
السكري من النمط الثاني خطر يهدد شباب نيوزيلندا
لم يعد الداء السكري من النمط الثاني مرضًا مرتبطًا بالأشخاص في منتصف العمر فقط، فهو حاليًا يستهدف الأطفال والمراهقين والشباب في نيوزيلندا، والنظام الصحي ليس مستعدًا لذلك بأي شكل من الأشكال.
تحدث الإصابة بالداء السكري من النمط الثاني عندما لا يستطيع الجسم استخدام الأنسولين بشكل صحيح، علمًا أن الأنسولين هو الهرمون الذي يساعد في ضبط مستويات الغلكوز في الدم. نتيجة لذلك يرتفع مستوى الغلكوز في الدم وبمرور الوقت يمكن أن يؤدي ذلك لتضرر القلب والكليتين والعينين وغيرها.
يكون هذا المرض أكثر خطورة عند إصابة الشباب به، إذ يتطور بشكل أسرع وتظهر مضاعفاته باكرًا وتصعب السيطرة عليه، وذلك غالبًا بسبب تراكم الضرر على مدار حياتهم، بالإضافة إلى أن الشباب المصابين بالداء السكري من النمط الثاني قد يموتون بعمرٍ مبكرٍ أكثر من هؤلاء الذين أصيبوا بالمرض بأعمار أكبر.
أظهرت الأبحاث التي أجريت على الأشخاص المصابين بالسكري في منطقتي وايكاتو وأوكلاند في نيوزيلندا أنه من أصل 6500 مصابًا وُجِد 1198 مصابًا تحت سن الخامسة والعشرين، وأكثر من ربع هؤلاء الشباب (28%) كانوا مصابين بالداء السكري من النمط الثاني فيما كان البقية مصابين بالداء السكري من النمط الأول، وذلك يظهر زيادة بنسبة 5% تقريبًا عما كان عليه الوضع في هذه الفئة العمرية قبل 20 عامًا.
علاوة على ذلك، فإن شخصًا واحدًا فقط من كل أربعة أشخاص استطاع ضبط مستويات سكر الدم لديه. وهذا يعني زيارات أكثر للطبيب واستهلاكًا أكثر للأدوية ويرجح حدوث مضاعفات خطيرة مستقبلًا.
ومع أن أغلب الشباب المصابين بالسكري يحصلون على الرعاية الصحية اللازمة، إلا أن الموضوع يبقى صعبًا للبعض، وهذا الضغط ليس مقتصرًا على المرضى فحسب بل على النظام الصحي بأكمله، إذ يحتاج الشباب المصابون بالداء السكري إلى الرعاية الدائمة وتأمين الأدوية اللازمة والخطط العلاجية الفعالة على مدار حياتهم، وهذا يعني ارتفاع تكاليف العيادات العامة وزيادة الطلب على عيادات السكري والضغط المتزايد على المشافي وخدمات الطوارئ.
تتفاقم أيضًا التكاليف المتعلقة بالصحة النفسية والاجتماعية للشباب المصابين بالسكري من النمط الثاني في عمرٍ مبكرٍ، إذ غالبًا ما يتغيب هؤلاء عن الدراسة أو العمل ويعانون من العبء العاطفي للعيش مع مرضٍ مزمنٍ ويفقدون الثقة بالنظام الصحي الذي لا يستطيع تلبية احتياجاتهم دائمًا، وقد يبدو الأمر للبعض وكأنه بدأ رحلة طويلةً وحيدًا من غير دعم يذكر.
التعمق في الأسباب
فيما يخص أسباب انتشار مرض السكري من النمط الثاني لدى فئة الشباب فإنه لا يبدو أن سببًا واحدًا فقط للموضوع، ولكن تأتي السمنة لتتصدر القائمة كعامل رئيسي مسبب للسكري، إذ أن 90% من الناس في الدراسة التي ذُكرت آنفًا كانوا زائدي الوزن أو يعانون من السمنة، بالإضافة إلى ازدياد حالات سمنة الأطفال في نيوزيلندا.
ويلعب الفقر دورًا أساسيًا أيضًا في الإصابة بالمرض، إذ يصعب على العائلات التي تعاني من ضائقة مالية أن تشتري الطعام الصحي أو أن تقوم بزياراتٍ منتظمةٍ إلى مراكز الرعاية الصحية، كما أن لعدم المساواة الصحية في نيوزيلندا أهميته أيضًا.
وقد يكون مرض السكري من النمط الثاني متوارثًا بين الأجيال، فالأطفال الذين يولدون لأمهاتٍ مصاباتٍ بمرض السكري هم أكثر عرضة للإصابة بالمرض.
ثمة فرص سانحة لدرء هذا الخطر المتنامي ولكن الأمر بحاجة إلى خطة عملٍ شاملةٍ تتضمن عدة محاور، ويبدأ ذلك بمحاربة الفقر لدى الأطفال وجعل الطعام الصحي في متناول الجميع بغض النظر عن حالتهم المادية والتأكد من تلقي العائلات للدعم الذي يحتاجونه، بالإضافة إلى تلقي جميع المرضى للرعاية من اللحظة التي يُشخَّص المرض فيها لديهم وتسهيل فرص الحصول على الأدوية والتقنيات الحديثة وضمان عدم تهميش أي شخصٍ لأي سبب من الأسباب.
وكذلك فإن التعامل مع مرض السكري من النوع الثاني عند الشباب ليس كالتعامل معه عند كبار السن، لذا يجب توفير الدعم اللازم للأطباء لتقديم رعاية متكاملة ومنسقة، بما يشمل توفير الموارد والبرامج التي تتناسب مع المراحل العمرية المختلفة.
والأمثل أيضًا هو أن نبادر بالفحص والكشف المبكر عمن لديه خطورة عالية للإصابة بداء السكري، إذ أثبتت برامج الكشف عن الإصابة المبكرة بمرض السكري من النوع الثاني فعاليتها في بلدان أخرى كالولايات المتحدة، ولكنها ليست منتشرة على نطاق واسع في نيوزيلندا حتى الآن.
إن إجراء فحوصاتٍ مبكرةٍ في الوقت المناسب لليافعين المعرضين للخطر والذين لا تظهر عليهم أعراض، يمكن أن يساهم في الكشف عن مرض السكري من النوع الثاني في مراحله الأولى، وتأخير أو حتى منع مضاعفاته الخطيرة، إلا أن الواقع يشير إلى أن العديد من الشباب يُشخَّصون في مراحل متأخرة.
يتطلب تزايد حالات الإصابة بالسكري من النوع الثاني بين الشباب جهودًا متضافرةً والتزامًا طويل الأمد، فمن خلال تحسين آليات الكشف، واعتماد خطط علاجية أكثر فعالية، وتعزيز نظام صحي أقوى وأكثر تكاملًا، يمكننا التصدي لهذه المشكلة.
- ترجمة: لينا عثمان
- تدقيق علمي ولغوي: فريال حنا
- المصادر: 1