
لماذا يواصل العديد من العلماء العمل بعد الوصول إلى سن التقاعد؟
يكشف الاستطلاع أن الرغبة في الحفاظ على هويتهم المهنية تدفع حاملي الدكتوراه لمواصلة العمل بعد تجاوزهم الستين من العمر.
وفقًا لمعلومات جديدة من مؤسسة العلوم الوطنية «NSF»، يستمر معظم العلماء الحاصلين على درجة الدكتوراه في الولايات المتحدة في العمل لفترة أطول بكثير مقارنةً بالأفراد العاديين، حتى إلى أواخر الستينيات وما بعدها في بعض الحالات. وغالبًا ما يتقاعد هؤلاء العلماء ليعودوا إلى العمل مرة أخرى في وقت لاحق. هذه النتيجة لن تكون مفاجئة للعلماء الأصغر سنًا الذين يسعون للحصول على وظائف في أقسام تضم علماء أكبر سنًا. ومع ذلك، تشير النتائج إلى أن العلماء يواصلون عملهم بدافع الرغبة في الحفاظ على هويتهم المهنية، مما يبرز أهمية أن يقوم أصحاب العمل، مثل الجامعات، بتطوير وتنفيذ سياسات مبتكرة تساعد العلماء الأكبر سنًا على التقاعد دون أن يفقدوا شعورهم بالمشاركة الذي يعتزون به.
تستند هذه النظرة الجديدة حول أنماط التقاعد إلى استجابات ما يقرب من 125 ألف عالم ومهندس، تتراوح أعمارهم بين 75 عامًا أو أقل، على استطلاع متلقين الدكتوراه الذي أجرته مؤسسة العلوم الوطنية. وفي أحدث تكرار للمسح طويل الأمد، أضافت مؤسسة العلوم الوطنية أسئلة جديدة حول قرار التقاعد أو مواصلة العمل. وقد أظهرت النتائج التي صدرت في شهر كانون الثاني/يناير 2025 أن %40 من المستجيبين المقيمين في الولايات المتحدة، والذين تتراوح أعمارهم بين 71 و75 عامًا، واصلوا العمل في بعض الوظائف؛ وهي تقريبًا ضعف النسبة %19 لعامة سكان الولايات المتحدة. ومن بين العلماء الذين مازالوا يعملون، تقاعد أكثر من نصفهم سابقًا ثم عادوا للعمل غالبًا بدوام جزئي.
وفقًا للمسح، عاد بعض الأفراد إلى العمل بحثًا عن دخل إضافي ورغبةً في التواصل الاجتماعي، بينما طُلب من آخرين العودة. ومع ذلك، كان السبب الأكثر شيوعًا الذي أُشير إليه هو رغبتهم في الحفاظ على هويتهم المهنية. إذ تشير النتائج بوضوح إلى أن العديد من المهنيين الأكبر سنًا يفضلون الاستمرار في العمل. وكما يوضح روجر بالدوين، الأستاذ الفخري في التعليم العالي بجامعة ولاية ميشيغان، الذي كتب عن موضوع التقاعد في الأوساط الأكاديمية: «إن النظرة التقليدية للتقاعد تشهد تغيرًا».
لا تميّز البيانات بين أنماط التقاعد للعلماء في الأوساط الأكاديمية عن أولئك الذين ينتمون إلى أقسام أخرى مثل الصناعية أو الحكومية. لكن دونا جينتر، أستاذة علم الاقتصاد في جامعة كنساس، والتي تدرس القوة العاملة الأكاديمية، تشك في أن معظم العاملين الأكبر سنًا هم أكاديميون.
وتوافقها المهندسة أليسون مكارثي، زميلة ما بعد الدكتوراه في مختبر الأبحاث البحرية الأمريكية ورئيسة مجلس ما بعد الدكتوراه التابع للجمعية الوطنية للدكتوراه، قائلةً: «هناك الكثير من الأساتذة الأكبر سنًا». يمكنها أن تفهم من أين أتوا. «فربما هم يتمتعون بوظائفهم، وربما يريدون الاستمرار». وتضيف أن هذه الظاهرة يمكن أن تكون محبطة للباحثين الأصغر سنًا الذين يأملون في وظائف مسار الحيازة. وتسأل العلماء الأكبر سنًا: «هل يمكنك التبرع بوقتك، ربما، إذا كنت في وضع “مالي” جيد لإتاحة وجود أفكار جديدة ووظائف أكثر للناس؟».
