إذا كنتَ الطفل الوحيد لعائلتك، فما النِّعم والنِّقم التي تنتظرك؟

أن نحظى بقضاء وقتٍ أكبر مع أمهاتنا وآبائنا، أن نستحوذ على الثروات التي لن تذهب لغيرنا، أن تنعدم المنافسة مع أشقائنا، تتعدد الأسباب والنتيجة واحدة. فقد خلصت دارسة إلى أن العلاقة بين أفراد العائلة المكونة من طفلٍ واحد أعمق مقارنةً بالعائلة التي يتعدد فيها الأطفال.

حدثتني Nina -30 عامًا- وهي الابنة الوحيدة لأبويها: “أن أكون أفضل صديقة لوالديّ، هذا ما لا يقدَّر عندي بأي ثمن”.

إذًا، هل يمكننا القول أن العلاقة الوثيقة بين غالبية الآباء وأبنائهم الوحيدين هي أمرٌ محمود؟ وهل من الممكن أن يتجذر هذا التقارب بين الأبناء والآباء؟ ورغم أن الغالبية يعتبرونه من أبرز نقاط القوة، إلا أنه محفوف بمخاطر عديدة يجدر بنا توخيَّها.

توثيق عمق العلاقة عن قرب

وُثِّقت العلاقة العميقة بين الآباء وأبنائهم الوحيدين ضمن دراسة أُجريت في ثمانينيات القرن الماضي، عندما استعرض عالم النفس الاجتماعي Toni Falbo والباحث Denise Polit أكثر من 115 دراسة عن قرب واستنتجوا أن الأطفال الوحيدون: “تفوَّقوا على كل المواليد غير الوحيدين، من حيث إيجابية العلاقة بين الآباء والأبناء، وبالأخص الذين ينحدرون من عائلة كبيرة”.

منذ ذلك الحين، باتت نتائج الدراسات التي أجريت شرقًا وغربًا متشابهة إلى حدٍّ بعيد. فمثلًا، عندما درس الباحثون في الصين علاقة الأبوة والبنوة لطلاب الصف قبل الأخير من المرحلة الثانوية، وجدوا أن معظم الطلاب الوحيدين تمتعوا بعلاقة أوثق مع آبائهم مقارنةً بالطلبة غير الوحيدين. تلك النتائج شملت أيضًا العائلة المؤلفة من طفلين.

هذا التقارب مثبت ومبني على أسس منطقية وقابل للترجمة عبر التفاعل المستمر والاستثمار الأمثل للأوقات معًا. وتخبرنا Cassie -47 عامًا- وهي الوسطى بين شقيقتين وأم لابنتها الوحيدة: “تربطني بابنتي علاقة أعمق من علاقتي بوالديَّ”، وتعزو ذلك جزئيًا لفلسفتها المختلفة في التربية. لطالما توقع والديها أن تنفذ مع شقيقاتها ما يُملى عليهنَّ، حيث لم يتسنى لهما الوقت الكافي لإعطاء كل واحدة منهن حقها في الرعاية كما يفعل أغلب الآباء مع أبنائهم الوحيدين، وأضافت: “أملك وقتًا كافيًا لأُغرق ابنتي ذات الأعوام السبعة بالمحبة وأعاملها بكل الاحترام”.

وتقول Sofia -29 عامًا- والابنة الوحيدة لعائلة إسبانية كبيرة، كما هو حال معظم أصدقائها وأقاربها، أن علاقتها بأبويها أوثق إذا ما قورنت بعلاقة أصدقائها بوالديهم: “هم لا يثقون بآبائهم ولم يثقوا بهم عندما كانوا صغارًا”.

وبينت الدراسة التي استهدفت طلاب الصف قبل الأخير من المرحلة الثانوية أن العلاقة حافظت على متانتها حتى بعد انقضاء فترة المراهقة التي تتسم عادةً بالاضطراب. كان ذلك بالتحديد ما مرَّ به الطفلان الوحيدان لآبائهما Henry وBeth، اللذان اعترفا بابتعادهما عن والديهما في سنوات المراهقة. إلا أنهما أفادا فيما بعد بالتئام علاقتهما مع والديهما ثانيةً عقب انتهاء سنين المراهقة المتعبة.

واليوم تتواصل Linda مع ابنتها Beth التي بلغت رشدها يوميًا، فهما تتجاذبان أطراف الحديث من 10 ل 15 دقيقة خلال طريق Beth لعملها. وقالت Beth: “رغم أن سنوات دراستي الثانوية والجامعية كانت صعبة للغاية، يزداد قربي من أمي يومًا بعد يوم”.

