حضارة الحشرات: هل أكبر حضارة في العالم موجودة تحت أقدامنا؟
لعل الحشرات أكثر المجموعات الحيوانية المتجاهلة في العالم، إلا أنها أيضًا الأكثر عددًا. إنها تعيش، من الفراشات إلى الخنافس، في كل الأنظمة البيئية على وجه الأرض تقريبًا. وربما أنشأت إحدى مجموعاتها أكبر حضارة تحت أقدامنا.
تحتوي عائلة النمليات Formicidae على ما يقارب 12 ألف نوع من النمل. وعلى الرغم من ثراء الأنواع وتنوعها، يتبع النمل جميعًا نفس البنية الحيوية، إذ يعيش في مستعمرات معقدة اجتماعيًا. تتمتع هذه الحشرات الصغيرة المجتهدة بقدرات كمجموعة اجتماعية تتجاوز شكل أجسامها الفردية الصغيرة بكثير.
لإعطاء فكرة عن مدى انتشار النمل وقدرته، يرى الباحثون أن ثلث الكتلة الحيوية الحيوانية في غابات الأمازون المطيرة تتكون بالكامل من النمل والنمل الأبيض.
في حين أن هناك بعض التباينات بين الأنواع المختلفة، فإن معظم المستعمرات تتبع نفس التسلسل الهرمي من نظام طبقي يشمل العمال والجنود والملكات. وتتميز كل طبقة باختلاف تشكلي morphological وتكيف يلائم دورها في المستعمرة.
الملكة مسؤولة عن وضع بيض المستعمرة، لكنها ليست مسؤولة عن إخبار كل نملة بما يجب أن تفعله. بل إن هذه الحشرات مصممة بيولوجيًا لوظيفة معينة، وتستخدم قدراتها الاستثنائية في التواصل للقيام بواجباتها. وعلى الرغم من أن كل طبقة مصممة لوظيفة معينة، فهذا لا يعني أنها لا تستطيع التقدم في حياتها المهنية. إذ وجد في دراسة أجريت سنة 2013 أن النمل من نوع Camponotus Felah يغير دوره من التمريض إلى تنظيف المستعمرة وحتى البحث عن الطعام في فترات حياته.
ربما أشهر نوع من النمل ذاك المعروف بقاطع الأوراق من جنس Atta وAcromyrmex، والذي يمكن أن يحمل ما يصل إلى 10-50 ضعف وزن جسمه (إن لم يكن أكثر). ووجد المهندسون في عام 2014 أن مفصل رقبة نملة الحقل الأمريكية يمكن أن يتحمل ضغطًا أكبر ب 5000 مرة من وزن جسمها.
بالإضافة إلى المجتمعات المنظمة والقوة الهائلة، فإن النمل أيضًا مزارع. إنه يحمي مجموعات حشرات المن من الحيوانات المفترسة مثل الدعسوقة، وحشرات المن بدورها تكون مادة تسمى عسل الغابات عن طريق التغذي على عصارة الأشجار. وقد تشكل هذا المادة العسلية ما يصل إلى 90 بالمائة من النظام الغذائي للنمل، لذا فإن هذه العلاقة مهمة للغاية.
النمل جيد جدًا في الاعتناء بنفسه كونه من الحشرات الاجتماعية. على سبيل المثال، فإن مجموعات النمل المصابة في مستعمرات ماتابيلي Megaponera analis -بفعل النمل الأبيض عادة- تُساعَد في العودة إلى المستعمرة ويعالجها النمل الآخر.
كذلك يشارك النمل في سلوك يُعرف بترحيل الجثث؛ إذ للمستعمرة نمل متخصص يزيل جثث النمل الميت منها لمنع انتشار مسببات الأمراض إلى النمل الآخر. حتى إن النمل الحاصد لديه نظام تكديس معقد لموتاه.
لذا، فإن النمل بناة مذهلون، إذ يشكل مستعمرات عملاقة يصل طولها إلى 6000 كيلومتر. ويستطيع النمل الناري صنع طوافات من أجسامه للهروب من الفيضانات. ولمجتمع النمل وظائف وتقدم مهني، واستراتيجيات دفاعية مثل التظاهر بالموت. حتى إنه يرعى كبار السن والمتوفين.
علاوة على ذلك، يتمكن النمل من القيام بكل هذا دون أي شكل من أشكال الحكم أو القيادة المباشرة، واستمر فترة أطول بكثير وبنجاح أكبر بمراحل من الأنواع الأخرى التي تطورت منذ ما يقارب 140 إلى 168 مليون سنة (مثل الدينصورات). لعله رائد إحدى أعظم الحضارات على الأرض.
- ترجمة: منهل زريقة
- المصادر: 1