
نحن الآن نعرف أكثر من أي وقت مضى ما لا يَزِنُه الجسيم الشبح
بقلم بيير سيليريه، وكالة فرانس برس
أعلن علماء يسعون لاكتشاف الكتلة المُحيّرة للنيوترينوات — تلك الجسيمات الشبحية الدقيقة التي قد تحل بعض أكبر ألغاز الكون — حدًّا جديدًا يوم الخميس حول مدى ثقلها، مُخفضين التقدير السابق إلى النصف.
منذ اقتراح وجود النيوترينوات قبل قرن تقريبًا، كافح العلماء حول العالم لفهم الكثير عنها، خصوصًا كتلتها.
و هذا الأمر بالغ الأهمية لأن النيوترينو الذي يعد الجسيم الأكثر وفرة في الكون، «يَحْبِك خيطًا يربط بين المتناهي في الصغر والمتناهي في الكِبَر»، كما أوضح الفيزيائي تييري لاسير من المفوضية الفرنسية للطاقات البديلة والطاقة الذرية لوكالة فرانس برس.
وأضاف: «كتلته تُؤثر على البُنى التي تكوِّن الكون».
هذه الجسيمات غير المرئية تتدفق عبر الكون منذ الانفجار العظيم قبل 13.8 مليار سنة.
يصعب استيعاب عدد النيوترينوات في الكون، فهناك نحو مليار منها مقابل كل ذرة في الكون.
لكن نظرًا لضآلة كتلتها وافتقارها لشحنة كهربائية، نادرًا ما تتفاعل النيوترينوات مع المادة.
وعلى سبيل المثال، يُعتقد أن تريليونات من هذه “الجسيمات الشبحية” تمر عبر أجساد البشر كل ثانية دون أن نُدرك ذلك.
هذا يجعل دراستها غاية في الصعوبة، لكن ليست مستحيلة.
مطاردة الأشباح
أكثر من مئة عالم من ست دول يطاردون النيوترينوات منذ 2019 كجزء من تعاون “كاترين” في معهد كارلسروه للتكنولوجيا بألمانيا.
في دراسة نُشرت بمجلة “ساينس” يوم الخميس، أعلن الفريق أن كتلة النيوترينو لا يمكن أن تتجاوز 0.45 إلكترون فولت— أي أقل من مليار جزء من كتلة البروتون الموجود في نواة كل ذرة.
الحد الأعلى الجديد لكتلة النيوترينو يُقلص الرقم الذي أعلنته “كاترين” عام 2022 بعد قياساتها الأولى إلى النصف تقريبًا.
تستخدم “كاترين” مطيافًا ضخمًا لتسجيل تحلل التريتيوم (نظير مشع للهيدروجين) الذي يُطلق إلكترونات ونيوترينوات.
تدور هذه الجسيمات داخل هيكل طوله 70 مترًا يهيمن عليه مطيافٌ وزنه 200 طن يعمل في فراغ.
ويتشارك الإلكترون والنيوترينو الطاقة الناتجة عن تحلل التريتيوم، لذا تكمن الحيلة في قياس طاقة الإلكترون لاستنتاج معلومات عن النيوترينو.
هذا يتطلب قياس عدد هائل من الإلكترونات:
– 6 ملايين إلكترون قُيست للوصول إلى نتائج “كاترين” الأولى عام 2022.
– 36 مليونًا لبلوغ الرقم الأكثر دقة المُعلن يوم الخميس.
قال لاسيريه: «عند جمع جميع بياناتنا بنهاية العام، سيكون الفريق قد قاس نحو 250 مليون إلكترون».
ستكون تلك لحظة الحقيقة: إما أن تكتشف التجربة أخيرًا “أثرًا” للنيوترينو، أو تُحدد أن كتلته أقل من 0.3 إلكترون فولت.
الطاقة المظلمة
يأمل العلماء أن يساعد تحديد كتلة النيوترينو في كشف أسرار كونية عالقة.
رغم خفتها المدهشة، أُدرجت النيوترينوات في نماذج تهدف إلى تفسير الطاقة المظلمة — القوة المجهولة التي يُعتقد أنها تُسرع توسع الكون.
ويُقدّر أن 95% من الكون تتكون من الطاقة المظلمة والمادة المظلمة (المجهولة أيضًا)، بينما تشكل كل المكونات الأخرى 5% فقط.
تخطط “كاترين” لإنشاء نظام كشف جديد اسمه “تريستان” لصيد نوع غير معتاد من النيوترينوات يُسمى “النيوترينوات العقيمة”.
هذه الجسيمات الافتراضية لا تتفاعل مع المادة لكنها أثقل بكثير من النيوترينوات العادية.
وقد اقترح بعض العلماء أن هذه النيوترينوات الثقيلة على نحو غريب قد تكون في الحقيقة ما نعرفه باسم المادة المظلمة.
- ترجمة: عبد الرحمن تميم.
- تدقيق علمي ولغوي: فريال حنا
- المصادر: 1