هل لدى الحشرات مشاعر ووعي؟
لم يُؤكد العلم بعد ما إذا كانت الحشرات تمتلك مشاعرًا، ولكن قد تعيد النظر قبل أن تدوس صرصورًا أو تسحق نملة.
أظهرت العديد من الأبحاث بعض الاكتشافات المذهلة حول الحشرات، على سبيل المثال: يمر النحل العسلي بتقلبات عاطفية، ويتحرك النحل الطنان بشكلٍ يشبه اللعب، ولدى الصراصير أيضًا شخصيات، وتتعرّف على أقاربها، وتتعاون معًا في اتخاذ القرارات، ويظهر ذباب الفاكهة سلوكًا يشبه الخوف.
فكرة أن الحشرات تمتلك مشاعر ليست جديدة، ففي عام 1871 كتب تشارلز داروين Charles Darwin في كتابه ‘التعبير عن المشاعر لدى الإنسان والحيوان’: “حتى الحشرات تعبر عن الغضب والرعب والغيرة والحب”.
إذا كانت الحشرات تستمتع باللعب أو تهرب من الخوف عند تهديدها بمضرب الذباب، وإذا كانت هذه المشاعر (الاستمتاع باللعب والخوف) تعكس وجود شيء ما بداخلها، فمن الواضح إذًا أن الحشرات تمتلك مشاعر ووعي وأحاسيس.
لكن لا يُعرف ما يحدث بداخلها على الأقل حتى الآن، ومع ذلك بدأ علماء الأعصاب والفلاسفة بأخذ فكرة وعي الحشرات بجدية.
هل لدى الحشرات مشاعر؟
في مقال نُشر في مجلة ساينس Science العام الماضي، أشار فرانس دي وال Frans de Waal وكريستين أندروز Kristen Andrews إلى أن العلم بشكل عام يُفرق بين المشاعر والعواطف. فالعواطف هي حالات فسيولوجية أو عصبية يمكن قياسها وغالبًا ما تنعكس على السلوك، على سبيل المثال: ذلك الطنين الصادر من النحلة عندما تتعامل معها.
بينما المشاعر هي حالات وعي خاصة غير ملحوظة، لذلك لا يمكن للعلم الوصول إليها.
نحن متأكدون من أن البشر الآخرين لديهم مشاعر لأنهم قادرون على إخبارنا بذلك، ولكن الحيوانات لا يمكنها ذلك، فهل كان طنين النحلة غضبًا؟ أم خوفًا؟ أم مجرد رد فعل فسيولوجي نتيجة التهديد؟ لا يمكننا معرفة ذلك لأنها لا تستطيع إخبارنا به.
ومع ذلك، فإن الحيوانات ليست المخلوقات الوحيدة التي لا يمكنها إخبارنا بما يحدث داخلها، فالأطفال الرضع من البشر لا يستطيعون ذلك أيضًا. كما يشير ‘دي وال’ و’أندرو’ إلى أنه فقط في الثمانينيات بدأ الأطباء يؤمنون بأن الرضع يشعرون بالألم، وقبل ذلك كانت تُنفذ الجراحات على الأطفال الرضع روتينيًا بدون تخدير.
في السنوات الأخيرة، بدأ البشر بالاعتراف بالوعي ليس فقط لدى صغارهم بل لدى بعض الحيوانات الأخرى أيضًا، وفي العقد الأخير بدأت العديد من الدول بحظر التجارب على جميع القرود الكبيرة. وفي عام 2015، انتهت الولايات المتحدة من إجراء الأبحاث على الشمبانزي، أما الأسماك فتُدرس إمكانية إضافتها إلى الكائنات التي تمتلك وعيًا.
اعترفت حكومة المملكة المتحدة مؤخرًا بأن أنواعًا مختلفة من سرطانات البحر والأخطبوطات لديها وعي، ومع ذلك فعندما يتعلق الأمر بالحشرات، يظل السؤال مطروحًا للنقاش بشكل كبير.
الصلة التطورية
ساهم أندرو بارون Andrew Barron، عالم الأعصاب السلوكي في جامعة ماكواري Macquarie في سيدني، أستراليا، وزملاؤه بشكل كبير في الأبحاث الأساسية حول أدمغة النحل.
