ما الفائدة من أضراس العقل؟

لنستمع إلى إجابة الأخصائيين

تسمى أسنان المجموعة الثالثة من الرَّحى بأضراس العقل، وتقع في أقصى التجويف الفموي، وشكلها يشبه أسنان المجموعة الأولى والثانية من الرَّحى إلا أنها أصغر منها بقليل.

وسميت ب «أضراس العقل» كونها آخر ما يظهر من الأسنان الدائمة ال 32، حيث يتراوح سن ظهروها ما بين ال (17-25) عامًا عند اكتمال البلوغ والوصول إلى سن الرشد.

ولا يخفى على أحد أن أضراس العقل الأربعة قد لا تظهر لدى جميع الناس، وأن العديد منهم يستأصلونها. لذلك، كان لا بدَّ لنا أن نتساءل عن فائدتها.

وكأخصائيين في طب الأسنان، نحتاج للإجابة عن هذا السؤال إلى الغوص في أعماق الماضي السحيق والنظر في الحاضر القريب.

فك أقوى:

مثلما توجد العديد من القواسم المشتركة بين بني البشر، يشترك الإنسان ببعض الخصائص مع باقي الرئيسيات، فالقرد والغوريلا والشمبانزي لديها أيضًا أضراس عقل.

بالعودة إلى الوراء لبضع ملايين السنين المنصرمة، نجد أن ما يزعم بكونهم أسلافًا لبني البشر كانت تتميز بفكين وأسنان أكبر حجمًا مما عليه الإنسان المعاصر. فمثلًا، وجد نوع من القرود يدعى «أوسترالوبيثيكوس أفارينيسيس»، والذي يُلقَّب أيضًا ب «نوع لوسي»، المأخوذ عن نموذج أحفوري لهيكل عظمي جزئي سُمِّيَ «لوسي»، قد عاش منذ 3 أو 4 مليون سنة تقريبًا.

ويتميز الفكين والأسنان لأفراد هذا النوع بأنها أكبر وأثخن نوعًا ما مما هي عليه اليوم عند البشر. كما أن لديها 3 مجموعات سنيَّة من الرحى الكبيرة مطلية بطبقة كثيفة من الميناء، وتدل الجماجم الأحفورية لهذا النوع الموغل في القدم على قوة عضلات المضغ لديها.

تغير الغذاء:

يعتقد العلماء أن أسلاف البشر القدماء المزعومين كانت بحاجة لفكين وأسنان أقوى وأصلب لأن طبيعة الطعام الذي كانوا يتناولونه كاللحم النيء والنباتات يتطلب منهم جهدًا وقوة أكبر في المضغ مما هو عليه طعام البشر اليوم. ولا يزال الباحثون يتفحصون الأسنان الأحفورية باحثين عن أي أثر أو علامة من علامات التآكل المجهرية ليتعرفوا على نوعية الطعام التي تناولها أسلاف البشر المزعومين.

وبالنظر إلى طعامنا اليوم، نجد أنه ألين مما كان عليه في الأزمنة الغابرة، ويعود ذلك لعدة عوامل من أبرزها الزراعة والطهي وتخزين الطعام. ولأن مضغ الطعام بات ألين وأسهل، فقد أصبحت مهمة الأسنان أقل صعوبة. ونتيجة لذلك، طرأ تغير على حجم الفكين عند الإنسان المعاصر فبات أصغر، كما تغير وجهه ليصبح أكثر انبساطًا مقارنةً بأسلافه المزعومين، وذلك لأن مضغ طعامنا اليوم لم يعد يتطلب وجود أسنان قوية وحادة كما في الماضي.

نظرًا لهذه التغيرات التي حدثت تدريجيًا عبر ملايين السنين، يمكننا القول إن المجموعة الثالثة من الرَّحى، أضراس العقل، لم تعد اليوم ذات أهمية بالغة بالقدر الذي كانت عليه سالفًا.

فقدان أضراس العقل

إن ما يقارب 25% من الناس اليوم استأصلوا على الأقل واحدًا من أضراس العقل لديهم، مما يعني استحالة تعويضه مطلقًا. وكما أن الأسنان عادةً لا تعاود النمو مرة أخرى، كذلك هو الحال بالنسبة لأضراس العقل.

ولم يتمكن العلماء إلى الآن من معرفة سبب ذلك، ولكنه قد يُعزى أحيانًا للجينات المتوارثة عن الآباء. ويرجح بعض العلماء أن فقدان أضراس العقل يصبُّ في مصلحة الإنسان المعاصر ليتناسب مع صغر حجم فكيه. فبلا شك أن عدد الأسنان الأقل يتلائم بشكل أكبر مع الفك الصغير.

أحيانًا، قد تنغرز أضراس العقل في عظام الفك ويتعذر نموها بشكل كامل إلى سطح اللثة، أو أنها قد تظهر جزئيًا بسبب ضيق الفك.

وتحدث هذه الحالة التي تدعى ب «أضراس الفك المنحشرة» بنسبة أكبر في الفك السفلي منها في الفك العلوي. إن البروز الجزئي لأضراس العقل قد يسبب الألم وتسوس الأسنان والتهاب اللثة، وهذا ما يدفع أطباء الأسنان لاستئصالها.

عادةً لا تستدعي الضرورة اقتلاع أضراس العقل في حال ظهورها كاملةً وتموضعها بشكل صحيح وسليم في الفم.

وباستطاعة طبيب الأسنان أن يتأكد من وجود أضراس العقل إما عن طريق الفحص الفموي، أو من خلال تصوير الفك بالأشعة السينية في حال عدم ظهورها والشك في انحشارها بين عظام الفك.

وفي هذه الحالة، إما أن ينصح طبيب الأسنان باتباع علاج معين أو أن يستأصل أضراس العقل. وعلى أي حال، فإن تنظيف الأسنان بالفرشاة والخيط مرتين على الأقل يوميًا يساعد في الحفاظ على صحة الأسنان.

هذا ما أفادنا به كل من (Ariadne Letra) الأستاذة في طب الأسنان و (Seth M. Weinberg) الأستاذ المتخصص بالفم والمنطقة القحفية الوجهية وعلم الوراثة البشري في جامعة (Pittsburgh).

  • ترجمة: آلاء نوفلي
  • تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
  • المصادر: 1