تنام أسماك القرش بالفعل، وأحيانًا بعيون مفتوحة تمامًا

تمكن الباحثون أخيرًا من اكتشاف حل لغز قديم يتعلق بنوم سمك القرش بعد التيقّن لأول مرة أنّ الحيوانات المفترسة في المحيطات تنام. ومع ذلك، وبخلاف البشر ومعظم الحيوانات الأخرى، يمكن لهذه الأسماك الغريبة أن تغفو بعيون مفتوحة على مصراعيها.

ففي دراسةٍ جديدةٍ نُشرت على الإنترنت في 9 مارس/ آذار في مجلة Biology Letters، قاس مايكل كيلي، عالم فيزيولوجيا البيئة في جامعة أستراليا الغربية، وزملاؤه معدل الأيض، أو مقدار الطاقة المستهلكة في وقت معين، في أسماك القرش من نوع draughts board، إذ اتضح أنّ هذه المخلوقات دخلت في كثير من الأحيان في حالة راحة للحفاظ على الطاقة؛ وبشكل عام يصف الباحثون هذه الراحة بالنوم عند استمرارها لأكثر من خمس دقائق.

وكتب الباحثون في الورقة البحثية « قدمنا ​​أول دليل فسيولوجي على نوم أسماك القرش». وأضافوا أنّ هذا الاكتشاف يمكن أن يفتح الباب أمام دراسة النوم في أنواع أخرى من أسماك القرش، كما يمكنه إعطاء رؤية واضحة حول كيفية تطور نومنا.

كما بحث الفريق عن دلائل مادية أخرى عما إذا كانت أسماك القرش تنام، فوجدوا أنّ أسماك القرش اتخذت وضعية جسد مسطحة وثابتة أثناء غفوتها ويمكنها حتى النوم دون إغلاق أعينها.

قياس التمثيل الغذائي

تنام جميع أنواع الحيوانات في مملكة الحيوان، مما يدل على أن هذا السلوك ظهر مبكرًا في التاريخ التطوري، إذ كتب الباحثون أن النوم تطور غالبًا كطريقة يحافظ بها الحيوانات على الطاقة.

وكتب الباحثون في الورقة البحثية «يُعد توفير الطاقة أثناء النوم أمرًا مألوفًا في حيوانات متنوعة، بما في ذلك البشر والقطط والجرذان والطيور وذباب الفاكهة». لكن العلماء لم يكونوا متأكدين مما إذا كانت معظم الأسماك تنام أيضًا.

من المعروف أن بعض أسماك القرش تدخل في حالة من الراحة حيث تتوقف عن السباحة وتبقى في مكان واحد، وهو ما يمكن القيام به للحفاظ على الطاقة والإشارة إلى أنها تنام. لكن لم يقم أحد بقياس معدل الأيض بوضوح لأسماك القرش خلال فترات الراحة هذه.

في دراسة نشرت عام 2020 في مجلة أبحاث النوم، أظهر كيلي وباحثون آخرون أنّ أسماك القرش من نوع draughtsboard sharks وأسماك قرش بورت جاكسون تتطلب محفزًا كهربائيًا أقوى للتفاعل عندما تكون في حالة الراحة. وعلى الرغم من قوة هذا الاستنتاج، إلا أنّها لم تستطع أن تظهر بشكل قاطع ما إذا كانت أسماك القرش نائمة.

لذلك ولتأكيد الدراسة الجارية، راقب الباحثون استهلاك طاقة أسماك القرش من نوع draughtsboard sharks على مدار 24 ساعة. وللقيام بذلك، التقط الباحثون سبعة أسماك قرش من النوع نفسه قبالة ساحل نيوزيلندا واحتفظوا بها في خزانات تدفق خاصة تضخ المياه باستمرار عبر غرفة تسمح لأسماك القرش بالسباحة في مكانها. ثم تعرضت أسماك القرش بعد ذلك لدورات من الضوء والظلام لمدة 12 ساعة لمحاكاة النهار والليل وتُركت للتأقلم في بيئتها الجديدة قبل بدء التجارب.

راقب الباحثون خلال التجارب مستويات الأوكسجين في الماء، إذ تستخدم أسماك القرش، مثل البشر المزيد من الأوكسجين عند حرق المزيد من الطاقة عن طريق التنفس، لذا فقد كشف انخفاض مستويات الأوكسجين في الماء عن معدل الأيض لأسماك القرش.

