“انعدام القدرة على التخيّل” سببه خلل في الروابط الدماغية

كشفت دراسة حديثة أن الأفانتازيا (اضطراب التخيّل) هي انعدام قدرة المصابين به على التخيّل وتشكيل الصور العقلية، ورغم هذا الضعف، فإن المخططات العصبية لتلك الصور قد تكون مخفية في أدمغتهم.

أظهرت دراسة نُشرت في صحيفة “كرنت بيولوجي” في 10 يناير/كانون الثاني أدلة أولية لأدمغة أشخاص يعانون من هذا الاضطراب، إذ كانت تنشط كما لو أنها تولد صورًا ذهنية في القشرة البصرية الأولية، وهي الجزء الرئيسي المسؤول عن معالجة المعلومات البصرية.

وربما تفقد هذه الإشارات قدرتها على التواصل قبل الوصول إلى الوعي.

أشارت الدراسة الجديدة إلى أن الإشارة “تلتوي أو تتمدد” قبل أن يصل المصاب لمرحلة فقدان التخيّل (الأفانتازيا)، كما قال الأستاذ جويل بيرسون، المؤلف المشارك في الدراسة وأستاذ علم النفس في جامعة نيو ساوث ويلز في أستراليا، لموقع “ليف ساينس”: “لم نتمكن من معرفة الفرق بناءً على هذه البيانات، لكننا ندرك أن الاختلاف كافٍ لحدوث ذلك”.

تُضاف هذه النتائج إلى الأدلة الوفيرة من مصابي الأفانتازيا، إذ قالت نادين ديجكسترا، باحثة أولى في مركز “ويلكوم” لتصوير الأعصاب البشرية في جامعة كوليدج لندن، وهي غير مشاركة في الدراسة، في بريد إلكتروني ل”ليف ساينس”: “يبدو أن استخدام القشرة البصرية لدى المصابين بالأفانتازيا أثناء محاولتهم التخيّل يختلف عن غير المصابين”.

أجرى بيرسون وزملاؤه الدراسة على 14 شخصًا يعانون من الأفانتازيا و18 شخصًا لا يعانون منها، واستخدم الفريق حيلة أطلقوا عليها “التنافس الثنائي”، التي تتضمن عرض نمطين مخططين بألوان متباينة أمام أعين المشاركين.

ولأن الدماغ يدمج باستمرار المعلومات البصرية القادمة من العينين اليسرى واليمنى لتشكيل صورة واحدة متماسكة، لا يستطيع معالجة التنافس الثنائي بالكامل. وتؤدي محاولته لمعالجة الأنماط المخططة المعروضة أمامه إلى حدوث وهم بصري تتقلّب فيه الصورتان، فتسيطر إحداهما لبضع ثوانٍ قبل ظهور الأخرى.

عندما طُلب من المشاركين غير المصابين بالأفانتازيا التفكير في أحد النمطين المخططين، أثر ذلك في الصورة التي يدركونها أولًا.

أما الذين يعانون من الأفانتازيا، فمن غير المرجح أن يتأثروا بهذا التحيّز.

وأوضح بيرسون: “كلما كانت الصورة الخيالية أقوى، زادت احتمالية تأثيرها في ما يرونه من نمط التنافس الثنائي”.

قدّم بيرسون وزملاؤه في دراسة سابقة هذه التقنية كطريقة لاختبار وجود اضطراب الأفانتازيا.

وأشارت ديجكسترا إلى أن هذه الطريقة ليست مجرد استبيان ملء وحسب، بل هي أكثر من ذلك، مما يجعلها نقطة قوة في الدراسة الجديدة.

لدراسة النشاط الدماغي للمشاركين في الدراسة، استخدم الفريق التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، الذي يتتبع أثر تدفق الدم المؤكسج داخل الدماغ.

يشير زيادة تدفق الدم في منطقة معينة في الدماغ إلى نشاط أكبر في تلك المنطقة.

