هل سجل رواد فضاء مركبة بوينج ستارلاينر رقمًا قياسيًا جديدًا بإمضائهم 240 يومًا على الأقل عالقين في الفضاء؟

سيقضي رائدا الفضاء التابعان لناسا، بوتش ويلمور وسونيتا ويليامز، ثمانية أشهر متتالية على الأقل على متن محطة الفضاء الدولية، وذلك في انتظار عودة مركبة بوينج ستارلاينر فارغة إلى الأرض. فهل هذه المدة الطويلة رقم قياسي جديد في رحلات الفضاء؟

أعلنت وكالة ناسا يوم السبت (24 أغسطس/آب) عن تأخر عودة رائدي الفضاء بوتش ويلمور وسونيتا ويليامز من محطة الفضاء الدولية. فبدلًا من العودة المخطط لها في غضون ثمانية أيام، لن تتمكن المركبة من الهبوط على الأرض قبل فبراير/شباط 2025 على الأقل.

لا يوجد تاريخ مؤكد لرحلة العودة التي ستستبدل مركبة بوينج ستارلاينر المعطلة، التي استقلها الطاقم للوصول إلى المحطة الفضائية الدولية، بمركبة سبيس إكس. ومع ذلك، في أفضل السيناريوهات، أي -إذا عادت المركبة في أوائل فبراير/شباط، فستصل الفترة التي قضاها طاقم ستارلاينر في الفضاء إلى ما لا يقل عن 240 يومًا متتاليًا منذ إطلاق المركبة في 5 يونيو/حزيران 2024. وإذا تأجل الانطلاق حتى مارس/آذار فقد يرتفع هذا الرقم إلى نحو 270 يومًا.

قد يبدو قضاء ثمانية أشهر متتالية في الفضاء وقتاً طويلاً، لكنه ليس رقماً قياسياً جديداً. يقضي رواد الفضاء عادةً ستة أشهر في المتوسط على متن المحطة الفضاء الدولية، حيث يجريون تجارب ويقومون بصيانة المحطة قبل العودة إلى الأرض، وفقًا لما ذكره موقع سبيس دوت كوم الشقيق لموقع لايف ساينس، ومع ذلك، يمكن أن تمتد المهام لعدة أشهر إضافية لأسباب متنوعة، بما في ذلك التجارب طويلة الأمد والحوادث غير المتوقعة.

من هو الشخص الذي أمضى أطول فترة في الفضاء؟

حطم رائد الفضاء فرانك روبيو الرقم القياسي لأطول فترة قضاها أمريكي في الفضاء، إذ أمضى 371 يومًا متواصلة على متن محطة الفضاء الدولية بين عامي 2022 و2023.

كان من المقرر أن يعود رائد الفضاء فرانك روبيو إلى الأرض في مارس/آذار 2023. إلا أن خطط العودة تغيرت بشكل جذري بعد أن تعرضت مركبة سويوز الروسية-التي كان من المفترض أن تنقله- لصدمة نيزكية في ديسمبر/كانون الأول 2022. أدى هذا التصادم إلى أضرار بالغة في المركبة، مما أجبر روبيو وزميليه الروسيين على تمديد إقامتهم في محطة الفضاء الدولية ستة أشهر إضافية لحين وصول مركبة بديلة.

على الرغم من أن رائدي الفضاء بروكوبييف وبيتيلين قضيا أيضاً 371 يومًا متتاليًا في الفضاء، إلا أنهما لم يحطما أي أرقام قياسية روسية. فرائد الفضاء فاليري بولياكوف – الذي يحمل الرقم القياسي لأطول فترة متتالية يقضيها أي إنسان في الفضاء – عمل على متن محطة مير الفضائية الروسية التي أُلغيت مهمتها الآن- مدة 437 يومًا أي أكثر من 14 شهرًا، وذلك من يناير/كانون الثاني 1994 إلى مارس /آذار 1995. وقد تطوع بولياكوف لهذه المهمة كجزء من دراسة حول آثار الرحلات الفضائية طويلة الأمد على صحة الإنسان.

