يكمن جمال المعادلات المرمّزة في سهولة إدراك المسألة بلمحة بصر: كيف انتقلنا من الكلمات والصّور إلى التّفكير بصورة رمزيّة
لم تنتشر علامات + و-و = و× التي نعدّها من البديهيّات إلّا في القرن السّابع عشر. وهو ما يعني أنّ علماء الجبر الأوائل الذين عهدناهم… قاموا على الأغلب بالتّعبير عن معادلاتهم بالألفاظ أو الكلمات المصوّرة.
بالنّسبة للكثيرين، ستعيد فكرة الرّياضيّات إلى أذهانهم ساعات لا تنتهي من المعادلات والصّيغ في المدرسة. لذلك قد يبدو من الصّعب تخيّل ذلك، ولكن كان هناك وقت لم يكن فيه الحساب موجودًا.
بالطّبع، كانت ما تزال هناك حاجة إلى استخدام العمليّات الحسابيّة المعقّدة لحلّ المشكلات الواقعيّة، ولكن لم نبدأ في وضع أسس حلّ المعادلات إلّا بعد أن وضع محمد بن موسى الخوارزميّ، الذي يُطلق عليه “أبو الجبر”، أسس حلّ المعادلات لكي نبدأ بعدها بإرساء أسس الرّياضيّات الحديثة.
في هذا المقتطف من كتابها الجديد “المتّجه”: قصّة مدهشة عن المكان والزّمان والتّحوّل الرّياضيّ، تستكشف عالمة الرّياضيّات روبين أريانرود تطوّر لغة الرّياضيّات على مدار 4000 عام -من الأوصاف المعقّدة إلى الشّكل المرمّز الذي نعرفه اليوم.
تعلّم التّفكير بصيغة رمزيّة
كان الجبر جزءًا من الرّياضيّات منذ بدء تدوينها قبل ما يقارب 4000 سنة مضت، ولكن ليس دائمًا بالشّكل المرمّز الذي نتعلّمه اليوم. في الواقع، طوال معظم الألفيّات الأربعة تلك، كان الجبر مكتوبًا بالكامل بالكلمات والأرقام -على الرّغم من أنّ أعمالًا مثل كتاب إقليدس الشّهير “العناصر” الذي يعود تاريخه إلى 300 عام قبل الميلاد، تضمّنت أيضًا مخطّطات هندسيّة، للمساعدة في إثبات أشياء مثل نظريّة فيثاغورس، ولتوضيح كيفيّة توسيع المربّعات التي نكتبها اليوم على أنّها:
(a+b)^2
لذلك تمّ التّعبير عن “الجبر” في مسائل كلاميّة مضنية أو رسوم بيانيّة معقّدة بشكل متزايد-على الرّغم من أنّ الهندسة كانت لها مزاياها. على سبيل المثال، إنّها أسهل طريقة لإثبات نظريّة فيثاغورس. في الشّكل 1.1، قدّمت صيغة جبريّة لمثل هذا البرهان، على الرّغم من أنّ القدماء أعادوا ببساطة ترتيب الشّكل ليبيّنوا بصريًا أنّ المساحة المظلّلة تساوي مجموع مساحتي المربّعين على ضلعي المثلّث المتجاورين-وهي طريقة تتّصف بالذّكاء!
استغرق الجبر وقتًا طويلًا لينبثق عن علم الحساب والهندسة كمادّة منفصلة. بل أنّه لم يحصل على اسمه حتّى القرون الوسطى، ويعود الفضل في ذلك إلى عالم الرّياضيّات الفارسيّ محمد بن موسى الخوارزميّ الذي عاش في القرن التّاسع الميلاديّ، والذي درس في جامعة الخليفة المأمون الرّائدة التي كان مقرّها بغداد، والمعروفة باسم “بيت الحكمة”، إبّان حركة التّرجمة العربيّة العظيمة والتي كانت في أوجها: حيث كان يتمّ جمع المخطوطات الإغريقيّة والهنديّة وسواهما من المخطوطات القديمة من شتّى بقاع الإمبراطوريّة الإسلاميّة المزدهرة وتجري ترجمتها إلى اللّغة العربيّة.
من النّادر أن تتّسم الإمبرياليّة بالأخلاقيّة وغالبًا ما تكون عنيفة، إلَّا أنّها قادرة على أن تؤدّي إلى تلاقح الثّقافات في نهاية المطاف، في هذه الحالة كانت حركة التّرجمة ذات النّظرة الثّاقبة هامّة للغاية لدرجة أنّه بحلول القرن الثّاني عشر كان الأوروبيّون يتعلّمون اللّغة العربيّة من أجل ترجمة هذه المخطوطات إلى اللّاتينيّة-بما في ذلك كتاب “المجسطي” لبطليموس و”العناصر” لإقليدس، إلى جانب أعمال عربيّة مستجدّة مثل أعمال الخوارزميّ. وقد اشتهر اسم “الجبر” من الكلمة الأولى في عنوان كتابه “الجبر والمقابلة” -والتي تعني “كتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة”.
وانطلاقًا من المسائل التي أوردها الخوارزميّ، فإنّ أحد الأمثلة على ما قصده ب “الإكمال” هو “إكمال المربّع”، وهي الطّريقة التي ربّما تعلّمتها في المدرسة لحلّ المعادلات التّربيعيّة.
- ترجمة: الأيهم عبد الحميد
- تدقيق علمي ولغوي: ريمة جبارة
- المصادر: 1