يهدف برنامج جامعة كورنيل إلى القضاء على المجاعة خلال 10 سنوات
هل يمكننا بواسطة البرنامج الجديد القضاء على المجاعة بحلول العام 2030؟ البيانات المتعلّقة بهذا البرنامج موجودة بالكامل.
مشكلة المجاعة العالميّة هي واحدة من تلك المشاكل التي يريد الجميع حلّها، ومع ذلك لا يبدو أن ذلك يأتي بأيّ نتيجة. في عام 2020، عانى نحو 700 مليون شخص من الجوع في مرحلةٍ ما.
رغم الوعود الشفهيّة لإطعام الجميع والمحاولات الجدّية من قبل الأفراد والحكومات والمنظمات من خلال التمويلات الضخمة التي تهدف إلى حل هذه المشكلة. لقد انخفض عدد الأفراد الذين يعانون من الجوع في السنوات الأخيرة، إلّا أن إطعام مئات الملايين المتبقية ثبت أنه أمرٌ صعب.
يُقدّم مشروع Ceres203 الجديد حلولًا يمكن أن تساعد في حل مشكلة إطعام العالم. لقد سُمّيّ هذا المشروع باسم آلهة الزراعة الرومانية “سيريز”، ويهدف إلى تحقيق هدف الأمم المتحدة رقم 2 في ما يتعلّق بالتنمية المستدامة، وحل مشكلة المجاعة العالمية وذلك خلال 10 سنوات، من خلال استخدام الاستثمارات الاستهدافية المستندة إلى الأدلة في مناطق متعددة.
يقع المقر الرئيسي ل Ceres2030 في جامعة كورنيل، وهو عبارة عن مشروع جماعي يضم أشخاصًا من جميع أنحاء العالم. ويُموّل جزئيًا من قبل مؤسسة بيل وميليندا جيتس والوزارة الفيدرالية الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية.
يضم المشروع 70 باحثًا من 23 دولة مختلفة مزوّدون بأفضل المعلومات المتاحة فيما يتعلّق بخفض معدلات المجاعة، قُسّم الباحثون إلى 8 فرق، كل فريق متخصص في موضوع منفصل، ومن ثم جُمعت الدراسات التي أجراها كل فريق مع بعضها من أجل استخدامها في اتخاذ القرار السياسي للمشروع.
توجد تقنية تُستخدم بشكل متكرر في العلوم الطبية وغيرها من المجالات المتعلّقة بالصحة، تسمى “تجميع الأدلة”.
تهدف هذه التقنية إلى مراجعة كل الأدبيات المتعلقة بموضوع معين للوصول إلى الإجماع العلمي المتعلق بهذا الموضوع، إنها تصف -بصورة واضحة- أين توجد الفجوات في البحث، وتوفر سياقًا يمنح اكتشافات جديدة. قبل ذلك، كان من النادر أن تستخدم هذه التقنيّة في مراجعة المعلومات المتعلّقة بالزراعة، هذا إن كانت تستخدم أساسًا.
وباستخدام الذكاء الاصطناعي في ترتيب البيانات التي لا حصر لها، عمل المشروع على دراسة نصف مليون تقرير، وأبحاث ومقالات منشورة سابقًا بهدف البحث عن معلومات، ومن خلال مراجعة خلاصة هذه الوثائق، كانت الآلة قادرة على تجميع النتائج. وبعد ذلك أتى دور الأفراد بأخذ هذه النتائج وتأليف عشر أوراق بحثية، ليستطيع القراء الحصول على خلاصة واسعة حول ما تشير له الأدلة فيما يتعلّق بزيادة إنتاجية المحاصيل الزراعية وزيادة دخل المزارعين.
هذه الطريقة ربما تبدو لكم كصيغة عالية التقنية للمراجعة المكثّفة للأدبيات. ومع ذلك، من الضروري أن نتذكر أن هناك العديد من الأعمال المهمة التي يمكن أن تبقى دون قراءة لسنوات، وبعض الدراسات التي تمت مراجعتها، ربّما تكون قد قُرأت من قبل بضعة أشخاص فقط، ومن المؤكد أنها لم تلفت انتباه المزارعين أو المسؤولين بطريقة يمكن الاستفادة من نتائجها، ومن خلال جعل أجهزة الكمبيوتر تُراجع هذه المعلومات، استطاع فريق سيريز إنشاء أكثر صيغة تجميعية مفهومة للبيانات المتاحة.
ولو كان البشر فقط من يعملون على مراجعة هذه البيانات، لكانت قد استمرت هذه العمليّة حتّى عام 2030.
أظهرت التحليلات أن العديد من الدراسات تتفق في أن الفوائد الناتجة عن المبادرات المباشرة كانت قليلة، ومن بين تلك الاكتشافات أفكار تغيّر قواعد اللعبة ومن الأمثلة على هذه الاكتشافات مايلي:
تساعد منظمات المزارعين أعضائها من أجل زيادة دخلهم وإنتاجية محاصيلهم، حيث رُبطت العضوية في تلك المنظمات بزيادة دخل المزارعين في 60 % من الدراسات، وأُثبتت الفوائد على إنتاجية المحاصيل في ربع الدراسات، إنّ لهذه المنظّمات دورٌ في مساعدة المزارعين على الحصول على تقنيات وأدوات وأنماط محاصيل حديثة، لمساعدتهم في تنفيذ الإجراءات الأخرى المقترحة، تؤثر مساعدة هذه المنظمات للأفراد من خلال الانضمام لها على حياتهم بشكلٍ هائل.
