
هل يمكن أن تكون لائقًا بدنيًا وسمينًا؟
هل يمكن أن تكون لائقًا بدنيًا وسمينًا؟
بعد عقود من سماع ويندي ويلشر أنها ليست لائقة بما يكفي، وبعد سنوات من اتباعها الحميات المتقطعة، والإفراط في تناول الطعام، ومحاولات التخلص من الوزن الزائد، وممارسة التمارين المفرطة، لم تصل إلى نتيجة مرضية، بل وصلت إلى نقطة الانهيار. في حالة من الغضب الشديد، التقطت ميزان حمامها وحطمته إلى قطع متناثرة.
ما الذي يعتبر جيدًا بما فيه الكفاية بالضبط؟
ويلشر امرأة شقراء، ذات عينين زرقاوين وابتسامة عريضة، ودودة واجتماعية، اعتادت التزلج على الجليد في طفولتها، ودرست الكيك بوكسينج في الجامعة، ثم مارست رياضات مثل التجديف بالكاياك والسباحة ورفع الأثقال التنافسية. ولكن جسدها الممتلئ ومؤشر كتلة جسمها المرتفع جعلاها تتلقى نظرات ازدراء في صالة الألعاب الرياضية، ونصائح من أطبائها لإنقاص وزنها. لذا، صبت غضبها على الميزان في عام 2018.
تقول مدربة القوة واللياقة البدنية المؤيدة ل “الإيجابية تجاه الدهون” -وهو مفهوم يؤكد أن الحجم ليس المعيار الوحيد للصحة أو الجاذبية- والبالغة 49 عامًا من ساكرامنتو، كاليفورنيا: “ينظر الناس إلى أشخاصًا مثلنا بأجسام أكبر ويفترضون تلقائيًا أننا كسالى، لكن الحقيقة أنك يمكن أن تكون لائقًا بدنيًا وسمينًا”.
رغم أن الفكرة قد تبدو مثيرة للجدل للبعض، فقد أظهرت عقود من الدراسات إمكانية ذلك. أظهرت مراجعة شاملة نُشرت في نوفمبر 2024 في المجلة البريطانية للطب الرياضي وجود علاقة بين اللياقة البدنية -وليس مؤشر كتلة الجسم- وطول العمر.
وكان انخفاض اللياقة البدنية قد شكل التهديد الأكبر في عام 1970، وبدأ الباحثون في تتبع البيانات الصحية من الرجال الذين أجروا فحوصات في عيادة الطب الوقائي في دالاس. وبحلول عام 1993، حصلوا على معلومات حول عوامل خطر الإصابة بأمراض القلب مثل الكوليسترول وضغط الدم والتدخين ومؤشر كتلة الجسم واللياقة البدنية الهوائية (بناءً على اختبارات المشي على جهاز المشي) من 25714 رجلاً.
طوال العقود التي غطتها الدراسة، كانت معدلات الوفيات أعلى عند الرجال المصابين بالسمنة، ثم الذين يعانون زيادة وزن، وأدنى بين أصحاب مؤشر كتلة جسم طبيعي، وهذه هي الفكرة السائدة. لكن تحليلًا أعمق أظهر تعقيدًا أكبر، حيث كان الرجال الأسمن ميالين للتدخين ولديهم تاريخ مرضي من أمراض القلب، مما يرفع خطر الوفاة بحد ذاته.
نحو نصف الرجال البدناء كانوا يتمتعون بلياقة قلبية جيدة، وكان هؤلاء أقل عرضة للوفاة. وكتب الباحثون في مجلة الجمعية الطبية الأميركية عام 1999: “لو كان كل الرجال البدينين غير اللائقين في دراستنا لائقين، لكان عدد الوفيات بينهم أقل بنحو 44%”. وينطبق الشيء نفسه على الرجال الذين يعانون زيادة الوزن وأصحاب مؤشر كتلة جسم طبيعي؛ فاللياقة، لا الوزن، هي المؤشر الأقوى لطول العمر.
