يختلف الرجال و النساء في طريقة اختبار الألم ومعالجته، فما السبب في هذا؟
لا يمكنك أبدا معرفة مدى الألم الذي يمر به أي شخص، خاصة إذا كان هذا الألم بسبب شيء لن نقدر على اختباره بأنفسنا.
وهذا من أكبر الأسباب التي تجعل الناس تبالغ في الاهتمام بأشياء مثل “الرجال يعانون من نزلات البرد والإنفلونزا أكثر من النساء”، أو “الولادة أكثر ألما من تلقي ركلة بين الفخذين بالنسبة للرجال”
ولكن بينما اتجهت هيئة المحلفين إلى أن تبقى بعيدة عن تلك الأمثلة المحددة لبعض الوقت، ألقت دراسة جديدة في جريدة برلين بعض الضوء على عدم وجود تناسب في الألم، حيث يبدو أن الشعور بالألم غير متساو بين الرجال والنساء، والأن توصلنا إلى السبب.
“تتأثر النساء بتعب الألم المزمن بشكل غير متناسب مع الرجال ”
وذهبت الدراسة إلى أن ” النساء أكثر عرضة للشكوى من آلام أسفل الظهر والرقبة والوجه والألم العصبي، ويعاني ضعف عدد النساء من الرجال من الصداع النصفي أو الصداع العادي، وفي تجربة لتقييم كمية الألم لدى البشر، أظهرت النساء حساسية للألم أكثر من الرجال عبر العديد من الطرق الضارة، والتي تتضمن الآلام الميكانيكية والكهربائية والحرارية والكيميائية.
وبالرغم من هذا التفاوت الواضح، فقد أجمعت الآراء العلمية، على مر السنين، على تساوي الرجال والنساء في الإدراك الحسي للألم، وتكمن المشكلة في أن هذا الاستنتاج لم يطبق على كل شيء.
وأضاف الكاتب ” وكالعادة سيطر النهج المتحيز للذكور على أبحاث علم الأعصاب، بما في ذلك الألم، دون تقديم أي مبرر منطقي”
حيث أضافوا ” في مجال علم وظائف الأعضاء المشبكي، اعتمدت آليات التعديل العصبي على البحث في ذكور الحيوانات أو الحيوانات غير المجنسة بشكل حصري ، حتى عندما كشفوا أمثلة عن ازدواج الشكل الجنسي في الدوائر المشبكية واللدونة” (اللدونة العصبية تسمى أيضاً مطاوعة الدماغ، تتعلق بتغيرات في طرق النقل العصبي وأيضاً بعض المشابك المرتبطة بتغيرات في سلوك الجسم وبيئته وعملياته العصبية بالإضافة إلى التغيرات التي تعقب الإصابات الجسدية)
الدراسة الجديدة لها ميزتان كبيرتان مقارنة بالدراسات السابقة، فقد اشتملت على البشر بما في ذلك النساء.
ووضح الباحثون ” نظرًا لأهمية فهم الأسس البيولوجية العصبية للألم المزمن باختلاف نوع الجنس، حققنا في آليات زيادة استثارة أو زيادة انفعال الخلايا العصبية للقرن الظهري السطحي لكلا الجنسين في البشر والفئران.
إذا كنت تتعجب الآن كيف فاتتك حقيقة أن لديك قرنا طوال هذا الوقت، فلا تقلق:
القرن الظهري السطحي: هو منطقة مميزة على أطراف المادة الرمادية داخل الحبل الشوكي.
عندما فحص الباحثون هذا النسيج الشوكي، المتبرع به بعد الوفاة، اكتشفوا شيئًا مثيرًا للاهتمام وهو: هناك نوع معين من البروتين موجود في النخاع الشوكي يعرف باسم عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ، نرمز له ب(BDNF)، ويؤدي دورا مهما ومعقدا في معالجة الألم، وتضخيم إشارات الألم في الحبل الشوكي على مدى فترات زمنية قصيرة ويقوم بعكس ذلك على المدى الطويل.
ولكن هذا الاكتشاف ليس بجديد فقد اكتشف جين هذا البروتين منذ أربعين عاما، وقد تحققت العديد من الدراسات من دوره بالفعل في معالجة الألم وإدراكه، لكن هل تتذكر عندما قلنا من قبل إن كل تلك الدراسات تقريبا أجريت على ذكور الحيوانات والبشر ؟ هنا تكمن المشكلة.
أضاف البحث “لاحظنا اقتران مرضي بين تثبيط KCC2-dependent وإمكانات مستقبلات N-methyl-D-aspartate (NMDAR) داخل الخلايا العصبية للقرن الظهري السطحي في ذكور الفئران وليس إناثها ”
“فعلى عكس الذكور، فإن BDNF (عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ) فشل في تقليص تنظيم عناصر الإشارات المثبطة (KCC2 و STEP61) وتنظيم العناصر المثيرة (pFyn و GluN2B و pGluN2B) في إناث الفئران “.
“الأهم من هذا، أنهم حافظوا على هذا الاختلاف الجنسي في معالجة آلام العمود الفقري من القوارض إلى البشر”
بعبارة أخرى: أجساد الذكور والإناث، وجين عامل التغذية الموجود في الدماغ على وجه الخصوص – تعالج الألم وتدركه بشكل مختلف حقا.
لكن لماذا؟
أضاف المؤلف ” نستنتج أن هذا الاختلاف بين الجنسين في الاستجابة لـ BDNF (عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ) يكون بوساطة هرمونية”
قد يتفق ذلك مع الدراسات السابقة التي تلقي باللوم على آلام النساء في ارتفاع مستويات هرمون الاستروجين لديهن، لكن الباحثين لديهم أيضًا دليل حاسم في ركنهم، فعندما أزالوا المبايض من إناث الفئران، اختفى الاختلاف في إشارات الألم بين الجنسين.
الاكتشاف له آثار كبيرة، وليس فقط لكسب الخلاف حول ما إذا كان الرجال كالأطفال الصغار الضعفاء.
بل هو خطوة مهمة في اتجاه تطوير أدوية علاجية أكثر تخصيصا، لتلبية الاحتياجات الفردية للمريض، بالإضافة إلى أدوية جديدة لإدارة الألم بالتحديد.
قالت آن ماري ديديك، المؤلفة الرئيسية للدراسة: “يتطلب تطوير أدوية جديدة للألم فهمًا مفصلاً لكيفية معالجة الألم على المستوى البيولوجي”.
«هذا الاكتشاف الجديد يضع الأساس لتطوير علاجات جديدة لمساعدة أولئك الذين يعانون من الآلام المزمنة ».
- ترجمة: نيرمين صلاح
- تدقيق علمي ولغوي: نور عباس
- المصادر: 1