الجلوس الخاطئ ومشاكل الظهر
لقد أجبرتنا جائحة كورونا على العمل من المنزل بدوام كامل ومن الآثار الجانبية لهذا هو العمل في بيئة لا تتوافق بشكل كامل مع شروط العمل المثالية. فعندما بدأنا بملازمة المنزل لم يكن لمعظمنا مكتبٌ منزلي مجهّز للعمل، فإذا كنت قد أمضيت الشهرين الماضيين محاولًا إيجاد مثل ذلك المكتب بما هو متوفر لديك كاستعارة الكرسي من غرفة المعيشة مع وسادة لتضعها خلفك، فلست الوحيد الذي مررت بهذا.
وبحسب إستر جوخال، الخبيرة في وضعيات الجسم وعلاج الوخز بالإبر ومبتكرة (طريقة جوخال)، أنه، وبغض النظر عن التجهيزات التي قمنا بها للجلوس والعمل في المنزل، إلا أن هناك بعض الأشياء المهمة التي يمكننا فعلها للعناية بظهورنا، وهذا لا يتطلب منا شراء كرسي باهظ الثمن مثلًا. تقول إستر: «أنت لا تحتاج لأي شيء فاخر أو مكلّف إذا كنت تعلم كيف تتعامل مع جسمك بشكل صحي».
بدايةً، ليست المشكلة هنا بالجلوس بحد ذاته، بل في طريقة الجلوس.
إذ تقول إستر: «يمكننا البدء بمقدمة مختصرة لطيفة: «الجلوس اليوم يشكل تهديدًا مشابهًا للتدخين»، ولكن إنه لخطأ كبير إلقاء اللوم على الجلوس كفعل مجرد؛ لأننا اليوم في مجتمعاتنا الغربية لا نعتني بشكل واعي وصحي بأقراص عمودنا الفقري أوبفقرات ظهرنا أو عضلاتنا أو أعصابنا».
إذًا ما الخطأ الذي نرتكبه؟
بدأ هذا الخطأ في الواقع بشيء تعلمناه جميعًا منذ الطفولة، وعلى ما يبدو لم يكن صحيحًا، ألا وهو الجلوس باستقامة وإرجاع الكتفين.
تقول إستر: «إن هذه النصيحة عرضّت أجسامنا لوضعيات خاطئة ومؤذية؛ لأن ما نقوم به يؤدي إلى تقوّس ظهورنا بسبب شدِّنا لعضلاتنا – تلك العضلات التي تشبه الحبال والتي سيخبرك اختصاصي التدليك بأنها مشدودة، إذ إن هذه العضلات تتقلص عندما نشدها وبالتالي فهذا يسبب تقوس الظهر، إضافةً إلى أن هذه الوضعية تضغط على أقراص العمود الفقري (في أسفل الظهر) وتدفع حواف الفقرات بقوة لترتصّ بعضها ببعض».
وتبين إستر أنه ربما مع مرور الوقت ينبغي أن نغير من بنيتنا الجسمانية إذا استمرينا بالجلوس باستقامة، قائلةً: «إذا أصبحت وضعية الجلوس هذه عادة -وهي كذلك لدى معظم الناس- فسوف تعرقل العضلات المشدودة والمتقلصة سريان الدماء وبالتالي الإصابة بفقر الدم في منطقة الظهر وهي من الحالات التي يصعب علاجها بفعالية».
كما إن هذه الوضعية تتطلب جهدًا كبيرًا، وهي لا تدوم طويلًا إذ سرعان ما نعود لوضعيتنا السابقة عندما نتعب.
إذا كنت تميل للجلوس منحنيًا للأمام -ومعظمنا يفعل ذلك- فأنت بحاجة لتعلم كيفية إطالة ظهرك. تقول إستر: «بإمكانك أن تتوقف بشكل دوري لبضع دقائق لتمطيط عضلاتك لترتاح قليلًا والأفضل من ذلك هو استغلال هذه الدقائق في الجلوس والتمطيط على مسند الظهر».
وقد ابتكرت إستر تقنية تدعى (جلوس التَمَطِّي)، وللمساعدة في إتقان هذه الوضعية. والسر في هذه التقنية يكمن في عدم الضغط على عظمة العصعص، واستعمال العضلات بشكل أكبر.
تشرح إستر هذه التقنية في حديث لها على منصة TEDx Talk، (بإمكانك مشاهدته بالنقر هنا)، وإليك مقتطفًا منه:
«أولًا، اجلس على كرسيك مرجِعًا أسفل ظهرك إلى الوراء قدر ما أمكن، ثم توقف بعيدًا عن مسند ظهر الكرسي، وضع قبضتيك على الحد السفلي للقفص الصدري، ثم ادفع نفسك للوراء برفق ممددًا منطقة أسفل الظهر. والآن، تمسك بأي مكان تصل إليه يديك كذراع الكرسي أو أي جزء آخر من كرسيك، ثم ادفع القسم العلوي من جسمك برفق بعيدًا عن القسم السفلي. والآن، اترك نفسك لتعود مستندًا على مسند الظهر.
حسنًا، إذا كان كرسيك ذو مسند مريح عند الظهر فسيكون ذلك مثاليًا، أو يمكنك وضع أي أداة كوسادة جلوس مخصصة لإراحة الظهر في أثناء الجلوس، أو منشفة مطوية – أو أي شيء ثابت ويمكنك أن تستند عليه عند وسط الظهر، وإذا لم تجد فحاول أن تجمع قماش ثيابك لتجعل منه حافة يمكنك الاستناد عليها والجلوس باسترخاءٍ تام».