ويخبرنا Henry -38 عامًا- أن علاقته مع والده أوثق من علاقة معظم أقرانه ممن لديهم إخوة مع والديهم: “صحبت والدي منذ صغري وإلى يومي هذا. فلدى والدي هوايات واهتمامات جديدة دومًا، ولهذا كنت شريكه في جميع اهتماماته، ولازلنا نتشارك العديد من الأنشطة معًا. استمتعت بصحبته منذ طفولتي ولازلت أتفيَّأ بظلالها كلما تقدمت بالعمر. باستثناء الفجوة التي حصلت أثناء مراهقتي”.

غير أن علاقة Henry بطفليه كانت مختلفة، يقول: “كنت في طفولتي ملتصقًا بوالدي، أما طفلاي البالغان من العمر 6 و8 سنوات فهما ملتصقان ببعضهما البعض. ولقد اعتدت في طفولتي أن ألعب بالسيارات وبلعبة He-man مع والدي”، ويضيف Henry أن طفليه لا يرغبان باللعب معه معظم الأوقات: “يتذرعان أنني لا أجيد اللعب، كما أنهما لا يتوجهان إليَّ بالأسئلة التي اعتدت طرحها على والدي”.

قد تختلف درجة القرب قليلًا عن نتائج الأبحاث أخذًا بعين الاعتبار عدد الأطفال وترتيبهم وجنسهم. فمثلًا، وجدت الدراسة الصينية: “أن الأبوين كانا أكثر ميلًا لأطفالهم المماثلين لجنسهم”. كما أتضح أن البنات الوحيدات يحظين بفوائد أكبر من الأبناء. ومع ذلك، إذا ما ألقينا نظرة إجمالية على الدراسات التي أُجريت حتى يومنا هذا، نرى إجماعًا على العلاقة الوثيقة بين الطفل الوحيد وأبويه.

وتؤيد Shannon -38 عامًا- هذا الرأي فتقول: “أرى أن علاقتي بأمي علاقة فريدة من نوعها، فهي لم تنجح فقط في إنشاء أفضل صداقة معي بل أصبحت تعني لي كل شيء. لطالما تخطينا الصعاب معًا. مررنا بأوقات عصيبة عندما تزوجت أمي مرتين بعد والدي، ولكننا مترابطتان كعقدة كلما شدت أطرافنا الصِّعاب ازددنا تلاحمًا. بالتأكيد، لا يخلو الأمر من بعض الثغرات. رغم ذلك أتساءل أحيانًا ما معنى وجودي من دونها؟”.

ما المشاكل المحتملة للإفراط في القرب؟

إحدى أكبر المشكلات التي يقع في شراكها الآباء مع أبنائهم الوحيدين هي التعلق المفرط لدرجة يصعب فيها الانفكاك بين الطرفين. ففي مرحلة الطفولة، يضيّق القرب المفرط الخِناق على الطفل. وكلما تقدم في العمر يصعب إيجاد مسافة أمان والمحافظة عليها إلّا بشق الأنفس.

وعلى الرغم أن التقارب بين الابن ووالديه تكتنفه فوائد جمَّة؛ كالصداقة والدعم العاطفي والأمان، فإن التعلّق إذا زاد عن حدِّه ولم تتخلله مسافة أمان سيكون الانفكاك صعبًا على الطرفين.

تخبرنا Connie -64 عامًا وحيدة لوالديها ولها ابن وحفيد وحيدان- عن صعوبة انفصالها عن والديها: “إن الضرر الناجم عن القرب المفرط لا يقع فقط على الابن بل على الأبوين اللذين غالبًا ما يفشلان في الانخراط في اهتمامات وعلاقات خارج دائرة ابنهما، ولا يريان سوى ابنهما كوكبًا يدوران في فلكه. وأرى بأم عينيَّ كيف تعيد زوجة ابني الكرَّة مع حفيدي. هذا بالتحديد ما يجعلني أقلق على مصيره ومصيرها. حتمًا سيأتي ذلك اليوم الذي يحلِّق فيه حفيدي خارج السِّرب، وعندها ستدرك أن ابنها كان محط اهتمامها الوحيد”.

إن التعلق مشكلة لا تكاد تخلو منها عائلة على اختلاف عدد أفرادها. وتتسم العائلة المكونة من طفل واحد فقط بجذور عميقة تتغلغل في كافة الأفراد وتعود عليها بالنفع شريطة أن تتحرر العلاقة من الإفراط في القرب أو الاتكال أو الاحتواء الخانق، وطالما أن الأبوين يتجنبان ممارسة الضغط الدراسي على ابنهما.

ومع الإقبال المتزايد على دراسة (الطفل الوحيد) كموضوع للأبحاث، ومع غياب الصورة النمطية السلبية للوحيدين، سيبقى التركيز منصبًّا عل قوة العلاقة بين الابن ووالديه كأحد الفوارق القليلة المتبقية بين الطفل الوحيد وأقرانه غير الوحيدين.

  • ترجمة: آلاء نوفلي
  • تدقيق علمي ولغوي: حلا سليمان
  • المصادر: 1