ووجد الفريق أنّ الأسماك استخدمت كمية أقل من الأكسجين بشكل ملحوظ خلال فترات الراحة، خاصةً عندما استمرت تلك الفترات لأكثر من خمس دقائق، كما يؤكد أنّ هذا هو الوقت الذي يبدأ فيه النوم حقًا. وكتب الباحثون أن الأبحاث السابقة أشارت إلى أن أسماك القرش من نوع draughtsboard sharks هي أسماك ليلية، بينما أظهرت النتائج الجديدة التي توصل إليها الفريق أنها تنام فعليًا لفترات قصيرة طوال النهار والليل.

مؤشرات النوم

بعد التأكد من نوم أسماك القرش، بحث الفريق عن الصفات الجسدية التي يمكن استخدامها كمؤشرات محتملة للنوم في أنواع أسماك القرش الأخرى.

إذ حدد الباحثون المؤشر الأكثر وضوحًا للنوم، بخلاف النشاط الأيضي، وهو وضع الجسم المسطح والثابت أثناء الاستراحة، فخلال النهار كانت أسماك القرش تقوم بهذه الوضعية أكثر بكثير أثناء الراحة، وكتب الباحثون في الورقة البحثية «قد يدل ذلك إلى أن الحيوانات تنام أسرع خلال النهار».

في معظم الحيوانات الأخرى، أحد أكثر مؤشرات النوم موثوقية هو عندما يغلق الحيوان عينيه لفترة طويلة، ومع ذلك، أبقت أسماك القرش من نوع draughtsboard sharks أحيانًا عيونها مفتوحة أثناء النوم.

دائمًا ما تغلق أسماك القرش أعينها أثناء النوم في النهار، ولكن أثناء النوم في الليل، كانت عيون القرش مفتوحة في حوالي 38% من الوقت. وكتب الباحثون في الورقة البحثية «يشير هذا إلى أن إغلاق العين مرتبط على الأرجح بعامل خارجي، مثل وجود الضوء».

هل تنام جميع أنواع أسماك القرش؟

لا تستطيع جميع أسماك القرش النوم، فقط أسماك القرش القادرة على الضخ الشدقي ( وهي عملية تتمثل بضخ المياه عبر خياشيم أسماك القرش لضمان توفير أكسجين نقي) يمكنها البقاء في مكان واحد. وفقًا للبحث يجب مثلًا أن تتحرك أسماك القرش الكبيرة باستمرار لضخ المياه الغنية بالأكسجين على خياشيمها، ومع ذلك، كتب الباحثون أن الدراسة الجديدة تشير إلى أن معظم أنواع أسماك القرش تنام، لكن من المرجح أن تختلف طريقة النوم بالضبط بين المجموعات المختلفة.

فمثلًا لا يمكن لأسماك القرش البيضاء الكبيرة (Carcharodon carcharias) الدخول في حالة من الراحة حتى تنام ويجب أن تستمر في السباحة أو تخاطر بنفاد الأوكسجين، ولكن كما تحتاج أسماك القرش الصغيرة مثل الأسماك من نوع draughtsboard sharks إلى النوم، فمن المحتمل جدًا أن تحتاج أسماك القرش البيضاء الكبيرة إلى النوم أيضًا.

أظهرت دراسة قديمة نُشرت في عام 1977 في مجلة Brain Research، أن الأعصاب المستخدمة في تنسيق حركات السباحة تقع في العمود الفقري وليس في الدماغ، مما قد يشير إلى أن أسماك القرش الكبيرة غير الشدقية قد تكون قادرة في الواقع على جعل أدمغتها تستريح أو تنام دون الاضطرار إلى التوقف عن السباحة، بيد أنه ما زال هناك حاجة إلى مزيد من البحث لتأكيد هذه الفرضية.

يأمل الباحثون أيضًا أن تساعد الدراسة الجديدة في الإجابة عن أسئلة حول كيف ومتى تطور النوم في الحيوانات الأخرى، مثل البشر، لأن أسماك القرش هي من أقدم الفقاريات وقد اختلفت عن البشر منذ ما لا يقل عن 440 مليون سنة، وفقًا لأحفورة ذكرت سابقًا في Live Science أن سلفًا مشتركًا بين البشر وأسماك القرش تم العثور عليه في عام 2018.

كما كتب الباحثون في الورقة البحثية «تمثّل أسماك القرش المجموعة الأولى من الفقاريات الفكية، وبالتالي، قد توفر رؤية واضحة أولية لتطور النوم في الفقاريات».

  • ترجمة: عبير زبون
  • تدقيق علمي ولغوي: نور عباس
  • المصادر: 1