للحصول على ظهر سليم وقوي، من المهم أن نطور دعاماته الأساسية؛ لكن ينبغي تجنب ممارسة تمارين البطن. تعتقد إستر أنه عليك أن تركز على ما يسمى (المشد الداخلي)، وهي عبارة عن مجموعة من العضلات الأساسية التي تدعم العمود الفقري، ولكن المشكلة تكمن بأن الكثير من الناس يميلون للتركيز على تقوية عضلة واحدة وهي العَضَلَةُ المُسْتَقِيْمَةُ البَطْنِيَّة إلا أنها لا تدعم عمودنا الفقري.
في الواقع، فإن التمارين التي نمارسها لتقوية الظهر تؤدي غالبًا إلى أذيته، تقول إستر: «هذه التمارين يمكن تسميتها بالمحطمات؛ لأنها تضغط على أقراص العمود الفقري وتنهك الأعصاب، بدلًا من ذلك يجب عليك إشراك عضلات عميقة معينة موجودة في البطن والظهر، وبالتالي تتحمل تلك العضلات الضغط والعبء بدلًا من الأعصاب وأقراص الظهر عندما تقوم بأي نشاط». وتقدّم إستر دليلًا مجانيًا لرعاية مشدّك الداخلي (على موقعها الإلكتروني).
يمكن أن يكون العمل واقفًا خيارًا جيدًا، ولكن يتبقى عليك معرفة كيفية القيام بذلك.
في أثناء الوقوف، توصي إستر بتبني وضعية «التأهب» وهي أن تحافظ على القليل من المرونة في ركبتيك. فإن أغلب الأشخاص عندما يقفون يضغطون على المفاصل، ويثبتون ركبهم للخلف وأوراكهم إلى الأمام، ويبقون ظهورهم مقوسةً لفترة طويلة، وتضيف قائلةً: «الفخذ هو المكان حيث تجري معظم الدورة الدموية من خلاله من وإلى الساقين، وبالتالي فإن طريقة الوقوف هذه تعرقل الدورة الدموية مسببةً انحناء العمود الفقري، وانتفاخ الأربطة وتلف الأقراص الفقرية».
إليك هنا ما تحتاج لتعديله في وضعية وقوفك. تقول إستر: «لذا ما أعلمه للناس هو أن يتخذوا وضعية الاستعداد مع القليل من المرونة في الوقوف، وهذا يتطلب مجهودًا عضليًا ولكنه أسلم للمفاصل، وإذا كنت غير معتادٍ على تركيز الجهد على عضلاتك فعليك بممارسة تمرين الكرسي (وهو تمرين مأخوذ من «اليوجا») لتقوية تلك العضلات التي تحتاجها للوقوف الصحي، وبشكل عام، استخدم عضلاتك، وحافظ على مفاصلك».
عندما تستريح على الأريكة، افعل ذلك بطريقة جيدة لصحة ظهرك. لا يتوقف تأثيرنا على أجسادنا سلبًا كان أم إيجابًا عند انتهائنا من العمل، إذ إن كل شيء نفعله يؤثر على أجسامنا، لذلك تقترح إستر أنه وحتى عندما نجلس على الأريكة يجب علينا أن نراعي تقنية (جلوس التَمَطِّي) آنفة الذكر.
هذا لا يعني أن عليك أن تبقى مشدودًا أو لا تسترخي على أريكتك المريحة، ولكن ربما تحتاج لاستخدام المزيد من الوسائد إذا شعرت أنك بحاجة لمزيد من الدعم، تقول إستر: «أهم شيء في هذا هو أن تكون قائمًا ومسترخيًا، وليس قائمًا ومشدودًا وغير مرتاح. فالذي يلعب دورًا هنا هو طريقة تموضع منطقة الحوض لديك، وهذا يعني عدم ثني أو ضغط أسفل الظهر وهذا ما يفعله أغلبنا عند الاسترخاء على الأريكة».
طريقة نومك تؤثر على ظهرك أيضًا: للأسف، إستر تحمل أخبارًا سيئة للذين ينامون على بطونهم قائلةً: «عندما تنام على بطنك، فأنت تميل إلى تقويس ظهرك، وتضطر رقبتك إلى أن تدور بزاوية 90 درجة، ويؤدي ذلك إلى المزيد من الضغط والإرهاق لجسمك. وبدلًا من ذلك، جرّب النوم على أحد الجانبين، مع وضع وسادة بين ركبتيك لموازنة الوركين إذا كنت تعاني من آلام الظهر أو يمكنك النوم على ظهرك».
الرائع في كل هذا هو أنك لا تحتاج إلى سرير فاخر لاسترخاء صحي. تقول إستر: «إن أهم شيء هو أن تمدّد جسمك على السرير، فإذا أمضيت نهارك بوضعيات خاطئة من تقويس الظهر والانكماش وعدم الراحة، فستبقى كذلك في أثناء النوم»؛ لذلك فهي تنصح بشد جسمك قليلًا بعد الاستلقاء والتركيز على ظهرك بدلًا من مقدمة جسمك، حتى لا يتقوس عمودك الفقري، وبهذه الطريقة يمكنك الاسترخاء والحصول على نوم جيد والمحافظة على صحة ظهرك.
- ترجمة: هزار حمود
- تدقيق علمي ولغوي: بهاء كاظم
- المصادر: 1