وتشير جينتر إلى أن الأساتذة الدائمين الذين يشغلون مناصبهم قد يعيقون الباحثين في بداية مسيرتهم المهنية من الحصول على وظائف. وتضيف أنه لا يوجد ضمان بأن الأكاديمي المتقاعد سيفتح منصبًا جديدًا. «لطالما استبدلت الجامعات، ولعقود طويلة، الوظائف غير المرتبطة بمسار الحيازة بوظائف تتعلق بتدفق الحيازة».
عندما تولّت كارول غولدبرغ، أستاذة الأبحاث المتميزة في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس، منصب نائبة المستشار قبل 14 عامًا، تفاجأت بعدد أعضاء هيئة التدريس المؤهلين للحصول على معاش تقاعدي كامل ولكنهم لم يتقاعدوا بعد. وكان ذلك مفاجئًا بشكل خاص بالنظر إلى أن العديد منهم كانوا سيحققون وضعًا ماليًا أفضل إذا اتخذوا هذا القرار. لذا، جعلت مهمتها تتمثل في فهم العوامل التي تعيق الناس ووضع استراتيجيات تلبي احتياجاتهم. إذ تقول: «كنت أرغب في إظهار أن التقاعد لا يعني بالضرورة التخلي عن الأنشطة المهنية التي يرغبون بها». بل على العكس، «إنه يمنحك الفرصة للتخلص من الأنشطة الأقل رغبة».
وجدت غولدبرغ أن بعض الأكاديميين لا يرغبون في الحصول على لقب “فخري” لأنهم يخافون أن يؤثر ذلك على قدرتهم في الحصول على تمويل للمنح أو تلقي دعوات للحديث. لذلك، اقترحت على الجامعة إنشاء لقب جديد هو “أستاذ باحث” لأعضاء هيئة التدريس المتقاعدين الذين لا يزالون يرغبون بالمشاركة في البحث. كما بدأ مكتبها بتنظيم حلقات نقاش مع أعضاء هيئة التدريس المتقاعدين، بهدف تسليط الضوء على الفوائد التي حصلوا عليها من الجامعة. وتوضح أن هذا النوع من التواصل، بالإضافة إلى التعديلات الأخرى في طريقة تعامل الجامعة مع الأساتذة بشأن هذه المسألة، أسهم في زيادة حالات التقاعد. «لقد كان الأمر دراماتيكيًا للغاية».
توضح عالمة الفيزياء النظرية هيلين كوين أن التطوع يمكن أن يكون مصدر إشباع للأفراد الذين قد يشعرون بأن التخلي عن العمل بالكامل سيكون “صدمة للنظام”. فبعد تقاعدها في عام 2010، انخرطت كوين في سنوات من العمل التطوعي بدوام كامل، إذ تولت رئاسة تقرير حول تعليم العلوم في المرحلة K-12 للأكاديمية الوطنية للعلوم. ومنذ ذلك الحين، استمرت الأستاذة الفخرية في مختبر المسرع الوطني SLAC بجامعة ستانفورد في تقديم استشارات في مجالات أبحاث وسياسات تعليم العلوم.
وتقول إنها كانت «طريقة لمتابعة مسيرتي كعالمة، والتفكير في كيفية تدريس العلوم وتعلمه».
خطى بالدوين خطوة مشابهة نحو تقاعده، إذ شغل مناصب تطوعية كرئيس لجمعية منظمات التقاعد في التعليم العالي وعضو في مجلس الأمناء بمؤسسته الجامعية. ويشير إلى أن الاستمرار في الانخراط في الأنشطة المهنية كان أمرًا حيويًا بالنسبة له. ويقول: «أشعر بأن لدي هدفًا مستمرًا ومشاركة فعالة».
ويضيف: «يعيش الناس الآن لفترة أطول وبصحة أفضل، وعلينا كمجتمع أن نتعامل مع حقيقة أن التقاعد ليس بالضرورة فترة ترفيه».
- ترجمة: تقوى العبيدي
- تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
- المصادر: 1