وجد العلماء أن كل من المشاركين المصابين بالأفانتازيا وغير المصابين أظهروا زيادة في نشاط القشرة البصرية الأولية أثناء التجربة.

لوحظ النشاط الدماغي عند المشاركين عندما طُلب منهم النظر إلى النمطين المخطّطين، وهي حالة تُسمى “الإدراك”، وعندما طُلب منهم أن يتصوروهما، وهي حالة تُسمى “التخيّل”.

لكن المصابين بالأفانتازيا أظهروا انخفاضًا طفيفًا في نشاط الدماغ أثناء حالة الإدراك، قال بيرسون: “وهذا يُظهر وجود مستوى مختلف من المعالجة أو نوع مختلف من المعالجة لدى المصابين، وقد ظهرت هذه الفروقات عندما طُلب منهم النظر إلى الصورة مباشرة”.

وأضاف: “وجدنا أيضًا اكتشافًا مذهلًا. عمليًا، تُعالج الأنماط التي تظهر في الجانب الأيمن من مجال الرؤية لدى الشخص في الجانب الأيسر من الدماغ، والعكس صحيح. إلا أن العكس يظهر بشكل أكثر وضوحًا لدى الذين يعانون من الأفانتازيا، مما يشير إلى أنهم قد يملكون توصيلات دماغية مختلفة تمامًا”.

لمزيد من التعمق، درب العلماء خوارزميات حاسوبية للتعرف على النشاط الدماغي، الذي تبيّن خلال هذه التجارب، واستنتجت الخوارزميات بدقة استنادًا إلى النشاط الدماغي وحده الأنماط البصرية للمشاركين التي كانوا يدركونها أو يحاولون تخيلها.

ونجح هذا العمل مع المجموعتين، قال بيرسون: “يشير ذلك إلى وجود إشارة دقيقة في ذلك الجزء من الدماغ، أي القشرة البصرية الأولية، وهي إشارة تصويرية حتى لدى المصابين بالأفانتازيا”.

ثم اختبر العلماء قدرة الخوارزميات على فك تشفير الإشارات بشكل متقطع.

باختصار، ما مدى تطابق النشاط الدماغي أثناء حالة الإدراك مع النشاط الناتج في حالة التخيّل؟

كانت الإشارات لدى المصابين بالأفانتازيا متشابهة جدًا.

قال بيرسون: “في الواقع، تخلط الخوارزميات بين الحالتين بسبب التداخلات في الدماغ، لكن عند المصابين بالأفانتازيا، لم تتمكن الخوارزميات من فك التشفير المتقطع”، وهذا يعني أن المعالجة لديهم مختلفة كليًا عن غيرهم.

إلا أن هذه النتائج لم تفسر لماذا لا يتمكن المصابون بالأفانتازيا من تخيل الصور في عقلهم الواعي، رغم أن خلاياهم الدماغية تطلق الإشارات.

لذا يخطط بيرسون لإجراء اختبارات أخرى للإجابة على هذا السؤال.

وتابع بيرسون: “إنه كلغز جريمة قتل أو شيء من هذا القبيل، أنا أعشق أبحاثًا كهذه، ويجب أن أعرف ما الذي يحدث في القشرة البصرية، وما الذي يجعلها غير واعية؟”.

وقد نبّهت ديجكسترا إلى أن هذه الدراسة محدودة ونتائجها قد تكون متناقضة قليلًا مقارنةً بدراسات أخرى في هذا المجال.

واستمرت بالقول: “جميع الدراسات توصّلت إلى أن القشرة البصرية تعمل بشكل مغاير لدى المصابين بالأفانتازيا، وذلك قد يفسر غياب الصورة الواعية، إلا أن هذه الدراسة جديدة في هذا المجال، ولا تزال هناك العديد من إشارات الاستفهام حولها”.

  • ترجمة: آيات حبيب
  • تدقيق لغوي: سُهاد العُمري.
  • المصادر: 1