ومن بين الإقامات الطويلة الأخرى في الفضاء، نذكر إقامة رائدة الفضاء الأمريكية كريستينا كوتش لمدة 328 يومًا على متن محطة الفضاء الدولية، وذلك من مارس /آذار2019 إلى فبراير/شباط 2020، وهي أطول رحلة فضائية فردية قامت بها امرأة. كما قضى رائد الفضاء الأمريكي سكوت كيلي 340 يومًا في الفضاء من مارس/آذار 2015 إلى مارس/آذار 2016.

كيف يؤثر الفضاء على جسم الإنسان؟

قدمت إقامة سكوت كيلي مدة 340 يومًا على متن محطة الفضاء الدولية رؤى قيّمة حول تأثيرات الرحلات الفضائية على صحة الإنسان.

كانت رحلة كيلي الفضائية الطويلة – التي حطمت الأرقام القياسية في ذلك الوقت ولكن جرى تجاوزها عدة مرات الآن – جزءًا من دراسة التوائم الرائدة التي أجرتها ناسا، والتي قارنت الصحة البدنية والعقلية لكيلي قبل وبعد رحلته الفضائية بصحة أخيه التوءم المتطابق مارك كيلي، وهو رائد فضاء متقاعد وعضو حالي في مجلس الشيوخ الأمريكي، الذي بقي على الأرض خلال فترة وجود أخيه في المدار.

كشفت دراسة التوائم أن رواد الفضاء يختبرون عددًا من التغييرات في أثناء الإقامات الطويلة في المدار، بما في ذلك التغييرات في التعبير الجيني، ووزن الجسم، وتكوين بكتيريا الأمعاء. وقد أضافت هذه الدراسة إلى مجموعة الأبحاث التي لا تزال في طور النمو، والتي تُظهر أن رواد الفضاء الذين يقضون فترات طويلة في حالة انعدام الجاذبية قد يعانون أيضًا من تأثيرات صحية قصيرة المدى مثل ضمور في العضلات والعظام، ومشاكل الرؤية، وانخفاض المناعة، وزيادة خطر الجلطات الدموية والالتهاب، وتلف الحمض النووي. وقد وجد الباحثون أن معظم هذه التغييرات تعود إلى طبيعتها بعد ستة أشهر من العودة إلى الأرض. ومع ذلك، فإن دراسة الرحلات الفضائية على صحة الإنسان لا تزال في بدايتها.

وتؤكد الأبحاث السابقة أن الإقامة الطويلة في الفضاء قد تؤدي إلى تغيرات جسدية ونفسية مؤقتة. ومن المتوقع أن يختبر رائدا الفضاء ويليامز وويلمور بعضًا من هذه التغييرات خلال الأشهر القادمة، والتي قد تشمل تأثيرات على الصحة العقلية نتيجة للعزلة والروتين المتكرر.

ولكن إقامتهما الطويلة في الفضاء ليست فريدة من نوعها على الإطلاق – وهي أكثر أمانًا بكثير من إرسال الثنائي إلى المنزل على متن مركبة فضائية تعاني من مشكلات تقنية لم تُحَل.

تسربت مركبة ستارلاينر عدة مرات في طريقها إلى محطة الفضاء الدولية في يونيو/حزيران، وأظهرت مشكلات في بعض محركاتها الصغيرة. رست المركبة بأمان مع المحطة الفضائية، لكن شهورًا من الاختبارات لم تتمكن من حل المشكلات بشكل قاطع. في 24 أغسطس/آب، أعلن مسؤولون من ناسا أنه لمصلحة السلامة، ستنفصل ستارلاينر عن محطة الفضاء الدولية دون طاقم في أوائل سبتمبر/أيلول، مرسلة إياها إلى الأرض فارغة بينما ينتظر ويليامز وويلمور رحلة عودتهما في عام 2025.

تنويه من المحرر: حُدّث هذا المقال بتاريخ 27 أغسطس/آب لتصحيح خطأ ورد فيه حول تسرب كميات من الهيدروجين في مركبة ستارلاينر. الصحيح هو أن التسرب كان للهيليوم.

  • ترجمة: ماسه فؤاد كريم
  • المصادر: 1