ففي البلدان متوسطة ومنخفضة الدخل، يعيش نحو ثلاثة أرباع صغار المزارعين ويعملون في المناطق التي تندر فيها المياه. والغالبية العظمى من هذه المزارع ليس لديها نظام ري حتّى، وبالتالي يمكن زيادة الناتج والإيرادات من خلال معالجة قضية البنية التحتية هذه. ويمكن لمساعدة الفلاحين على استخدام محاصيل زراعية أكثر مقاومة لتغيّرات المناخ والجفاف، واستحداث مصادر جديدة ومحسّنة للماشية، في كُلٍّ من الجوانب المستخدمة في الغذاء والعمل، أن يحسّن الإنتاجية ويحافظ على مرونة الأفراد في مواجهة تغيّر المناخ.
كانت هذه مجرد بضعة أفكار أيّدها أفراد مشروع Ceres2030 في بياناتهم الصحفية. وفي كل قضية، أشاروا إلى كمّ البيانات التي تُظهر فعالية هذه الأفكار في زيادة الدخل، وإنتاجية المحاصيل، وقدرة صغار المنتجين على الصمود في مواجهة التهديدات مثل تغيّر المناخ، التي قد تكلف حوالي 14 بليون دولار للمساهمة في تنفيذها، أي حوالي ضعف ما ننفقه حاليًا لمواجهة هذه المشكلة. وذلك بالإضافة إلى الاستثمارات الجديدة من جانب حكومات الدول التي تعاني أكثر من غيرها من المجاعة.
كل هذه الافكار يمكن تطبيقها اعتبارًا من الغد، وقد طُبقت في العديد من الأماكن، إنها مجرد مسألة اتخاذ القرار لتنفيذها، وبعض الاكتشافات والأفكار الأخرى هي أبسط حتّى من هذه الأفكار، مثل ملاحظة أننا نهدر الكثير من الطعام وأن بإماكننا حل هذه المشكلة بحلول بسيطة.
يمكن أن تجدوا المزيد من الأفكار والمعلومات المتعلّقة بكيفية وصولهم إلى هذه الخلاصات، في موقع Ceres2030 على الانترنت https: //ceres2030.org/.
إن هذه الابحاث والاكتشافات قائمة على بحثٍ مكثّف، وتجارب تاريخية ناجحة نُفذت في أماكن أخرى، ورغبةٍ جادّة في استخدام الأدلة لمساعدة الناس، حيث سيؤدي اتباعها إلى تهيئة المزارعين من خلال إعطائهم القدرة على كسب المزيد من المال، وإنتاج المزيد من الطعام بشكلٍ مستدام. إلا أن هذه المقترحات من الممكن أن لا تناسب الجميع، كما أنها ليست دقيقة بشكلٍ كافٍ حيث يمكن تعميمها.
إضافةً إلى ذلك توجد الكثير من الأسباب التي تدعو إلى التشاؤم، تقول دراسة نُشرت هذا العام في مجلة Nature أننا لن نتمكّن من إنهاء مشكلة المجاعة في العالم بحلول العام 2030. وتتبنّى الدراسة موقفًا مفاده أن بعض البلدان التي تعاني من سوء التغذية على المستوى المحلّي من غير المرجح أن تحقق أهدافها الإنمائية لعام 2025، ناهيك عن الأهداف الأكثر طموحًا لعام 2030.
إن التكاليف التي تترتب على عدم إحراز تقدّم على هذا الصعيد مرتفعة جدًا، فمن دون إحراز تقدم، من الممكن أن ينتهي الأمر بأن يعاني 100 مليون فرد آخر من المجاعة والفقر المدقع، وذلك بحسب تقديرات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة. فقد تسببت جائحة كورونا (COVID-19) عام 2019 في تردي الأوضاع بالفعل، حيث أدت الظروف الاقتصادية الصعبة إلى المزيد من حالات المجاعة.
خلال التاريخ البشري كانت هناك محاولات لإنتاج ما يكفي من الغذاء لكل فرد، ولم نتمكّن إلا مؤخرًا (من منطلق نسبي) من تحقيق ذلك. ننتح اليوم طعامًا يكفي ل 10 مليار شخص ولكن يبدو أننا نواجه صعوبة في إيصاله إلى الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليه. فإذا اتُبِعَّت اقتراحات فريق Ceres2030، يمكننا حينها القضاء على مشكلة الجوع والمجاعة بتكلفة أقل من 50 دولار سنويًا لكل فرد يعاني من سوء التغذية.
إنها مسألة تنفيذ فقط، لنرى إذا كنا نملك الإرادة لفعلها.
- ترجمة: محمد بشير البلبيسي
- تدقيق علمي ولغوي: عهد محروقة
- المصادر: 1