك بالكامل في الجينات التي ورثتها، بل في التركيبة القابلة للتحكم بميكروبات الأمعاء. إذًا، كيف يُمكن للمرء تحسين الميكروبيوم بدقة؟ تناول الخضار والفاكهة الغنية بالألياف لأنها تحتوي على كربوهيدرات معقدة تُغذّي البكتيريا النافعة وتُقلّل من البكتيريا الضارة. وتجنُّب الإفراط في تناول اللحوم والألبان. كما يمكن إضافة الأطعمة المُخمَّرة (مثل الكيمتشي والكومبوتشا) إلى النمط الغذائي. والاعتدال في شرب النبيذ الأحمر الذي اتضح أنه مفيد للأمعاء.
يقول فنلاي: «إن العناية بالميكروبيوم لا يفيدك فقط، بل قد يحمي مَن حولك أيضًا».
- ترجمة: وداد عنتر
- تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
- المصادر: 1