لغز تجاعيد الماء: كيف قاد سؤال طالب إلى اكتشاف قد يُغيّر الطب الجنائي؟

هل لاحظت أبدًا بعد انغماسك في حوض السباحة أو حوض الاستحمام لوقت طويل تجعُّدًا في بشرتك، لاسيما أصابعك؟ إذ يحدث هذا التغضُّن نتيجةً لتقبُّض الأوعية الدموية في الجسم، مما يُفضي إلى تقلُّص مساحة الجلد وتشكُّل التجاعيد، ورغم أنّ شكل الأصابع يكون مزعجًا، إلا أنّ هذه الميزة التطوريّة تساعد أجسامنا على الإمساك بالأشياء بقوّة أفضل تحت الماء.

ولكن، هل تتغضّن أصابعنا تحت الماء بنفس الوتيرة في كل مرة؟
أثار هذا السؤال الذي طرحه أحد الطلاب إجراء دراسةٍ، كانت قد نُشِرت في مجلة Journal of the Mechanical Behaviour of Biomedical Materials.
وقد نشر جاي مان دراساتٍ عدّة عن بشرة الإنسان، وهو أستاذ مشارك في جامعة بينغهامتون، وأحد أعضاء الهيئة التدريسيّة بقسم الهندسة الطبية الحيوية في كلية توماس ج واتسون للهندسة والعلوم التطبيقية، في عام 2020، نُشرت إحدى الدراسات التي ركّزت على ما يحدث للجلد عند بقائه في الماء لمدة من الزمن.
وأجاب جيرمان في مقال نُشر في عام 2023 في مجلة The Conversation، كان قد طرحه قارئ صغير عن سبب تجعّد بشرتنا في الماء، بيد أنّ هذا الجواب قاد إلى تساؤل آخر، فقال جيرمان في تصريح صحفي: “سألني أحد الطلاب: “حسنًا، هل تُكرّر التجاعيد شكلُها دائمًا؟ كان جوابي: “لستُ أملك أدنى فكرة!، فقادنا هذا السؤال إلى دراسةٍ بحثية لتقصّي الإجابة”.

شكل التجاعيد يتكرر في كل مرة
عَمَدَ جيرمان ورايتشل ليتن، وهي خريجة الهندسة الطبية الحيوية في جامعة بينغهامتون، إلى إغراق أصابع المشاركين في الدراسة في الماء لمدة 30 دقيقة، والتقطا صورًا للأصابع المتغضّنة، ثمّ أعادوا الإجراء بعد مرور 24 ساعة.
ولاحظ فريق البحث بعد تحليل الصور إلى أنّ كل مشارك تكرر شكل التجاعيد لديه بعد كل غمر بالماء.

مالبث أن أوضح جيرمان في بيان صحفي: “قد تتزحزح الأوعية الدموية قليلًا، إلا أنها تظل ثابتة نسبيًّا ولا تغيّر أماكنها، والتجربة خير برهان”.
كما اكتشف جيرمان وليتين اكتشافًا آخر، أضافه جيرمان لبيانه الصحفي: “كنا نسمع أنّه من الصعب تَكوّن التجاعيد لمن يعانون من تلف العصب المتوسط في الإبهام، وجاءت صحة هذا القول بإجراء التجربة على طالب قال إنه يعاني من تلف العصب المتوسط للإبهام، وبالفعل لم تظهر على أصابعه تجاعيد”.

تطوير علم الطب الشرعي (الجنائي)
وبفضل هذه الدراسة الجديدة، لم يحظَ الطالب بإجابة عن استفساره وحسب، بل مهّدت هذه البيانات الطريق لاستخدامات مبتكرة في علم الطب الشرعي.
وقد يساعد هذا الاكتشاف العلمي الجديد فِرَق التحقيق الجنائي في التعرّف بدقّة على البصمات في مسارح الجريمة والجثث التي غرقت بالماء لمدة طويلة.
غير أنّ جيرمان يرى أنّ الإمكانات التي ستقدمها هذه الأساليب الجديدة للطب الشرعي ستكون ذا منفعة، فقد واجه والده ضابط الشرطة المتقاعد في المملكة المتحدة بعضًا من هذه التحديات.
وقال للصحافة: ” لا يزال قياس العلامات الحيوية وأخذ البصمات قابعًا في ذهني ولا يبرحه لأنني دائم التفكير في هذه الأمور فهي تقدُّ مضجعي”.

وأعرب جيرمان عن رغبته في مواصلة أبحاثه للإجابة عن المزيد من أسئلة طلابه، وختم بالقول: “شعوري كما الطفل في متجر الحلوى، أتعطّش للمزيد من العلوم التي لا أعرفها وأشكر فريق مجلة The Conversation لطرحهم السؤال الرائع الذي أثار هذا العلم الجديد المدهش”.

  • ترجمة: آيات حبيب
  • تدقيق علمي ولغوي: حسام عبدالله
  • المصادر: 1