كيف تحدى آينشتاين ميكانيكا الكم وخسر!

الميكانيكا الكمية معروفة بغرابتها. على الرغم من أنها تعد أدق وأقوى نظرية علمية طورت على الإطلاق، فقد أطلقت ألف لغز ومفارقة ومعضلة.

يبدو أن الفيزياء الكمية تخبرنا أن الأحداث يمكن أن تحدث بدون مسبب، وأن الأشياء يمكن أن تكون في مكانين في نفس الوقت، وأن مراقبة الكون قد تغيره بشكل لا عودة فيه، وأن الأنظمة التي تحتوي على عناصر متوزعة في جميع أنحاء المجرة يمكن أن تعمل ككيان واحد بنحو فوري. بالإضافة إلى كل هذه التحديات للحس المشترك والفيزياء التقليدية، سيغفر لك إذا اعتقدت أن هناك شيئًا خاطئًا في الفيزياء الكمومية. وهذا قطعًا ما اعتقده آلبرت أينشتاين. قصة حدسه عن نقائص النظرية الكمية تستحق السرد إذا كُنَّا نرغب في فهم موقف تلك النظرية الآن.

آينشتاين والميكانيكا الكمية

ساعد آينشتاين في إنشاء النظرية الكمية بوصفه لتأثير الفوتونات، حيث يمكن لجسيمات الضوء أن تولد تيارات كهربائية (كان الضوء يعد ظاهرة موجية خالصة بفضل أعمال جيمس كلارك ماكسويل). بيد أنه شعر بالخيبة في أواخر العشرينيات من القرن الماضي، برؤيته الطريقة التي كانت تتطور بها النظرية بفضل الفيزيائيين أمثال نيلز بور وفيرنر هايزنبرغ. كان هناك الكثير من عدم التحديد في الفيزياء الكمية، وآمن آينشتاين بشهرة أن «الله لا يلعب النرد بالكون».

اعتقد آينشتاين أن هناك شيء مفقود من النظرية. يجب أن توجد مجموعة من المتغيرات الخفية تحت الهيكل الرياضي، إذا كانت تلك المتغيرات معروفة، فإنها ستعيد التصورات المعقولة التي جعلت فيزياء نيوتن الكلاسيكية واضحة. هذه التصورات تخبرنا أن الأشياء لديها خصائص محددة سواء رصدت أم لا- وهذا شيء تعارضه النظرية الكمية.

لإثبات أسباب وجود متغيرات مخفية كهذه، كتب آلبرت آينشتاين ورقة بحثية في عام 1935 مع بوريس بودولسكي وناثان روزن قدموا فيها تجربة فكرية تستند إلى هيكلية الميكانيكا الكمية.

في نظرية الكم القياسية، قبل إجراء قياس على جسيم، يكون الجسيم موجودًا في ما يُسمى تراكب الحالات. وهذا يعني أن الجسيم لا يمتلك قيمة محددة بعد للخاصية التي ستقاس. ويعد التراكب المصدر لقطة شرودنغر الشهيرة، حيث تكون القطة في الصندوق ميتة وحية معًا حتى يُفتح الصندوق. أراد آينشتاين وبودولسكي وروزن (الذين صار لقبهم EPR) استكشاف آثار التراكب والقياس.

كانت فكرة حجتهم كالتالي: خذ جسيمين كميين، ودعهما يتفاعلان حتى تترابط خصائصهما. ثم افصلهما بمسافة. يشترط الربط الأولي ضمنيًا أن قياس خاصية للجسيم الأول، سيحدد الحالة المقابلة للجسيم الثاني فورًا. وبما أن الضوء لم يسافر بين الجسيمين بعد، فلا بد من أن هذا يعني أن الجسيم الثاني كان مسبقًا بالحالة (أو له الخاصية) التي ستكتشف بالقياس. خاصية الجسيم الثاني، التي تحدد عند قياس الجسيم الأول البعيد، تعد «عنصرًا من الواقع» في حجة إي بي آر. هذا يعني برأيهم أن هناك شيئًا مفقودًا في ميكانيك الكم، وغيابه يجعل النظرية تتحدث عن التراكب والقياس وانهيار الدوال الموجية.

غلبة الغرابة الكمية

بينما شعر إي بي آر أنهم قدموا اعتراضًا جديًا على الغرابة الكمية، قدم التاريخ إجابة أغرب بكثير. إذ انتهت حجة إي بي آر بفتح الباب لنوع جديد من الغرابة الكمية، على الرغم من أنها صممت لتكون دليلًا على وجود مشكلة في الفيزياء الكمية. جاء الفصل التالي في عام 1964، عندما أعاد الفيزيائي الإيرلندي جون بيل فحص مفارقة EPR واشتق مجموعة رائعة من العلاقات التي تتيح للتجارب التمييز بين الواقعين الكلاسيكي والكمي. كانت مبرهنة بيل سابقة للتقنيات الاختبارية في عصرها، ولكن صار من الممكن اختبار ما وضعه بيل في ورقته في مطلع الثمانينيات.

في مجموعة من التجارب الشهيرة، أكد آلان أسبكت أن الجسيمات الكمية المنفصلة -بعد السماح لها بالتفاعل في البداية- تصرفت بطرائق تنتهك منطق الفيزياء الكلاسيكية. فازت غرابة الكم. لا يمكن أن تكون هناك متغيرات خفية محلية تتسق مع النظرية النسبية الخاصة. في العام الماضي، وقد حصل آلان أسبكت وعالمان فيزيائيان آخران على جائزة نوبل في الفيزياء عن عملهم التجريبي على مبرهنة بيل.

ما هو مذهل في هذه القصة أن أعظم فيزيائي في القرن العشرين حاول أن يثبت أن الميكانيكا الكمية كانت خاطئة، أو على الأقل غير كاملة، وانتهى به المطاف بفعل العكس تمامًا. إذ أدى مقال EPR في نهاية المطاف إلى رؤية الفيزيائيين لما يُسمى الآن بالتشابك، حيث يمكن للأنظمة المفصولة عن بعضها جدًا أن تعمل كنوع غريب من الكيانات الكمية الموحدة. والأهم من ذلك، يُمثِّل التشابك أحدث ما في الفيزياء الكمية الحديثة، وله تطبيقات قوية، بما فيها تطوير الحواسيب الكمية.

إذا، هل الميكانيكا الكمية غريبة؟ نعم. هل هي خاطئة؟ لا. على الأقل ليس بأي طريقة يمكننا تحديدها حتى الآن.

  • ترجمة: مروة حريب
  • المصادر: 1