أجدد الاكتشافات وأغربها حول تأثير تراكيب الدماغ في مهارة القراءة
من أهم المهارات الأساسية لتصبح قارئًا ماهرًا هي أن تتمتع بالقدرة على النظر إلى الرموز المجردة “الحروف” وتحويلها إلى أصوات.
ويُعرف هذا في العالم الأكاديمي باسم “المعالجة الصوتية” وقد تختلف هذه المهارة من شخص لآخر، فمثلًا تجعل بعض الحالات مثل “عسر القراءة” الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للبعض.
اختبر فريق من الباحثين في دراسة جديدة نظريتين متناقضتين تمامًا عن العلاقة بين تراكيب الدماغ و مهارة القراءة، والغريب في الأمر أنهم وجدوا ما يدعم صحة النظريتين.
كلنا نعلم أن الدماغ البشري غير متماثل، ويُعتقد أن تراكيب معينة في الفص الأيسر هي المسؤولة عن معالجة اللغات وفهمها، طبقًا لنظرية ” التحيزالدماغي” كلما زاد الاختلاف زادت قدرة الفرد على اتقان مهارة القراءة.
وعلى صعيد آخر، قد يكون وجود عدم تماثل في الجزء الأيسر من الدماغ معززًا للسمات اللازمة للقراءة، وهذا ما يسميه فريق الباحثين ب ” نظرية القنوات” وهي توضح حدوث اتصالات ما بين مناطق الدماغ غير المتناسقة، وعلى هذا المنوال فإن وجود المزيد من عدم التماثل يضعك في متوسط نطاق مهارة القراءة.
ويظهر الآن وفقًا لمستوى التحاليل أن ادعاءات النظريتين صحيح سواء عبر النصف الكروي للمخ أو مناطق محددة.
خاصة أن فريق الباحثين لاحظ أنه مع وجود قدر أكبر من عدم التماثل في النصف الأيسر من المخ زادت القدرة على القراءة بالفعل لكن هذا فقط عند النظر إلى التراكيب الأكثر تفاوتًا واختلافًا، مع الأخذ في الحسبان النصف الكروي للمخ ككل.
استخدم باحثون في جامعة كارولنا الطبية الجنوبية بيانات التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) من بحث سابق لتحديد الاختلافات في التراكيب غير المتماثلة في الأدمغة لأكثر من 700 شخص من مختلف الأعمار.
حيث قاس التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) النشاط الأيضي “التمثيل الغذائي” و من خلال الكشف عن التراكيب التشريحية رسم خريطة للدماغ.
وطلب من المشاركين في هذه الفحوصات إجراء اختبارت تقيس القدرة على القراءة مثل اختبارات “فك التشفير الصوتي” وتتضمن هذه الاختبارات تهجي كلمات مزيفة تتميز بأنها كلمات مختلفة تتضمن درجة معالجة عالية لأن أدمغتنا غير متكيفة معها .
وبمجرد أن حدد الباحثون مستويات عدم التماثل في الدماغ، وجدوا، أثناءالنظر للمنطقة التي تحظى بأكبر قدر من عدم التماثل في الفص الأيسر للدماغ، ارتباطًا بين أكبر قدر من عدم التماثل بالأداء الأفضل في القراءة المزيفة.
كتب الفريق في البحث “يُعتقد بشكل كلاسيكي أن عدم التماثل اليساري في حجم الالتفاف الصدغي العلوي، على وجه الخصوص، يعكس تنظيم الفص اليساري للغة، ووفقا لنظرية التفارق الدماغي فإنه عند حدوث أي ضرر به فهذا يؤدي الى ضعف مهارات القراءة ”
في ظل النظرية السابقة، يتميز كل فص من الدماغ بالقدرة على القيام بالدور الرئيسي في أداء مهام معرفية محددة، ويتعلق الفص الأيسر من الدماغ بالعمليات اللغوية عمومًا.
لكن الأبحاث السابقة عانت من وجود نسبة صغيرة من الناس يظهر لديهم نشاط أيضًا في الفص الأيمن للمخ عند تأدية أي مهام لغوية
وإن كانت هذه النظرية صحيحة، فلا يزال من غير الواضح اذا ما كان الاختلاف الوظيفي لكل من فصين المخ يعتمد على الاختلافات التركيبية لكل منهما، لكن توجد مناطق معينة في الفص الأيسر للدماغ بنحو يعول عليه ( تقوم بدور أكبر ) من المناطق نفسها في الفص الأيمن
وفي الوقت نفسه، وجد فريق الباحثين أنه إذا كانت بعض المناطق الدماغية تختلف بصورة كبيرة في تراكيبها بين الفصين، فمن المتوقع أن يقع الشخص ضمن نطاق المتوسط للقدرة على القراءة.
وهذا يتماشى مع “نظرية القنوات” الشبية بمسار إبرة الفونوجراف المنتظم على خطوطها ، حيث تحافظ على مسار محدد مسبقًا. في حالة عمليات معالجة اللغة والقراءة، ستبدأ الآليات الوراثية الوقائية في تطوير التفاوتات الدماغية اللازمة.
وذلك لأن هذه الأليات يعبر عنها بشكل موثوق، فإن المعالجة الصوتية عادة ما تكون مقيدة ضمن النطاق الطبيعي. ومن شأن عدم وجود هذه التفاوتات أن يسمح بالتعبير غير المقيد عن القدرات الضعيفة أو المرتفعة.
وأضاف المؤلف الرئيسي مارك إيكيرت من -جامعة كارولنا الطبية الجنوبية- “إن النتائج التي توصلنا إليها على المستوى السكاني تشير إلى أن التفاوتات التركيبية في الدماغ ترتبط بالتطور الطبيعي للقدرة على معالجة صوت الكلام وهذا من أساسيات الوصول للقراءة البارعة”
الغريب أن الأداء في مهمة قراءة الكلمات الزائفة لم يرتبط بعدم التماثل في مناطق الفص الأيسر والتي من المعروف أنها مهمة لوظائف لغوية معينة، وهذا يترك سؤالًا مفتوحًا عن كيفية تأثير هذه التفاوتات التركيبية بالضبط -على نطاقات أكبر- في قدرات القراءة لدى الناس.
واستنتج الفريق أنه قد تكون النظريتان “التحيز الدماغي” و”القنوات” صحيحتين ولكن على نطاقات مختلفة من التنظيم الدماغي والوظيفة.
قد تسمح درجة أكبر من عدم التماثل في الفص الأيسر بمعالجة صوتية أكثر فعالية، وقد يكون هذا جراء وجود تخصص أكبر في نصف الكرة المخية.
تم نشر هذه الدراسة في مجلة PLOS Biology.
- ترجمة: نرمين صلاح
- تدقيق علمي ولغوي: نور عباس
- المصادر: 1