ماذا يمكن أن يخبرنا الذكاء الاصطناعي عن بداية الكون؟

في اللحظات الأولى التي أعقبت الانفجار العظيم كان الكون مكانًا مختلفًا، ساخنًا وكثيفًا، وكان موجودًا على شكل بلازما، أو غاز مؤين، مكون من كواركات وغلوونات -اللبنات الأساسية للمادة. في بلازما الكوارك أو الغلون هذه، تتحرر الجسيمات الأولية من جاذبيتها القوية لبعضها البعض وتوجد في صورة فوضى متشابكة مرتفعة الحرارة من الجسيمات الكمومية.

بينما يحلم العلماء منذ فترة طويلة بإعادة إنشاء هذه الظروف للمساعدة في الإجابة عن أسئلة حول بداية الكون، فإن القيام بذلك في المختبرات على الأرض يتطلب كميات هائلة من الطاقة ومسرعات الجسيمات القوية، مثل تلك الموجودة في CERN (المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية). على الرغم من وجود مجال بحثي مثير، إلا أن قدراتنا لا تزال محدودة، ولا تزال التجارب بحاجة إلى الكمال. لذلك يتجه الباحثون إلى الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي للمساعدة في سد الثغرات.

أوضح أندرياس إيب، الأستاذ المساعد في TU Wien (فيينا) ومؤلف دراسة حديثة نُشرت في رسائل المراجعة المادية، في رسالة بريد إلكتروني إلى ASN: «في دراستنا، حصلنا على بيانات من عمليات محاكاة التصادمات عالية الطاقة التي تخلق ظروفًا مماثلة لتلك التي كانت موجودة بعد فترة وجيزة من الانفجار العظيم».

كما أوضح ديفيد آي مولر، أحد مؤلفي الدراسة: «تتكون الذرات من البروتونات والنيوترونات والإلكترونات». تتكون البروتونات والنيوترونات نفسها من مكونات أصغر: كواركات وغلوونات، وهي المسؤولة عن القوة النووية التي تحافظ على البروتونات داخل النوى معًا.

وأضاف: «إذا أصبحت الطاقة عالية بما فيه الكفاية، فإن البروتونات والنيوترونات داخل نوى الذرة نفسها تتفكك وتتحرر الكواركات والغلوونات لتشكيل بلازما كوارك-غلوون». «هذه الحالة من المادة سادت في بداية الكون، فقط بضعة ميكروثانية (أي واحد من المليون من الثانية) بعد الانفجار العظيم».

على مدى السنوات العديدة الماضية، طور Ipp وفريقه الكود الخاص بهم لمحاكاة تصادمات الأيونات الثقيلة التي شكلت بلازما الكوارك-غلوون بشكل أفضل. وضع نموذج لحساء الجسيمات عالية الطاقة يعد أمرًا معقدًا للغاية ويتطلب قدرًا مهولًا من قوة الحوسبة والوقت. يقول إيب إن الخوارزميات الحالية ليست على مستوى المهمة. وأوضح: «لقد قدرنا أنه حتى الكمبيوتر العملاق الحالي يمكن أن يقضي بسهولة مئات السنين في محاكاة حدث تصادم واقعي». «هذا بالطبع غير ممكن، لذا علينا البحث عن طرق أخرى للتوصل لنتائجنا».

يتضمن نهجهم المحوسب الجديد شبكة عصبية اصطناعية، توفر طريقة لاستخراج المعلومات ذات الصلة تلقائيًا بكميات كبيرة من البيانات، مثل مهام التعرف على الصور. قال دانيال شوه، الحاصل على درجة الدكتوراه: «تعالج الخلايا العصبية الفردية في الدماغ جزءًا صغيرًا فقط من بيانات الإدخال». وصرح طالب في مجموعة Ipp قائلًا: «تأتي قوة الشبكات من ربط هذه الخلايا العصبية في عدة طبقات وتدريبها على البيانات».

ومع ذلك، فإن مجرد تطبيق شبكة عصبية تقليدية على معضلة محاكاة بلازما الكوارك-غلوون يصبح معقدًا كالرياضيات المستخدمة لوصف أو محاكاة كل جسيم ويمكن تمثيل القوى بينهما بعدة طرق. لكن الباحثين توصلوا إلى حل، كما أوضح إيب: «في نظامنا، أدخلنا مقياس التماثل».

أوضح ماتيو فافوني، طالب دكتوراه آخر في مجموعة أبحاث Ipp: «هذه درجات تحرر الأنظمة الفيزيائية، والتي لا يمكن ملاحظتها بشكل مباشر، ولكنها تلعب دورًا مهمًا في الصياغة الرياضية للجسيمات الأولية في الفيزياء». «يمكن للمرء أن يفكر فيها كتبيان للتكافؤ بين الأوصاف المختلفة الممكنة لنفس الحالة المادية».

إن امتلاك شبكة عصبية تقليدية تتعلم اكتشاف تماثلات القياس سيكون أمرًا صعبًا للغاية ويستغرق وقتًا طويلاً، ما يؤدي إلى تعثر النظام. لذلك من الأفضل تصميم هيكل شبكة بحيث تُؤخذ بالفعل مقاييس التماثل في الاعتبار. قال مولر في بيان: «لذا فإن التمثيلات المختلفة للحالة الفيزيائية نفسها تنتج أيضًا الإشارات نفسها في الشبكة العصبية». «هذا هو بالضبط ما نجحنا في فعله الآن: لقد طورنا طبقات شبكة جديدة تمامًا تأخذ تلقائيًا مقياس الثبات في الاعتبار».

أشارت Ipp إلى أنه سيمضي بعض الوقت قبل أن تتمكن شبكتهم من محاكاة اصطدام الجسيمات بالكامل، مثل تلك التي أُجريت في CERN. ومع ذلك، يوفر هذا أداة جديدة وقوية لاستكشاف أسرار كوننا بشكل أفضل.

قال إيب: «حتى الآن، يمكننا حل الخطوة الأولى لتشكيل طبقات الشبكة العصبية الضرورية». «يمكننا أن نثبت، في بعض الحالات، أن هذه أفضل بكثير من طبقات الشبكة العصبية التقليدية إذا طُبقت على البيانات التي تمتلك مقياس تناظر. سنحتاج إلى مزيد من البحث لتطبيق هذه الشبكات على أنظمة أكبر. حتى لو استغرق هذا الأمر بضع سنوات، فستظل لدينا نتائج أسرع بكثير من عمليات المحاكاة التقليدية عبر حاسوب عملاق».

  • ترجمة: عبير زبون
  • تدقيق علمي ولغوي: نور الحاج علي
  • المصادر: 1