حث المؤلفون الأطباء على البدء في تقييم اللياقة البدنية، أو على الأقل السؤال عنها، لمن لديهم مؤشر كتلة جسم ضمن نطاق السمنة، مؤكدين: تقييم الطبيب حالة اللياقة البدنية للمريض البدين مهم كما قياس مستويات الجلوكوز والكوليسترول في البلازما أثناء الصيام، وتقييم ضغط الدم، والاستفسار عن عادات التدخين.
وقد توصلت المراجعات المنشورة في عامي 2014 و2018 إلى استنتاج مماثل مفاده أن الافتقار إلى اللياقة البدنية، وليس الوزن الزائد، قد يكون السبب وراء وباء أمراض القلب والسكري وتقصير العمر. ولكن هذه المراجعات لم تتضمن النساء هي الأخرى مثل الدراسة التي سبقتها. على عكس الدراسة الأحدث التي نشرت في المجلة البريطانية للطب الرياضي والتي كانت أكثر شمولًا وتنوعًا.
شملت الدراسة، بين 1980 و2023، 20 دراسة بمشاركة نحو 400 ألف شخص من أنحاء العالم. بعد قياس مؤشر كتلة الجسم واختبار الحد الأقصى لاستهلاك الأكسجين لقياس اللياقة القلبية التنفسية، توصل الباحثون إلى أن الأشخاص اللائقين، بغض النظر عن مؤشر كتلة الجسم، كانوا أقل عرضة للوفاة، بما في ذلك بسبب أمراض القلب. وفي إحدى الدراسات، كان البدينون الذين يتمتعون باللياقة أقل عرضة للوفاة بنحو النصف مقارنة بالأشخاص غير النشيطين ذوي مؤشر كتلة جسم طبيعي.
بعد قياس مؤشر كتلة الجسم واختبار أقصى استهلاك للأكسجين لقياس اللياقة القلبية التنفسية، كان الأشخاص اللائقون أقل عرضة للوفاة، بغض النظر عن وزنهم. وفي إحدى المجموعات، كان الأشخاص المصابون بالسمنة واللياقة الجيدة أقل عرضة للوفاة بمقدار النصف مقارنة بالأشخاص غير النشطين ذوي الوزن الطبيعي.
وأشار الباحثون إلى أن اللياقة القلبية التنفسية تتنبأ بقوة بأمراض القلب والوفاة، وتقلل من المخاطر المرتبطة بالسمنة والوزن الزائد.
الخلاصة: عندما يتعلق الأمر بالصحة، فإن انخفاض اللياقة البدنية أخطر من ارتفاع مؤشر كتلة الجسم.
وتشير دراسة أخرى نُشرت في JAMA Network Open إلى أن نحو 15% من البالغين في الولايات المتحدة المصابين بالسمنة يعانون من “السمنة الصحية أيضيًا”، أي أنهم يتجنبون مشاكل ضغط الدم، سكر الدم، الكوليسترول، والدهون الثلاثية المرتبطة بالسمنة.
في المقابل، غالبًا ما تفشل برامج إنقاص الوزن التقليدية التي لا تشمل جراحة أو أدوية مثل السيماجلوتيد والتيرزيباتيد في تحقيق نتائج دائمة، فالكثير يستعيدون أكثر من ثلث وزنهم المفقود خلال ثلاث سنوات، وحوالي 80% خلال خمس سنوات.
دفع هذا البعض من المدربين الإيجابيين للجسم، مثل ويلشر، إلى الدعوة إلى تغيير جذري في رسائل الصحة العامة، بالتركيز أقل على الميزان وأكثر على صالة الألعاب الرياضية.
هل السمنة تسبب الوفاة حقًا؟
في التسعينيات، بدأ الدكتور جلين جايسر، أستاذ فسيولوجيا التمارين بجامعة ولاية أريزونا، يشكك في أن السمنة هي السبب المباشر للوفاة. ففي دراسة كان يشارك فيها، فقد المشاركون وزنًا قليلًا مع ممارسة الرياضة، لكنهم ظلوا مصنفين بالسمنة حسب مؤشر كتلة الجسم، ومع ذلك تحسنت صحة قلبهم وخطر مرض السكري بشكل كبير، مما دفعه للتساؤل: هل السمنة هي السبب فعلاً؟ أم أسلوب الحياة الخامل؟
في 1996، نشر جايسر كتاب “الأكاذيب الضخمة” متحديًا فكرة أن السمنة قاتلة بحد ذاتها، وأشار إلى إمكانية أن يكون الشخص سمينًا لكنه يتمتع بصحة جيدة مع ممارسة الرياضة بانتظام. لكن في مجتمع يربط النحافة بالصحة والجمال، خاصة لدى النساء، كانت هذه الرسالة بطيئة في الانتشار.
