عقارٌ عن طريق الفم يفيد بعلاج السكري من النوع الأول، لسنتين على الأقل بعد التشخيص

الاستخدام المستمر لعقار فيراباميل* لعلاج مرض السكري من النوع الأول يظهر فوائد لمدة سنتين على الأقل.

لا يحتاج المرضى ممن يتناولون دواء ضغط الدم عن طريق الفم إلى إنسولين أقل يوميًا بعد عامين من التشخيص الأول للمرض فحسب، بل ظهر دليل على فوائد تعزيز المناعة وبنحو مفاجئ أيضًا.

لكي يستفيد المريض من العلاج بشكلٍ أمثل، عليه الالتزام بالاستمرار بتناول الجرعة اليومية بانتظام، فقد وجدت دراسة امتدت لعامين أنَ المرضى الذين يتوقفون عن تناول علاجهم بعد السنة الأولى يظهرون تدهورًا بوتيرة تماثل مجموعة المقارنة في الدراسة (وهم مرضى السكري من النوع الأول الذين لم يتناولوا عقار الفيراباميل على الإطلاق).

إن السكري من النوع الأول مرض يصيب خلايا بيتا البنكرياسية التي تنتج الإنسولين الداخلي. ويجب على المرضى أخذ الإنسولين الخارجي عن طريق حقن أو مضخات لتعويض النقص، مما يجعلهم عرضة لمخاطر جدية بسبب حدوث انخفاض نسبة السكر في الدم، كما لا يوجد علاج فموي لهذا المرض.

والاقتراح بأن الفيراباميل قد يعمل كعقارٍ محتمل لمرض السكري من النوع الأول هو اكتشاف غير متوقع لمرشدة الدراسة (أنث شاليف)، طبيب ومدير مركز السكري الشامل في جامعة ألاباما في برمنجهام. هذه النتيجة نابعة من أكثر من عقدين من بحثها الأولي على جين في البنكرياس يسمى (تي اكس ان آي بي) TXNIP.

في عام 2014، أفادت شاليف في مختبر أبحاث جامعة ألباما أن الفيراباميل عَكَسَ تمامًا السكري في النماذج الحيوانية، وأعلنت عن خطط لاختبار آثار الدواء في تجربةٍ سريرية بشرية.

علما أن إدارة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة (FDA) وافقت على الفيراباميل لعلاج ارتفاع ضغط الدم منذ عام 1981.

في عام 2018، أفادت شاليف وزملاؤها عن فوائد للفيراباميل في دراسة سريرية لمدة عام واحد لمرضى السكري من النوع الأول، ووجدوا أن المعالجة الفموية المنتظمة بالفيراباميل تُمَكِن المرضى من إنتاج مستويات أعلى من الإنسولين الداخلي، وبالتالي تقليص حاجتهم إلى الإنسولين بالحقن لتنظيم مستويات السكر في الدم.

وَتُعد الدراسة الحالية امتدادًا لتلك النتيجة وتقدم إيضاحات مهمةً حولَ آلية العمل والمعالجة السريرية للفيراباميل وفائدته في مرض السكري من النوع الأول، باستخدام التحليل البروتيومي وتسلسل الحمض النووي الريبي (رنا) (RNA).

لفحص التغيرات في بروتينات مصل الدم، استخدم الباحثون جهاز كروماتوغرافيا السوائل بالترادف مع القياس الطيفي للكتلة لعينات مصل الدم لأشخاص مشخصين بمرض السكري من النوع الأول خلال ثلاثة أشهر من التشخيص وفي سنة واحدة من المتابعة أيضًا.

فقد أظهر ثلاثة وخمسون بروتينًا تغيرًا كبيرًا في الوفرة النسبية استجابة للفيراباميل مع مرور الوقت.

وتعرف هذه البروتينات المشمولة بالدراسة بأنها ضالعة في التثبيط المناعي والمناعة الذاتية لمرض السكري من النوع الأول.

كان بروتين كروموغرانين أ (Chromogranin A) الأعلى تأثرا من المعالجة بالفيراباميل إذ انخفض مستواه مع استمرار العلاج.

وتموضع الكروموغرانين أ في الحبيبات الإفرازية ومن ضمنها حبيبات خلايا بيتا البنكرياسية، إذ توحي تغيرات مستويات كروموغرانين أ بتغيرات سلامة خلايا بيتا، ولكن مستويات الكروموغرانين أ العالية في مستهل مرض السكري للنوع الأول لم تنخفض لدى الأشخاص في مجموعة المقارنة الذين لم يتناولوا العقار.

