
لقاحات كوفيد تمهد الطريق لعلاج السرطان
يُجري حاليًا استخدام تقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال mRNA إلى جانب لقاحات فيروس كورونا لخلق لقاحاتٍ مخصصة لمرضى السرطان.
يصف د. لينارد لي، وهو أخصائي الأورام بالخدمة الصحية الوطنية بالمملكة المتحدة والمدير الطبي لمعهد « إليسون» للتكنولوجيا بأكسفورد، نفسه بأنه «طبيب بسيط» لا غير؛ لكنه ليس كذلك؛ إذ أثناء الجائحة، بادر بجهوده العلاجية التي أكدت أنه ما زال آمنًا خضوع مرضى السرطان للعلاج الكيماوي؛ مما بدَّد المخاوف التي تزعم أنه سيشكل تهديدًا خطِرًا بسبب فيروس كورونا، فضلاً عن أنه ساعد على توفير العلاج لمرضى السرطان حول العالم، كما أجرى أيضًا بحثًا في المملكة المتحدة عن مدى فاعلية اختبار التدفق الجانبي في مرضى كوفيد الأكثر عدوى؛ إلا أن مشروعه الذي يحظى بأهميةٍ كبرى هو الذي يقوده حاليًا باعتباره مستشار الحكومة الوطني للقاحات السرطان المعتمدة على تقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال mRNA .ويُرى هذا النوع الجديد من تلك اللقاحات المعتمِد على نفس تقنية لقاحات كوفيد التي طوَّرتها أولاً شركتا «بيونتيك» و«موديرنا» على أنه طفرة ممكنة لمحاربة السرطان. وقبل التطرق إلى الحوار مع «وايرد هيلث» بلندن الأسبوع القادم، ذكر «لي» السبب في أمله أن اللقاحات سالفة الذكر ستصبح بمثابة «الجانب المشرق للجائحة».
«وايرد»: حاليًا هناك المئات من التجارب التي تُجرى على لقاحات السرطان بتقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال mRNA حول العالم، فكيف أدى نجاح لقاحات كوفيد المعتمد على هذه التقنية إلى هذا؟
»لينارد لي»: لم يكن لقاح السرطان مجالًا مناسبًا للبحث قبل الجائحة، إذ فشلت جميع التجارب السريرية تقريبًا، باستثناء واحدة. لكن مع تفشي الجائحة، أثبتنا إمكانية العلاج باستخدام لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال. تعمل لقاحات السرطان بهذه التقنية عبر إعطاء الجسم تعليمات لصنع البروتينات المسببة للسرطان بشكل غير ضار، مما يدرب الجهاز المناعي على التعرف على الخلايا السرطانية الحاملة لهذه البروتينات ومهاجمتها. يمكن تشبيه ذلك بتدريب حراس الأمن؛ فاللقاح يزود الجهاز المناعي بدليل حول شكل مرض السرطان، فيستجيب بما يتطلب الأمر من حماية وإزالة.
انتقلنا بدقة من لقاحات كوفيد العاملة بهذه التقنية إلى لقاحات السرطان باستخدام نفس البروتوكولات، والمعدات، ونظام التخزين في الثلاجات، فلم يتغير إلا المرضى. في هذه التجارب، نأخذ عينة من المريض ونقوم بسلسلة أنسجته، ثم نرسلها إلى الشركة الصيدلانية لتصميم لقاح شخصي مخصص لا يناسب غيره، وكأنظ الأمر من خيال علمي.
في المملكة المتحدة، أنشأت الحكومة منصة لإطلاق لقاح السرطان في أواخر 2022 لتتبع التجارب السريعة على لقاحات السرطان. جاء تأسيس هذا المشروع الطموح بعد جائحة كوفيد مباشرة، حيث بدأ الوباء يوشك على الانتهاء، وتبين أن متغير أوميكرون أخف كثيرًا من سابقاته، كما حصل الجميع على اللقاحات اللازمة. مع قرب انتهاء أبحاث لقاحات كوفيد، اتجهت شركات مثل «بيونتيك» و«موديرنا» إلى لقاحات السرطان باستخدام تقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال، بالإضافة إلى البحث عن الدول المؤهلة لإجراء أبحاث وتصنيع هذه اللقاحات.