يرى جايسر أن تعريفات الوزن الزائد والسمنة، المبنية على مؤشر كتلة الجسم، محفوفة بالمخاطر لأنها لا تراعي العضلات أو توزيع الدهون، فالدهون الحشوية أخطر من الدهون تحت الجلد.
ويؤكد أن فقدان الوزن وحده لا يحسن بالضرورة صحة القلب أو يقلل خطر الوفاة.
في 2012، أُوقفت دراسة على 5000 شخص مصابين بالسمنة ومرض السكري بسبب “عدم جدوى الدراسة”، إذ أن المشاركين فقدوا وزنًا أكثر من المجموعة الضابطة لكن لم يقل خطر الإصابة بأزمات قلبية أو سكتات دماغية على مدى عشر سنوات.
تشير دراسات أخرى إلى أن فقدان الوزن يقلل خطر الوفاة فقط لمن يعانون مشاكل صحية مرتبطة بالسمنة.
وينصح جايسر بأن النشاط البدني وجودة النظام الغذائي أهم من الوزن وحده، محذرًا من مخاطر الحميات المتقلبة التي قد تسبب ضررًا نفسيًا وجسديًا وتزيد خطر النوبات القلبية والسكتات الدماغية والوفاة المبكرة. كما يحذر من فقدان العضلات عند التركيز على خفض الوزن فقط.
التمارين تؤثر إيجابيًا على كل خلية في الجسم، وتغير طبيعة الدهون لجعلها أكثر صحة أيضيًا. يقول جايسر: “الدهون لدى الأشخاص الرياضيين مختلفة عن تلك لدى غيرهم”.
هل ينبغي نصح الأشخاص المصابين بالسمنة بفقدان الوزن؟
عادة لا، حسب جايسر. لكنه يعترف بوجهة نظر خبراء آخرين مثل الدكتور صامويل كلاين، الذي يرى أن السمنة تضر بكل جهاز في الجسم، وأن فقدان الوزن قد يمنع التحول إلى سمنة غير صحية ويحسن جودة الحياة.
ينصح جايسر الأطباء بإعطاء الأولوية للتمارين الرياضية بدلاً من فقدان الوزن، موضحًا أن حتى مقدار قليل من النشاط له تأثيرات وقائية مهمة، ويشجع على زيادة النشاط تدريجيًا حتى 150 دقيقة أسبوعيًا.
ويندي ويلشر تتدرب من أربعة إلى خمسة أيام أسبوعيًا كرافعة أثقال أولمبية، وتمتلك استوديو لياقة خاصًا يدعم الأشخاص ذوي الأحجام الكبيرة ليصبحوا أقوى وأكثر مرونة في بيئة مرحبة.
لم تعد مهتمة بالأرقام كما كانت، وترفض الإفصاح عن مؤشر كتلة الجسم، لكنها شاركت الأرقام التي تراها مهمة، فأعلنت فحوصات الدم الأخيرة التي تقر أنها لا تعاني مرض السكري، وإن غضضنا الطرف عن ارتفاع الكوليسترول (الذي نعزوه إلى انقطاع الطمث) فإن صحة قلبها ممتازة، وهي تحمل كتلة عضلية عظيمة. تقول ويلشر إن علاقتها بجسدها قيد التقدم، وإنها ترى الطعام وقودًا لا عقابًا، وجسدها زميلًا في الفريق لا عدوًا- مؤكدة أنه: “يحملني طوال الحياة ويسمح لي بفعل ما أحب، لذا يستحق كل الرعاية والاحترام”.
- ترجمة: رجاء الغيثي
- المصادر: 1