
كيف يُجدّد الدماغ نفسه ليلًا؟
أثناء الليل وبينما أنت غارق في النوم، وتحلم بكل الأشياء الغريبة والرائعة، يعتقد العلماء أن عقلك يمر بدورة تطهير لطيفة يتخلص من خلالها من المنتجات الثانوية السامة الناتجة عن التفكير الشاق طيلة اليوم، استعدادًا ليوم جديد من التفكير المستقبلي.
لكن إلى الآن، لم توصف تلك الآليات الكامنة وراء نظام التطهير العصبي بالتفصيل.
ففي أثناء سعيهم لذلك، طبّق باحثون من جامعة كوبنهاجن مجموعة من التقنيات لرسم خريطة للارتفاع والانخفاض الدقيق للناقلات العصبية، وكذلك حجم الدم والسائل النخاعي أثناء النشاط اليومي للفئران.
هذه النتائج لا تساعد على فهم أفضل لكيفية تجديد الدماغ نفسه أثناء الليل فحسب، بل تكشف أيضًا عن الجانب السلبي المفاجئ لعقاقير النوم الشائعة مثل Ambien أمبيان.
يمكن تشبيه هذه العملية البيولوجية ب “شبكة صرف صحي” في الدماغ، ويشار إليها تقنيًا باسم النظام الجليمفاوي، وهو نظام للدماغ يتكون من قنوات مائية ومسام لتنظيف الدماغ من السموم، ويحافظ على معدل السوائل، ويلعب دورًا مهمًا في الوقاية من الخرف وأمراض الدماغ. ويعد هذا النظام حداثة تشريحية في كثير من النواحي، ولم يُتَعرّف عليه إلا في الفئران منذ ما يزيد على عقد من الزمن.
لقد قامت التحقيقات الجارية منذ ذلك الحين برسم خريطة للشبكة الموجودة في أدمغة الإنسان، وكشفت أن النظام الجليمفاوي يسحب السائل النخاعي عميقًا داخل الدماغ لحمل المواد التي قد تسبب ضررًا بتركيزات عالية، واتضح أيضًا أن بعض هذه النفايات مرتبطة بمرض الزهايمر.
كما تساعد عملية “إزالة الصرف الصحي” هذه على توازن مستويات الماء عبر الدماغ، وتسهل وصول عوامل المرض التي يحتمل أن تكون خطرة إلى جهاز المناعة، وتساعد أيضًا في توصيل إمدادات الطاقة لتغذية أكثر الأماكن حاجةً إليها.
تشير الدراسات حول كيفية إخراج الدماغ المواد إلى نظام إزالة النفايات لتُغسل بشكل إيقاعي وتُزال بشكل جماعي إلى أنماط موجات الدماغ المنسقة بواسطة الخلايا العصبية. ولكن اعتماد الباحثين عادةً على نماذج حيوانية مخدرة يترك أسئلة حول كيفية إدارة دورة النوم واليقظة التي تحدث بشكل طبيعي لنظامها الجليمفاوي.
علاوةً على ذلك، بدأ البعض في تحدي بعض الافتراضات الأساسية لهذه العملية، مثل ما إذا كانت حقًا تمرينًا يعتمد على النوم بشكل مطلق.
إذ يقول مايكين نيدرجارد، مؤلف ومدير مشارك لمركز الطب العصبي الانتقالي بجامعة روتشستر: «كان الدافع وراء هذا البحث التوصل إلى فهم أفضل لمحفز التدفق الجليمفاوي أثناء النوم، والأفكار المستقاة من هذه الدراسة لها آثار واسعة النطاق لفهم مكونات النوم التصالحي».
لتتبع عملية غسل الدماغ وصولًا إلى جذورها الفسيولوجية، طوّر الباحثون طريقةً جديدة لزراعة الألياف الضوئية، الأمر الذي سمح لهم بتسجيل ديناميكيات السوائل من خلال أدمغة الفئران بينما كانت الحيوانات تتجول بحُرّيّة نسبيًا في أقفاصها.
ومن خلال وضع علامة على الناقل العصبي نورإبينفرين واستخدام زرع الألياف البصرية لتنشيط الجينات الحساسة للضوء المهندسة في أنسجة دماغ الحيوان، تمكن الفريق من مراقبة وتجربة التقلبات في إزالة النفايات أثناء نوم الفئران وأثناء استيقاظها.
لقد دعم عمل الباحثين هذا دراسات سابقة أظهرت أن النورإبينفرين يتسبب في انقباض الأوعية الدموية بشكل إيقاعي على مدار نبضات تدوم نحو 50 ثانية، يليها تذبذب طفيف في حجم الدم في جميع أنحاء الدماغ.
وكانت هذه العلاقة بين تقلبات الناقلات العصبية وتغير حجم الدم أكثر وضوحًا عندما كانت الفئران في حالة نوم غير حالمة مقارنةً باليقظة أو في مرحلة الحلم.
إضافةً إلى ذلك، فقد أثبت الباحثون تجريبيًا أن هذه النبضات تدفع في الواقع النظام الجليمفاوي إلى اختراق الدماغ بشكل أكبر، مما يؤكد الدور الذي يلعبه النوم العميق في التخلص من القمامة التي خلفها التفكير الشاق طوال اليوم.
تقول المؤلفة الأولى للدراسة عالمة الأعصاب ناتالي هوجلوند: «ترسم هذه النتائج، جنبًا إلى جنب مع ما نعرفه عن الجهاز الجليمفاوي، الصورة الكاملة للديناميكيات داخل الدماغ، إذ كانت هذه الموجات البطيئة، والاستيقاظ الجزئي، والنورإبينفرين هي الحلقة المفقودة».
ولن يكون أي نوم عميق كافيًا أيضًا. فقد اختبر الباحثون تأثير الأدوية المساعدة على النوم مثل Zolpidem، التي تباع تحت اسم Ambien، والتي يمكن أن تغير مراحل النوم، على عملية التنظيف، ووُجد أنه يُقلّل من التذبذبات ويعوق قدرة السائل النخاعي على شق طريقه إلى أعماق الدماغ.
ستعتمد ترجمة هذا العمل إلى البشر على المزيد من التجارب، على الرغم من أنه رهان آمن أن أدمغتنا تتصرف بطرق مماثلة نسبيًا.
هذا لا يعني أن أدوية النوم ليس لها مكانتها، على الرغم من أن معرفة أنها تأتي مع تكلفة محتملة لقدرتنا على التخلص من القصاصات العصبية اليومية قد تؤثر على القرارات المستقبلية بشأن أفضل الطرق للحفاظ على صحة أدمغتنا.
- ترجمة: رجاء الغيثي
- تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
- المصادر: 1