تطورفيزيائي يتنبأ بموعد وصول العالم إلى نقطة الخطر
تبعًا للأسطورة الشهيرة، فإن مجموعات اللاموس أو اليرانب القطبية (نوع من القوارض) تهرب أحيانًا من المنحدرات إلى حتفها الجماعي.
تخيل أنك أحد هذه القوارض: تنضم إلى رفاقك فَرِحًا في يوم مشمس لتسلق الجبل تحت سماء صافية، وتتجول عبر العشب والأوساخ والصخور، سعيدًا بوجودك بين الأصدقاء، حتى تندفع فجأةً في الهواء السريع ويصبح كل شيء أسود.
إن حافة الهاوية هي ما يسميه العلماء “النقطة الحرجة”، وهي النقطة التي يتحول عندها سلوك نظام معين (مثل مجموعة من اللاموس) فجأةً من حالة من نوع محدد (كالجري بسعادة) إلى حالة من نوع مختلف تمامًا (كالهبوط)، وغالبًا ما تكون النتائج كارثية.
في الواقع، لا يقفز اللاموس من فوق المنحدرات، ولكن العديد من الأنظمة في العالم الحقيقي تشهد نقاطًا حرجةً وكوارث مفاجئة، مثل انهيار سوق الأوراق المالية، وفشل شبكات الطاقة، ونقاط التحول في أنظمة المناخ والنظم البيئية.
إن النقاط الحرجة ليست بالضرورة نقاطًا حقيقية في المكان أو الزمان. فقد تكون قيمًا لبعض العوامل المتغيرة في النظام، مثل ثقة المستثمرين، أو درجة حرارة البيئة، أو طلب طاقة كهربائية، وكلها تشير إلى الانتقال إلى حالة من عدم الاستقرار.
هل نستطيع أن نحدد متى يقترب نظام ما من حافة الهاوية، وربما نتخذ الإجراءات اللازمة لمنعه من السقوط في الهاوية؟ ما الذي يمكننا قياسه فيما يتصل بسوق الأسهم أو النظام البيئي الذي قد يساعدنا في التنبؤ بمدى بعده عن هذه النقطة الحرجة؟
لقد قمنا بتطوير طريقة جديدة للقيام بهذا الأمر على وجه التحديد في أنظمة العالم الحقيقي. وقد نُشِر عملنا هذا الأسبوع من آب/أغسطس 2024 في مجلة Physical Review X.
كيف تعرف أنك قريب من نقطة الخطر؟
لقد أظهرت دراسات سابقة أن الأنظمة تميل إلى التباطؤ وتصبح أكثر تقلبًا بالقرب من النقاط الحرجة. ففي سوق الأسهم، على سبيل المثال، قد يعني هذا أن أسعار الأسهم تتغير بسرعة أقل وتُظهر فروقًا أكبر بين أعلى وأدنى مستوياتها الأسبوعية.
ولكن هذه المؤشرات لا تعمل عندما تكون الأنظمة مشوشة أو مكتظة، وهذا يعني أننا لا نستطيع قياس ما تفعله هذه الأنظمة بدقة. إذ إن العديد من الأنظمة الحقيقية تحتوي على تشويش عالٍ للغاية.
ولكن، هل هناك مؤشرات تعمل في الأنظمة الواقعية؟ لمعرفة ذلك، بحثنا في أكثر من 7,000 طريقة مختلفة على أمل العثور على طريقة قوية بما يكفي للعمل بشكل جيد، حتى عند وجود الكثير من الضوضاء في النظام.
لقد وجدنا بعض الإبر في كومة القش التي جمعناها: وعي عبارة عن مجموعة من الأساليب التي نجحت بشكل مدهش في حل هذه المشكلة الصعبة للغاية. واستنادًا إلى هذه الأساليب، صغنا وصفة جديدة بسيطة للتنبؤ بنقاط الخطر.
لقد أطلقنا عليها اسمًا رائعًا مناسبًا: RAD، وهذا الاختصار يعود للمصطلح الغريب “Rescaled AutoDensity”.
هل يستخدم الدماغ النقاط الحرجة لأشياء جيدة؟
لقد قمنا بالتحقق من صحة طريقتنا الجديدة على تسجيلات معقدة لنشاط الدماغ لدى الفئران بشكل مذهل.
ولنكون أكثر تحديدًا، نظرنا إلى النشاط في مناطق الدماغ المسؤولة عن تفسير ما يراه الفأر. فعندما تنطلق إشارة من إحدى الخلايا العصبية، قد تلتقط الخلايا العصبية المجاورة تلك الإشارة وتنقلها، أو قد تتركها تموت. وعندما تُضخَّم الإشارة بواسطة الخلايا العصبية المجاورة، يكون لها تأثير أكبر، ولكن إذا ضُخّمت كثيرًا، قد تتجاوز النقطة الحرجة مؤديةً إلى ردود فعل قاتلة، الأمر الذي قد يسبب نوبة.
لقد كشفت طريقة RAD الخاصة بنا أن نشاط الدماغ لديه علامات أقوى على الاقتراب من النقطة الحرجة في بعض المناطق أكثر من غيرها. على وجه الخصوص، تعمل المناطق ذات الوظائف الأكثر بساطة وسهولة (مثل حجم واتجاه الأشياء في الصورة) بعيدًا عن نقطة حرجة مقارنةً بالمناطق ذات الوظائف الأكثر تعقيدًا.
وهذا يشير إلى أن الدماغ ربما تطوّر لاستخدام النقاط الحرجة لدعم قدراته الحسابية الرائعة.
من المنطقي أن يكون البقاء بعيدًا جدًا عن نقطة حرجة (مثل حيوانات اللاموس الآمنة بعيدًا عن المنحدر) من شأنه أن يجعل النشاط العصبي مستقرًا للغاية. ومن شأن الاستقرار أن يدعم المعالجة الفعّالة والموثوقة للسمات البصرية الأساسية.
لكن تشير نتائجنا أيضًا إلى وجود ميزة للجلوس على مقربة من المنحدر، أي على حافة النقطة الحرجة. فقد تتمتع مناطق الدماغ في هذه الحالة بذاكرة أطول لدعم الحسابات الأكثر تعقيدًا، مثل تلك المطلوبة لفهم المعنى الإجمالي للصورة.
الدليل الأفضل للنقاط الحرجة
إن فكرة الأنظمة التي تقترب من نقطة حرجة أو تبتعد عنها تظهر في العديد من التطبيقات المهمة، من التمويل إلى الطب. ويقدم عملنا طريقة أفضل لفهم مثل هذه الأنظمة، واكتشاف متى قد تظهر عليها تغيرات مفاجئة وكارثية في كثير من الأحيان.
ويمكن استخدام ذلك لفتح الباب أمام كل أنواع الاختراقات المستقبلية: من تحذير الأفراد المصابين بالصرع من النوبات الوشيكة، إلى المساعدة في التنبؤ بالانهيار المالي الوشيك.
- ترجمة: حلا عمران
- تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
- المصادر: 1