كانت المملكة المتحدة على أهبة الاستعداد، إذ توافرت لدينا الثلاجات والمنشآت البحثية والصناعية العالمية المستوى، وحققنا خلال الجائحة إنجازًا بإجراء التجارب السريرية بسرعة، فضلاً عن تأسيس مركز جينومي عالمي وجينوميكس إنجلترا، إلى جانب تدريب الأطباء والممرضين على دراسة الجينوم، مما شكل طفرة للصناعة الصيدلانية.
لقد وقعت الحكومة شراكتين رئيستين؛ الأولى مع «بيونتيك» لتزويد 10 آلاف مريض بالعلاج لمكافحة السرطان قبل 2030، والثانية مع «موديرنا» للاستثمار لمدة عشر سنوات في مركز ابتكار وتكنولوجيا ينتج 250 مليون لقاح، مما يبشر بمستقبل واعد. وهكذا تتعدد البشائر التي تلوح في الأفق.
خلال الجائحة، افتتحت المملكة المتحدة التجارب السريرية خلال أسابيع، فما الذي تغير حتى لا تستغرق هذه التجارب سنوات طويلة؟
كان من المعتقد أن البحث بطيء بطبيعته وقد يستغرق 20 عامًا لوصول العقار إلى السوق، لكننا أثبتنا أنه يمكن إنجاز ذلك في عام واحد من خلال تحديث العمليات وتشغيلها بالتوازي واستخدام التكنولوجيا الرقمية. رغم أن إطلاق التجارب خلال الجائحة لم يكن بمقدار الضرورة كما في السرطان، إلا أنه مثل لحظة فارقة لتأسيس مشروع لقاحات السرطان في مراحله المبكرة.
أجرت شركة «بيونتيك» تجربة BNT 122 على الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بسرطان القولون، ولم تحظ بالاهتمام الكافي عالميًا، لكننا أطلقنا منصة لقاح السرطان وأجرينا تجربة بمستشفى برمنغهام الجامعي وكانت النتائج مذهلة رغم أن المستشفى ليس مركزًا رائدًا لأبحاث السرطان. احتجنا 10 آلاف مريض للتجارب التي استمرت ثلاثة أشهر، وأظهرت النتائج أننا النظام الطبي الوحيد القادر على إجراء مثل هذه التجارب بسرعة تفوق أي دولة أخرى. تتابعت النجاحات مع تجارب لعلاج سرطانات الرأس والرقبة في ليفربول، والمريء والمعدة في دندي، والرئة في لندن، إلى جانب بناء مجتمع داعم لإطلاق تجارب لقاحات السرطان بأسرع وقت ممكن.
تعد العديد من لقاحات مرض السرطان في مرحلة متأخرة من التجارب السريرية على الصعيد الدولي، فيما تجري حاليًا المملكة المتحدة خمس عشرة تجربة لمحاربة هذا المرض. متى سوف نرى أول لقاح للسرطان معتمد بتقنية الـmRNA؟
أجرينا تجربة لإيقاف عودة سرطان الجلد بعد استئصال خلاياه، وقد انتهت التجربة قبل موعدها بسنة لكنها لم تحظَ باهتمام واسع ضمن تجارب السرطان، لأنها بطبيعتها تأخذ وقتًا طويلًا. في الأشهر الستة إلى الاثني عشر القادمة سنراقب المرضى المشاركين لنعرف إذا ما كان هناك فرق بين من تلقوا اللقاح ومن لم يتلقوه، ونأمل أن نحصل على نتائج واعدة قبل نهاية هذا العام أو خلال 2026. إذا تحقق ذلك، فسنكون قد ابتكرنا أول لقاح شخصي معتمد يعمل بتقنية mRNA، وذلك خلال خمس سنوات فقط من ابتكار لقاح كوفيد، محققين بذلك نتائج مبهرة.
- ترجمة: زينب محمد الأصفر
- المصادر: 1