وتقاس مستويات كروموغرانين أ مباشرة وببساطة باستخدام فحص إلايسا بعد سحب الدم أيضًا، وترتبط المستويات الأقل بتحسن إنتاج الأنسولين داخل الجسم، إذ يقاس بالفحص المختلط المحفز بالوجبة ل بيبتايد سي أو (ج) (فحص قياسي لتقدم مرض السكري من النوع الأول).

تقل مستويات تركيز كروموغرانين للمتطوعين الأصحاء (غير مصابين بداء السكري) في المصل لتصل إلى حوالي النصف لمستويات المصابين بداء السكري من النوع الأول، وتتشابه مستويات كروموغرانين أ في الأشخاص المصابين بعد سنة من المعالجة بعقار الفيراباميل مع مستويات الأصحاء، ولكن تلك المستويات ترتفع للأشخاص، عند إيقاف العلاج خلال العام الثاني.

وقالت شاليف «يبدو أن كروموغرانين أ في المصل يماثل تغيرات وظائف خلايا بيتا واستجابتها للعلاج بالفيراباميل او تقدم داء السكري من النوع الأول، لذلك قد يوفر مؤشرًا طوليًا على نجاح العلاج أو تفاقم المرض».

هذا من شأنه تلبية حاجة ماسة، إذ كان فقدان مؤشر طولي يعد تحديًا كبيرًا في مجال السكري من النوع الأول».

وقد حددت مختبرات أخرى الكروموغرانين أ كمستضد ذاتي في النوع الأول للسكري ويحث خلايا المناعة التائية على الضلوع باعتلال المناعة الذاتية.

لذلك تساءلت شاليف وزملاؤها عما إذا كان الفيراباميل مؤثرًا على الخلايا التائية.

فوجدوا أن العديد من المؤشرات الالتهابية للخلايا التائية المساعدة المتضمنة (سي اكس سي ار٥) و (انترليوكين٢١) ارتفعت ارتفاعًا واضحًا في الكريات وحيدة النواة عند الأشخاص المصابين بالسكري من النوع الأول، بالمقارنة مع الأصحاء في مجموعة المقارنة، كما وجدوا أن هذه التغيرات عُكِست بالمعالجة بالفيراباميل.

وقالت شاليف: «توضح نتائجنا ولأول مرة أن العلاج بالفيراباميل قد يؤثر على جهاز المناعة ويعكس مسار هذه التغيرات الناجمة عن داء السكري النوع الأول».

«وهذا يرجح ان الفيراباميل و/أو التحسن على مرضى السكري من النوع الأول المتحقق منه، يمكن أن تنظم بعض المحفزات الالتهابية مثل السايتوكينات ومجاميع الخلايا التائية المساعدة وهذا يساهم في الفوائد الشاملة الواضحة سريريًا».

كما استخدم تسلسل الحمض النووي الريبي (رنا) لعينات من جزيرة البنكرياس عند تعريضها لسكر الجلوكوز بوجود أو غياب الفيراباميل لتقييم التعبير الجيني لخلايا بيتا الموجودة في هذه الجزيرة ومدى انخفاضه أو ارتفاعه.

إذ أظهرت النتائج أن الفيراباميل ضبط نظام ثايوريدوكسين بضمنه (تي اكس ان أي بي) وعزز التعبير الجيني المضاد للاكسدة والمضاد للفطريات والمنظم للمناعة.

تغييرات مثل هذه تكفل حماية خلايا بيتا في جزر البنكرياس البشرية وقد توضح توضيحًا إضافيًا التحسينات المستدامة لوظيفة خلايا بيتا الظاهرة باستمرار استخدام الفيراباميل.

ومن المهم أن نذكر أن شاليف وزملائها حذروا من أن دراستهم تحتاج الى تأكيد من خلال دراسات سريرية تضم عدد أشخاص أكبر، مثل الدراسة الحالية لمرض السكري من النوع الأول الجارية في أوروبا.

لكن أهميتها تكمن في الحفاظ على جزء من فعالية خلايا بيتا، قالت شاليف: «حتى الحفاظ على المقدار الضئيل من إنتاج الأنسولين الداخلي يقلل من الاعتماد على الأنسولين الخارجي بكميات أكبر مما يؤدي إلى تحسن محصلة المعالجات ويحسن نوعية المعيشة ويقلل الكلف الباهظة لاستخدام الأنسولين، كما أن الحقيقة من الفوائد المتحققة والدائمة من المواظبة على العلاج لمدة عامين، يقابلها تطور المرض عند إيقاف الفيراباميل تدعم فائدته الكامنة للعلاج الطويل الأمد.

*(علاج عن طريق الفم يستخدم عادة لمعالجة ضغط الدم)

  • ترجمة: محمد إقدام الشديدي
  • تدقيق علمي ولغوي: حسام عبدالله
  • المصادر: 1