في عام 2016، نشر أندرون بارون وكولين كلاين Colin Klein، الفيلسوف المتخصص في علم الأعصاب الإدراكي في الجامعة الوطنية الأسترالية في كانبيرا Canberra، مقال بحثي يؤكد أن الحشرات لديها القدرة على الشعور بالمشاعر والوعي بالذات.
استندا في بحثهما إلى أبحاث العالم السويدي في علم الأعصاب بيورن ميركر Björn Merker، التي أشارت إلى أن الأشكال الأساسية للوعي توجد في الهياكل التحت-قشرية subcortical structures الموجودة عند الحشرات، وليست في القشرة المخية cortex التي لا تمتلكها الحشرات.
يقول بارون أنّ هذه الهياكل تحت القشرية كبيرة جدًا وتمتاز بقدرة كبيرة على المعالجة، وبين هذه الهياكل روابط معقدة للغاية. ويصف ذلك بأنه نظام تحكم سلوكي يعمل عن طريق إنشاء نموذج أولي للكائن الحي في الفضاء. لذلك، فإن الخنافس التي تتجول حول الحجارة في فنائك لديها إدراك لمكانها بالنسبة للأشياء المحيطة، وهو ما يسميه بارون بالرؤية الأنانية للعالم. فالخنافس تعرف أين تقف وأين تبدأ الحجارة المرصوفة، ومن المحتمل أيضًا أنها تشعر بأشعة الشمس على درعها ونعومة الطحالب تحت أقدامها.
كان بارون حريصًا على أن يوضح للصحفيين المتحمسين لنشر ما يجدونه من خنافس على شرفتهم أن هناك فرقًا بين الوعي وإدراك الذات، وبين إدراك الذات والقدرة على التفكير في هذا الإدراك.
يقول بارون أن هناك العديد من مستويات الإدراك، وفي بعض الأحيان بين كل تلك الأنواع من الوعي سنجد وعيًا لدى الحشرات.
وإذا كان ميركر محقًا، فكما يقول: “يمكننا منطقيًا أن نمنح مستوى أولي من الوعي للحشرات”. بعبارة أخرى، من المحتمل أن يكون الشعور لديها كخنافس مختلفًا تمامًا عن الشعور كإنسان، لكن المرجح هو أن هناك نوعًا ما من الشعور لدى الحشرات.
يدعي بارون وكلان أن هذه الهياكل قد تمثل الشكل التطوري السابق لنوع الوعي الذي نمتلكه، إذ يقول بارون: “تلك الأنظمة المتحكمة في السلوك تعود إلى اللمبريات lampreys، ولا يبدو منطقيًا أن طبيعة التحكم السلوكي تغيرت فجأة بشكل جذري في تلك اللحظة التي ظهرت فيها القشرة الدماغية cortex”.
إنها مجرد بداية وعي الحشرات
تركز أبحاث جيسيكا وير، المنسقة المشاركة في مجال علم الحيوانات اللافقاريات في متحف التاريخ الطبيعي الأمريكي، على تطور التكيفات السلوكية والفسيولوجية لدى الحشرات. وهي غير متأكدة مما يعنيه هذا التشابه في الهياكل تحت القشرية بالنسبة لوعي الحشرات، وتقول: “نحن بالفعل ليس لدينا معلومات كافية للتمييز بين ما يمكن أن يكون وعيًا أو إدراكًا بالبيئة المحيطة وبين ما قد نفسره من منظورنا البشري على أنه وعي”.
مع ذلك، فهي تحب فكرة توسيع المناقشة حول الوعي، إذ توضح: “لا نزال في بداية هذا النوع من البحث والأبواب ما زالت مفتوحة لاستكشاف المزيد في هذا المجال”. وهذا يعني أنه ربما قد نكون قد توقفنا في النظر إلى ما يعنيه الوعي من منظورنا البشري المحوري.
- ترجمة: أسماء سيد
- تدقيق علمي ولغوي: روان نيوف
- المصادر: 1